بعد أن استمرت البنوك لسنوات طويلة تشكو من فائض سيولة لا تجد لها توظيفاً، ظهرت في الآونة الأخيرة مخاوف معاكسة من انقلاب الأوضاع، وتعرض البنوك لأزمة نقص سيولة، بدأت القرارات الوقائية منها في بعض دول مجلس التعاون الخليجي.

وعزز تلك المخاوف، حسب تقرير نشرته صحيفة "القبس"، توجه عدد من البنوك الخليجية نحو الاقتراض، حيث يتفاوض بنك إماراتي مع بنوك عالمية، للحصول على قرض لأجل عام بفائدة 32 نقطة فوق سعر الليبور (نسبة الفائدة المعروفة بين بنوك لندن).

كما يسعى بنكان قطريان، الأول للحصول على قرض بقيمة 800 مليون دولار لآجل 3 سنوات، بسعر 110 نقاط أساس فوق الليبور، وآخر لاقتراض 500 مليون بـ150 نقطة أساس فوق الليبور وغيرهم.

وهو ما دعا محافظ بنك قطر المركزي لتأكيد أن بلاده مازالت تتبع سياسة نقدية ميسرة، رغم أن سعر الفائدة على المعروض في الانتربنك لديها لثلاثة أشهر ارتفع الى %1.37 مقارنة مع %1.07 قبل عام، مبيناً أن السلطات ستستخدم السياسة المالية والنقدية إذا دعت الحاجة للحيلولة دون نشوب أزمة سيولة.

من جهتها، رفعت مؤسسة النقد العربي السعودي (ساما) منذ أيام نسبة الإقراض إلى الودائع من %85 الى %90 تحسباً لتعرض البنوك إلى أزمة سيولة.

والسؤال الذي يُطرح هنا: هل هناك أزمة سيولة تعاني منها البنوك الكويتية، وكيف نحدد ما إذا كانت تلك المصارف تعاني من أزمة سيولة أم لا؟

زيادة معدلات الفائدة على الودائع المتبادلة بالدينار ما بين البنوك «الانتربنك» أبرز المؤشرات على أزمة السيولة، وإذا كان سعرها في الكويت قد بلغ في نوفمبر الماضي %1.40 ارتفاعاً من %1.28 في الشهر نفسه 2014، فإن تلك المعدلات تبدو غير مقلقة حتى الآن وفقاً لآراء مصرفية.

ورغم أن سعر فائدة الانتربنك يحدده العرض والطلب، فإن البنك المركزي يمكنه التدخل في أي وقت في حال ارتفاع سعر الفائدة لمعدلات مقلقة ومعالجة أسبابها، خصوصاً إذا كانت هناك زيادة كبيرة في الطلب على السيولة. ولهذا تحرص إدارات الخزينة في البنوك على مراقبة ميزان السيولة بدقة.

وإذا كانت فائدة «الانتربنك» لليلة واحدة وصلت إلى مستويات قياسية لدى بعض البنوك لظروف استثنائية، فإن ذلك يكون لحاجة وقتية، خوفاً من تدخل «المركزي» لسد العجز بفائدة أعلى بكثير من سعر السوق، وتجنباً للتعرض للعقوبة والغرامة.

ورغم أن فائدة «الانتربنك» على المعروض ليوم واحد ارتفعت إلى %0.665 في نوفمبر الماضي، مقارنة مع %0.516 للشهر نفسه من 2014، وكذلك نمو الطلب إلى %0.420 مقابل %0.266، تبقى نسبة الارتفاع معقولة قياساً بظروف السوق الحالية.

ومع أن ودائع الحكومة ارتفعت في نوفمبر الماضي، لتعوض جزءاً من انخفاض ودائع القطاع الخاص التي تمثل 84.9 من إجمالي ودائع البنوك، فإن السؤال إلى متى تستمر الودائع الحكومية في الارتفاع ،وتعويض تراجع ودائع القطاع الخاص في ظل استمرار انخفاض أسعار النفط وعجز الموازنة؟

وكالات التصنيف

يقول رئيس سابق لمجلس إدارة أحد البنوك إن الوضع الاقتصادي بالنسبة للكويت أفضل حالاً من باقي دول المنطقة، باعتراف وكالات التصنيف العالمية، وهو ما جعلها تثبت أو ترفع تصنيف البنوك، وتمنحها نظرة مستقبلية مستقرة أو إيجابية، وذلك بفضل الضمان الحكومي للودائع، حيث تحرص وكالات التصنيف على تأكيد ذلك عند تصنيف كل بنك.

وأكد أن البنوك الكويتية أفضل حالاً على كل المؤشرات مقارنة بحالها بعد الأزمة المالية في 2008، وميزانياتها أنظف بكثير، كما أنها تحظى بمعدلات جيدة لكفاية رأس المال، وفقاً لمعايير «بازل 3»، وما زالت تعمل على تدعيمها بشكل أكبر من خلال إصدار سندات وصكوك وزيادة رأسمالها.

حرب باردة

من جانبه، قال رئيس تنفيذي سابق لأحد البنوك، إن البنوك في الوقت الحالي لا تتعرض لأزمة سيولة، ولكن عليها أن تتحوط للمستقبل من خلال العمل على زيادة الودائع وضبط الإقراض.

وتوقع أن تشتعل الحرب الباردة بين البنوك للحصول على الودائع الحكومية عند مواعيد استحقاقها، حيث يعمل كل بنك على استقطابها بأسعار مرتفعة للتحصُّن من أي نقص في السيولة قد يحدث، خصوصاً من الهيئة العامة للاستثمار و«التأمينات» و«التقدم العلمي» ومؤسسة البترول.

وكذلك، فإن التنافس سيكون كبيراً، على ودائع العملاء الكبار من أصحاب الودائع المليونية، بنسب قد ترتفع نصف أو %0.75 عن السعر المعلن لباقي الودائع.

وفي المقابل، فإن القروض الاستهلاكية والمقسطة التي تتجاوز %40 من إجمالي قروض البنوك ستحافظ على مستوياتها في ظل كل الظروف، نتيجة أن فائدتها أكبر من القروض التجارية وتضمن عوائد جيدة للبنوك.

السيولة متوافرة

وبدوره، أكد مدير الخزينة في أحد البنوك توافر السيولة لدى وحدات القطاع المصرفي الكويتي حتى الآن، وعدم تعرض أي منها لضغوطات كبيرة بهذا الشأن، رغم الزيادة الملحوظة في معدلات سعر الإنتربنك، وكذلك الفائدة على الودائع.

وأشار إلى أن الرقابة اللصيقة من قبل «المركزي» يوماً بيوم وساعة بساعة، كفيلة بالتدخل المباشر من خلال الأدوات والحلول المتنوعة التي يملكها لمواجهة أي تطور مفاجئ وإعادة الأمور إلى نصابها.

وذكر أن التجارب أثبتت خلال السنوات الأخيرة -بما لا يدع مجالاً للشك- قدرة «المركزي» على استشعار الأزمات قبل وقوعها، واتخاذه الإجراءات الكفيلة بمنع وقوعها، مشيراً إلى تصميمه على تطبيق معايير «بازل 3» قبل الموعد النهائي للوفاء بها بوقت كبير.