من المزايا التي تُحسب لجمعية آثار وتاريخ البحرين تحت قيادة رئيسها الأخ عيسى أمين انضباطها الزمني في فعالياتها المسائية بحسب الوقت المحدد لبدئها وانتهائها بدقة متناهية، وهذه خصلة حضارية قلما نجدها لدى جُل ليس مؤسسات مجتمعنا المدني البحريني فحسب، بل والعربي بوجه عام. ولما كان الوقت المحدد للمحاضرات في الجمعية هو ساعة واحدة فقط، مقطوع منها بين خمس إلى عشر دقائق تقريباً لتقديم سيرة عن المحاضر، زائد عشر دقائق تقريباً هي مجموع ما قد يعرضه المحاضر من وسائل إيضاح بصرية من صور وفيديوهات وخلافها، زائد خمس إلى عشر دقائق للرد على مقاطعات بعض الحضور للمحاضر قبل فتح النقاش، فإنه لا يُصفى للمحاضر في النهاية لعرض كامل محاضرته سوى 45 دقيقة فقط في أحسن الأحوال. وفي المحاضرة التي ألقيتها في الجمعية نفسها تحت عنوان «سرقة وتدمير آثارنا العربية إلى متى؟» فإنني، بسبب هذا الوقت الضيّق المُقيّد به، لم أتمكن أن أتطرق بالتحليل الكافي لأهم محاور المحاضرة والذي يجيب عن سؤالها المطروح في عنوانها وهو كيف نضع حداً لسرقة وتدمير آثارنا وتراثنا العربي. وفحوى الحل يتمثل باختصار شديد في أن شعوبنا العربية بوحدتها ووعيها المعمق بهويتها الوطنية المشتركة الجامعة هي المؤهلة وحدها لصيانة أوطانها بما في ذلك كل ضروب ثقافتها الحضارية من تراث ثري متنوع وآثار ومخطوطات ووثائق تاريخية وخلاف ذلك.
وفي هذا السياق، ولتوضيح هذه الفكرة التي أحسبها على درجة من الأهمية، استعنت بمقال قيّم لأستاذ العلوم السياسية الجامعي والناشط الحقوقي المستقل الكويتي غانم النجار نُشر في «الوسط» بتاريخ 4 سبتمبر/ أيلول 2015 تحت عنوان «كيف نُقيس الطائفية» وقد وضع عشرة أسئلة لهذا المقياس، اكتفيت باستعراض خمسة منها في نص المحاضرة، ووضعت في مقابلها خمسة أسئلة من جانبي لقياس من يتحلى بحب آثار وتراث وطنه بمختلف تلاوين وتعددية شعبه الثقافية والدينية. والأسئلة التي اخترتها من أسئلة الغانم العشرة كانت على النحو التالي:
1 - هل لديك أصدقاء حميميون من الطائفة الأخرى وتتبادلون الزيارات؟
2 - عند حديثك مع أبناء طائفتك التي تنتمي إليها هل تقبل سب وشتم الطائفة الأخرى أم تعترض على ذلك السلوك؟
3 - هل تستنكر أعمال العنف ضد الطائفة الأخرى؟
4 - هل تعتبر المواطنين من الطائفة الأخرى شركاء في الوطن؟
5 - هل تشعر بالتعاطف مع ضحايا العنف من الطائفة الأخرى؟
وفي المقابل وعلى هذا المقياس الذي وضعه النجار وضعت من جانبي خمسة أسئلة لقياس مدى الوعي الوطني الجمعي بآثار وتراث الوطن بمجمله في كل بلد من البلدان العربية المتعددة الثقافات والطوائف:
1 - هل ترى بعين الارتياح للتنوع التراثي والآثاري الثري لوطنك بكل فئات شعبه؟
2 - إذا كُنت من عشّاق الآثار والتراث... هل لديك أصدقاء من ديانات وطوائف ومذاهب وثقافات مختلفة يجمعكم هذا الاهتمام وتتبادلون معاً الأحاديث عنها من هموم وثقافة دون الاقتصار على تراث أو آثار تخص مذهب أو طائفة أو قومية بعينها؟
3 - عند حديثك مع أبناء طائفتك هل تتقبل التشكيك في الحقائق الموضوعية غير القابلة للدحض علمياً في جزء من تراث وآثار وطنك وإن ارتبط تاريخياً بثقافة أي مكون من مكونات النسيج الوطني لشعبك أم تعترض على هذا التشكيك؟
4 - هل تشعر بالتعاطف مع أي ضحية من ضحايا حرية الضمير والرأي ممن يستنكرون الاعتداء على آثار وتراث وطنهم بغض النظر عن ارتباطه التاريخي بفئة أو قومية أو طائفة محددة؟
5 - هل تستنكر سرقة أو نهب أو تخريب أو هدم آثار وتراث يخصُّ أتباع دين أو قومية أو مِلة أو طائفة أو مذهب هم جزء من مكونات نسيج شعبك؟
لو توفرت الإجابة بـ (نعم) على مثل هذه التساؤلات ولنقل بنسبة لا تقل عن 60 في المئة لدى شرائح متنوعة من شعوبنا العربية في الظروف الراهنة عندها نستطيع القول فقط إنه يتوافر حد أدنى من الوعي الوطني المعقول السليم للهوية الوطنية المشتركة العابرة للهويات الفرعية، وهذا الوعي الوطني العام هو وحده فقط الذي تتقوى من خلاله وتتماسك الجبهة الداخلية في أقطارنا العربية والتي تتكسر على صخرتها مؤامرات ومكائد من يريد شراً بشعوبنا وبثقافاتها وثرواتها الأثرية والحضارية العظيمة المتنوعة.
إقرأ أيضا لـ "رضي السماك"العدد 4901 - السبت 06 فبراير 2016م الموافق 27 ربيع الثاني 1437هـ
