تقول الكاتبة رضوى عاشور في كتابها «صيادو الذاكرة»: «يقال إن القبول بالنسبي أكثر حكمة من التعلق بالمطلق» إلى أي درجة نرتضي لأنفسنا أن نكون جزءاً من حياة لا تليق بنا، وليست هي بقدر إمكانياتنا وكفاءتنا، على أساس أن الغد أفضل، وهل نمتلك القدرة على التحمل؟ وإلى أي درجة؟ وبأي مقدار؟ وهل نقبل أن تضيع سنوات من أعمارنا في سبيل الانتظار لمستقبل ليس بأيدينا؟ وبالأحرى هل نقبل أن نأخذ ما تيسر لنا؟
أن نأخذ ما تيسر لنا، يعني أنه لا خيار آخر أمامنا سوى العناد والانتظار والصبر القاتل لشيء قريب أم بعيد لا ندركه، وفي المقابل أن هذا الخيار الذي أمامنا ربما بعد مدة يكون بعرض أقل وجهد أكثر؟ وهل نقبله لنكتشف بعد برهة أننا ظلمنا أنفسنا وأصبح وضعنا في مسار الرجوع منه شبه مستحيل، ومعه بات المستقبل أكثر مجهولاً، ومن يمتلك منا الجرأة والإقدام ليغير حياته رأساً على عقب وينسف حاضره، أسئلة مشروعة، وربما هي مدعاة للتفكير مليّاً قبل الإقدام لأي خطوة خاصة إذا كانت مصيرية، وعليها تترتب أمور الحياة ويتحدد عليها وضعك الاجتماعي والاقتصادي وربما الأمني.
خذ ما تيسر واترك ما تعسر، قول مأثور يصفه الأديب والكاتب السعودي زهير الكتبي أنه جزء من ثقافة الخوف لقوله «هذه النماذج وغيرها، كثيراً ما تدعو لنوم الضمير، وتخدير شيء من حساسيته، لتكون النفوس ضعيفة ومعذبة ومهانة لا تقوى على المواجهة... لدرجة أن المجتمع استطاع أن يشكل فقهاً للخوف» فقد أصبح لدينا الخوف من رفض المتيسر أكثر من الخوف من قبوله، فكيف تدار الأمور؟ بمعنى متى أقبل ومتى أدبر، بحيث لا أكون مقعداً ولا مغرراً، وهنا خيط رفيع فاصل بينهما، ومعه يبقى الطموح أمراً مباحاً ومشروعاً وهو منطلق من الإيمان بالذات والقناعة بقدراتها واستحقاقها، ولكن هناك فرقاً بين الطموح والحلم، إذ يبقى الحلم بلا عمل وبدون مثابرة ويبقى الطموح قرين الهدف والهمة، فالقبول والرفض للمتاح هو درجة وعي الإنسان بين طموحه وحلمه.
أقول لك القبول بالمتيسر ليس في كل الأحوال، ولا يكن الخوف أو الوهم بعدم إيجاد البديل هو عذرك في القبول، فقد سأل الكاتب لسبنسر جونسون في كتابه من الذي حرك قطعة الجبن الخاصة بي؟ سؤالاً يحمل نفس الهاجس وهو: ماذا كنت سأفعل لو لم أكن خائفاً؟ لتجيبه التجربة: عندما تتحرك متجاوزاً شعورك بالخوف ستشعر بالحرية. ذلك لأنه أدرك أنه من الأفضل أن يبحث في متاهته عن الجبن حتى وإن كان في ذلك هلاكه أسلم من أن يبقى دون جبن.
إقرأ أيضا لـ "رملة عبد الحميد"العدد 4905 - الأربعاء 10 فبراير 2016م الموافق 02 جمادى الأولى 1437هـ
كالعادة
مقال الكاتبة اكثر من روعة
بو احمد.
ابدااااااااع