أعلن المتحدث باسم وزارة الدفاع العراقية نصير نوري أن بغداد بصدد إرسال قوات عسكرية قتالية إلى مصر لتدريبها خلال الفترة القريبة المقبلة.
يذكر أن تدريب الجيش المصري لقوات من الجيش العراقي، يأتي في أعقاب زيارة رسمية، قام بها وزير الدفاع العراقي إلى القاهرة قبل أيام، وجرى خلالها الاتفاق على هذا الأمر، انطلاقاً من عوامل مهمة بالنسبة إلى البلدين.
فالقاهرة تطرح استراتيجية مختلفة في مواجهة "داعش"، خلاف وجهات النظر المطروحة عربيا ودوليا. تلك الاستراتيجية، تتمثل في أن يتم تدعيم الجيوش القائمة في تلك الدول، وﻻ سيما العراق وليبيا، وربما أيضا سورية.
وفي الوقت، الذي استقبلت فيه القاهرة وزير الدفاع العراقي، كان القائد العام للقوات المسلحة الليبية موجوداً في القاهرة. وقد طرحت الحكومة المصرية الأمر نفسه على المسؤول الليبي بهدف تقوية وتعزيز القوات الليبية.
مصر، وكما يرى متابعون لملفات الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، تسعى للعب دور إقليمي آخذ في التنامي، عبر محاور سياسية وعسكرية في مختلف الاتجاهات. فهي تعلن وجهة نظرها لقادة الدول الغربية، التي تتحين الفرص للتغلغل وجوديا في مناطق النزاعات، بحسب تقرير نشره موقع قناة "روسيا اليوم" أمس السبت (13 فبراير/ شباط 2016).
وزير الخارجية المصري، سامح شكري، وجه تحذيراً إلى الغرب من أي تدخل عسكري منفرد في ليبيا، لا يأخذ بعين الاعتبار دعم وقيادة وتعاون القوات المسلحة الليبية وحكومة التوافق الوطني. وقد أكد وجهة النظر هذه أمس الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، للأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، في مباحثات هاتفية جرت بينهما. والموقف من الأوضاع في ليبيا، يتطابق مع التحفظ المصري على التدخل العسكري البري في سورية.
الأمر الآخر، أن الدعم، الذي تقدمه مصر للجيش العراقي يمثل جزءاً أصيلا من استراتيجيتها الدولية في مواجهة الإرهاب، وﻻ سيما في ملف مكافحة تنظيم "داعش"، الذي تدفع القاهرة بكل قوة لمحاربته ضمن استراتيجية دولية واضحة.
وهو ما يتوافق والرؤية الروسية، التي تجسدت في توقيع اتفاق مع الحكومة العراقية للتعاون في مجال مكافحة الإرهاب، فضلاً عن دعم كل من موسكو والقاهرة لبغداد في وجه الممارسات الاستفزازية، التي تقوم بها أنقرة على الأراضي العراقية.
من جانبه، أكد الجيش العراقي أن المجموعة، التي سيرسلها إلى مصر، ستكون من القوات الخاصة، وسيتم تدريبها من قبل قوات الصاعقة المصرية؛ كاشفا عن وجود تفاهمات مع الجانب المصري على تدريب طيارين وفنيين عراقيين، سيتم تحديد عددهم خلال المرحلة المقبلة.
على صعيد آخر، حمَّل مراقبون التعاون العسكري بين بغداد والقاهرة أبعادا سياسية كبرى؛ إذ رجح رئيس المجموعة العراقية للدراسات الاستراتيجية الدكتور واثق الهاشمي أن يكون هناك تحالف واصطفاف سياسي بين القاهرة وبغداد، لأن البلدين يلتقيان في رغبتهما بالانفتاح على جميع الدول؛ إضافة إلى توافقهما في قضايا منطقة الشرق الأوسط ومن بينها الملف السوري، وحتى في شأن التحالفات الدولية. وأشار الهاشمي إلى أن العراق يريد الانفتاح ومد الجسور ليس مع مصر فحسب، بل ومع الأردن والسعودية وتركيا وكل دول الجوار.
أما أستاذ الدراسات الأمنية والعلوم السياسية في جامعة "إكستـَر" البريطانية الدكتور عمر عاشور، فأوضح أن كلا من بغداد والقاهرة يريد إيصال رسائل معينة: الأولى تريد أن تظهر أن جيشها يدربه "جيش عربي"، والثانية تريد أن تقول إنها تقوم بجهود حثيثة في مجال مكافحة الإرهاب، وخاصة تنظيم "داعش"، ليس داخليا فقط، وإنما إقليميا أيضا.
فيما لفت مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق السفير هاني خلاف إلى أن القاهرة تؤمن بضرورة تقوية القوات المسلحة في كل من العراق وليبيا، لتكون رأس الحربة في مواجهة مخاطر الإرهاب، التي تحدق بالبلدين الشقيقين. وهي في ذلك تضع استراتيجية واضحة للدفع بالمنطقة نحو الاستقرار المنشود، وتضييق حجم التدخلات الغربية، وتقييدها عبر دعم الجيشين في العراق وليبيا، لتتمكن هي من القضاء على الإرهاب، ومصر تكثف تحركاتها ونقاشاتها الدولية لترسيخ تلك الاستراتيجية بشكل واضح ﻻ مواربة فيه.
القاهرة، التي تمتلك أقوى جيش عربي، تأمل في أن تستقر جيوش ليبيا والعراق، لتتمكن من بسط سيطرتها على كامل أراضيها بما يحقق استقرارا للبلدين، وتمكينا لهما من القضاء على خطر "داعش" المتزايد، الذي تؤمن القاهرة بأنه لن يتم القضاء عليه إﻻ بمواجهة الجيوش الوطنية، وأن أي دعم خارجي يجب أن يكون في حدود ما تطلبه الجيوش الوطنية.