يشغل البحث عن الاقتصاد الإسلامي حيِّزاً كبيراً في الوقت الحالي، وخصوصاً مع تصاعد الصناعة المالية الإسلامية بأجنحتها المتعددة من بنوك وشركات استثمارية وشركات تأمين ومؤسسات خادمة وغيرها، ونرى أنه من الواجب توضيح أهم المبادئ والأسس التي يقوم عليها الاقتصاد الإسلامي، لهذا أحببنا في هذا المقال الملخص بيان أهم القواعد والمباني التي أسس عليها هذا الاقتصاد.
التعريف: الاقتصاد الإسلامي هو مجموعة المبادئ والأصول الاقتصادية التي تحكم النشاط الاقتصادي للدولة الإسلامية وفق نصوص القرآن الكريم والسنة النبوية، والتي يمكن تطبيقها بما يتلاءم مع ظروف الزمان والمكان، ويعالج الاقتصاد الإسلامي مشاكل المجتمع الاقتصادية وفق المنظور الإسلامي للحياة.
مبادئ الاقتصاد الإسلامي: يقوم الاقتصاد الإسلامي على مبدأين:
- المال مال الله ونحن مستخلفون فيه: وبذلك نحن مسئولون عن هذا المال، كسباً وإنفاقاً أمام الله في الآخرة، وأمام الناس في الدنيا، فلا يجوز أن يُكتسب المال من معصية أو ننفقه في حرام، ولا فيما يضر الخلق، وجاء في الحديث الصحيح الذي يرويه الإمام البخاري قوله عليه الصلاة والسلام «الخيل لثلاثة» ويمكن إسقاط المعنى على جميع أنواع المال: «لرجل أجر ولرجل ستر وعلى رجل وزر. فأما الذي له أجر فرجل ربطها في سبيل الله، فأطال لها في مرج أو روضة، فما أصابت في طيلها من المرج أو الروضة كانت له حسنات ولو أنها قطعت طيلها فاستنت شرفا أو شرفين كانت أرواثها حسنات له، ولو أنها مرت بنهر فشربت منه ولم يرد أن يسقيها كان ذلك حسنات له، ورجل ربطها تغنياً وستراً وتعففاً لم ينس حق الله في رقابها وظهورها فهي له كذلك ستر، ورجل ربطها فخراً ورئاء ونواء لأهل الإسلام فهي وزر على ذلك».
ومن هنا يأتي مبدأ مراقبة الله عز وجل في الصادرات والواردات على المستوى الشخصي والأسري والمجتمعي والحكومي والدولي.
- دور المال: المال هو أداة لقياس القيمة ووسيلة للتبادل التجاري، وليس سلعة من السلع، فلا يجوز بيعه أوشراؤه أو تأجيره، وهذا المبدأ أشار إليه العديد من الفلاسفة والمتكلمين وعلماء الاجتماع والاقتصاد قبل الإسلام كأمثال أفلاطون وأرسطو وغيرهم كثير، ومن هنا ينبع مفهوم أن المال لا يشترى بالمال، وتحويله لسلعة تباع وتشترى وتستأجر يحوله لغول ينهش الإنسان والمجتمعات، ويتحول من خلاله المجتمع إلى مجتمع جشع كسول غير منتج يقوم على الإضرار بالآخرين والإخلال بأنظمة السوق الأساسية.
خصائص الاقتصاد الإسلامي:
- ربانية المصدر: فهو اقتصاد مستقل قائم على الوحي الإلهي، ومبادئه مستنبطة من كتاب الله عز وجل وسنة رسوله (ص)، فليس هو حصيلة أفكار مرقعة شرقية وغربية أو من أفكار بشر. ومن هنا يتحقق اطمئنان البشر إليه لكون أصوله قائمة على أسس متينة وواضحة وغير قابلة للتناقض أو النقص.
- التيسير ورفع الحرج ورفض المشقة والتشديد: فالاقتصاد الإسلامي والمعاملات المالية الإسلامية تعتمد على القاعدة الفقهية التي تنص على أن الأصل في المعاملات الإباحة، وهي القاعدة التي بناها الحنابلة واستقرت عند الفقهاء باعتبارها القاعدة الأفضل والأكثر استقراراً وإبداعاً، وانطلاقاً من القاعدة الشرعية «أن الشريعة مبنية على التيسير ورفع الحرج»، فالإسلام لا يحرم أمراً إلا درءاً لمفسدة، أو تحقيقاً لمصلحة خفية أو ظاهرة، فكل ما لم يرد فيه نص على تحريمه فهو مباح، يقول تعالى «ما جعل عليكم في الدين من حرج» (الحج 78)، ويقول النبي (ص): «الحلال ما أحل الله في كتابه والحرام ما حرم الله في كتابه وما سكت عنه فهو مما عفا عنه» رواه الترمذي.
- المشاركة في المخاطر: وهي أساس الاقتصاد الإسلامي وعماده، وهي الصفة المميزة له عن غيره من النظم، فالمشاركة في الربح والخسارة هي قاعدة توزيع الثروة بين رأس المال والعمل، وهي الأساس الذي يحقق العدالة في التوزيع، وفقاً لقاعدة (الغنم بالغرم)، ويمكن ملاحظة هذه القاعدة من خلال المعاملات المالية المتعددة التي تطبقها البنوك الإسلامية، فالبنك يتحمل ضمان السلعة عند شرائها إلى بيعها، فلا يستحق ربحها إلا بعد تحمل ضمانها، والمضارب (البنك في الغالب) يتحمل خسارة جهده وتعبه إن خسرت المضاربة، ويتحمل الشريك ما يتعلق بنصيبه في المشاركة، ويتحمل المؤجر تكلفة الصيانة الأساسية والتأمين للعقار المؤجر، وهكذا.
- تداول المال وعدم اكتنازه: ويظهر ذلك من خلال فريضة الزكاة التي قرنت بأعظم عبادات الإسلام وعموده وهي الصلاة، حيث قرنت بها في حوالي ثلاثين موضعاً في القرآن الكريم، فهي عبادة مالية واجبة على الأغنياء لتزكية أموالهم لصالح الفقراء لبيان دورهم في المجتمع، كذلك شجعت الشريعة تشجيعاً كبيراً على مبدأ الإنفاق والتصدق والتبرع للفقراء والمحتاجين، كما جُعل الأجر والثواب العظيم للمنفقين لتشجيعهم على الإنفاق بدلاً من الكنز، مما يدفع عجلة الاقتصاد والإنتاج للدوران، ومما يحقق عدالة التوزيع والقضاء على الفقر، ومبدأ الزكاة يختلف عن الضريبة اختلافاً جوهرياً في أن الأولى تمنح للفقراء في المجتمع بينما تختص الثانية في الدولة الجابية لها.
كما شجع على إيقاف الأموال وحبسها في سبيل الله ولصالح المسلمين، واشتهرت الدول الإسلامية في التاريخ بكثرة أوقافها التي طالت حتى الحيوانات.
- التشجيع على التنمية والانتاج: فقد شجع النبي (ص) على إحياء الأراضي الميتة وجعلها ملكاً لمحييها طالما استمر في إحيائها فقال: «من أحيا أرضاً ميتة فهي له» رواه الترمذي، ومن أوائل الأعمال التي قام بها عليه الصلاة والسلام بناء السوق الإسلامي في مكان مستقل وبشروط إسلامية تقوم على الالتزام بالأخلاقيات الإسلامية في التعامل بيعاً وشراء، وحثنا القرآن على التعمير، فقال تعالى: «هو أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا»(هود 61).
- احترام الملكية الخاصة والموازنة بينها وبين الملكية العامة: يحمي النظام الإسلامي الملكية الخاصة، فمن حق الأفراد تملك الأرض والعقار ووسائل الإنتاج المختلفة مهما كان نوعها وحجمها بشرط أن لا يؤدي هذا التملك إلى الإضرار بمصالح عامة الناس، وأن لا يكون في الأمر احتكار لسلعة يحتاجها العامة، وهو بذلك يخالف النظام الشيوعي الذي يعتبر أن كل شيء مملوك للشعب على المشاع.
كما تظل المرافق المهمة لحياة الناس في ملكية الدولة أو تحت إشرافها وسيطرتها من أجل توفير الحاجات الأساسية لحياة الناس ومصالح المجتمع، وهو يخالف في ذلك النظام الرأسمالي الذي يبيح تملك كل شيء وأي شيء.
- تحريم الضرر: فحرم الإسلام كل البيوع التي تضر بالفرد أو المجتمع، فحرم الربا لضرره الكبير تجاه الفرد والمجتمع ومنع الاحتكار في السلع الأولية التي تقوم عليها حياة الناس، ومنع الغرر الفاحش في العقود والبيوع، وحرم الاتجار في السلع الضارة كالخمر والخنزير وما يشتق منهما، ومنع القمار والمقامرة لكونهما قائمين على المغامرة الشديدة والخسارة شبه المؤكدة وعدم وجود إنتاجية فعلية فيهما، وقد جاء في الحديث قول النبي (ص) «لا ضرر ولا ضرار» رواه ابن ماجه.
- الالتزام بالأخلاق الحميدة في التعامل بالمال: فشجع التجار على الالتزام بالمصداقية والشفافية في التعامل، وجعل التاجر الصدوق مع النبيين والصديقين في الجنة، ومنع منعاً باتاً الكذب والتدليس والخداع في التعامل من خلال تحريم العديد من البيوع المشبوهة وغير المجدية والتي تؤثر سلباً في المجتمع وهو ما سنتكلم عنه بالتفصيل في مقالنا التالي بإذن الله تعالى.
إقرأ أيضا لـ "حمد فاروق الشيخ"العدد 4917 - الإثنين 22 فبراير 2016م الموافق 14 جمادى الأولى 1437هـ
.......... ،، .............. " بنوك اسلامية " !!!
ولا ذرة فرق بينكم وبين البنوك التقليدية !! بل العكس البنوك الاسلامية نحيسة ولعينة ولا تقدر ولا تنظر الى صاحب الطلب بنظرة فيها مراعاة !!
رجاءا يا كاتب المقال ،، الكلام المصفوف طبعه في كتيب ،، بس في الواقع ما يمشي الحال !!