«جنيف 3»، يعني وجع الشعب السوري ومآسيه، هو عنوان التآمر وفشل النخبة السياسية بأطيافها في تقرير مصير سورية التي تم تدمير بنيتها التحتية والاجتماعية والعلاقات الإنسانية فيها تدميراً انتقامياً ممنهجاً، والتسبب بانهيارها الاقتصادي وعودتها لزمن الانحطاط الذي يعاني فيه قطاع كبير من الشعب السوري من الفقر والتشرد والنزوح لبلدان العالم حيث الموت والبرد والجوع وإهدار الكرامة.
لقد بات واضحاً أن المتآمرين يتدخلون سياسياً وعسكرياً ويتحكمون في شئون سورية وفي تقرير مصير شعبها، بل ويمارسون دور الأوصياء على معارضتها ونظامها.
عُقدت مفاوضات «جنيف 3» غير المباشرة منذ أيام وبمن حضر بعد تفاهمات دولية روسية - أميركية لإطلاقها. المبعوث الدولي المفاوض «ستيفان دي ميستورا» وجه الدعوات نيابة عن الأمين العام للأمم المتحدة وهي تتضمن أفكاراً تمهيدية غير مشروطة تتعلق بالقرار «2254» الصادر عن الأمم المتحدة في 18 ديسمبر/ كانون الأول الماضي. القرار يمنح «دي ميستورا» تكليفاً دولياً بوضع اللمسات الأخيرة على لائحة المدعوين إلى طاولة المفاوضات وتركيبة الوفد المفاوض ارتكازاً على التشاركية والوزن السياسي حيث أصر الروس على تشكل وفد المعارضة من بين مجموعات مؤتمرات القاهرة وموسكو والرياض ومجموعات أخرى.
القرار «2254» نص على خريطة طريق تبدأ بمفاوضات بين حكومة الأسد والمعارضة، وعلى وقف إطلاق النار وتشكيل حكومة انتقالية خلال ستة أشهر وتنظيم انتخابات في غضون 18 شهراً، دون الإشارة إلى مصير الرئيس «الأسد».
تدخل دولي وإقليمي
أرسلت الدعوات إلى وفد اللائحة الروسية والحكومة السورية ووفد المعارضة التي حضرت اجتماعات الرياض قبل أسابيع. وفد المعارضة الذي تمثله «الهئية العليا للمفاوضات» رفض المشاركة بداية الأمر لاعتبارات ومطالب أصر عليها كوقف إطلاق النار ورفع الحصار عن المدن والسماح بدخول قوافل الإغاثة، وإطلاق سراح المعتقلين...الخ، بيد أن الضغوط الأميركية والوعود وتلقي ضمانات حول تطبيق البنود الإنسانية في القرار «2254» كما قيل دفعت بسفر الوفد إلى جنيف لاسيما بعد إبلاغ «جون كيري» وزير الخارجية الأميركي السيد «رياض حجاب» رئيس الهيئة بأنهم سيخسرون الدعم العسكري والسياسي من حلفائهم وأصدقائهم إذا رفضوا المشاركة، وأصروا على موقفهم الرافض لتعديل وفدهم، أو إضافة أي أسماء جديدة. وعليه وتفادياً لخسارة التأييد الدولي ودعمه للعملية السياسية لم يكن أمامهم من خيار سوى الحضور إلى جنيف، إلا أن تصريح وزير الخارجية السعودي بـ «أنّ السعودية تدعم المعارضة، سواء ذهبت إلى المفاوضات أم لم تذهب»، جعل الموقف أكثر تعقيداً.
إذن عُقدت المفاوضات في مسار خلافات حادة حول تمثيل المعارضة وتحديد أسماء المفاوضين إضافة إلى مساومات بين الدول الكبرى، الروس حسب التقارير قدموا عرضهم للأميركان بخيارين، المناصفة في تركيبة الوفد المفاوض من «16 عضواً» أو التمسك بوفدين من المعارضة يضم كل منهما «15 عضواً». أصرت موسكو على تثبيت تمثيل «المجلس الديمقراطي السوري» برئاسة هيثم مناع، والجبهة الشعبية للتحرير والتغيير بقيادة قدري جميل و»حزب الاتحاد الديمقراطي» الكردي بزعامة صالح مسلم، الذي يعارض الأتراك مشاركته، وقد تردد بأنهم عرضوا مقايضة باستبعاده من أي مفاوضات لقاء قبولهم بأجندة «فيينا» كاملة من الحكومة الموسعة إلى الانتخابات التي يشارك فيها الرئيس «بشار الأسد»، كما لا يمكن إغفال رهانات الروسي والنظام على إحراز تقدم ميداني ضد الجماعات المسلحة وحلفائها، والتأسيس لمعادلة سياسية جديدة. روسيا اشترطت أيضاً استبعاد أن يضم وفد المعارضة إلى جنيف أياً من ممثلي «أحرار الشام» باعتبارهم «تنظيم القاعدة» أو «جيش الإسلام» باعتبارهم «داعش» الذين وضعتهم «الهيئة التفاوضية العليا» في قوائم المدعوين فيما يطالب الروس بوضعهم على لائحة الإرهاب.
نفاق دولي
مواقف الدول الأوروبية بدت أكثر وضوحاً، وزير الخارجية البريطاني شدد «على أن المفاوضات يجب أن تفضي إلى مرحلة انتقالية للسوريين»، ونظيره الفرنسي أكد على «ضرورة عدم استبعاد أي جانب في المفاوضات التي يجب أن تشمل الجانب الإنساني والعملية الانتقالية السياسية»، فيما علق نظيرهما الألماني قائلاً: «نحن إزاء مفاوضات صعبة وستكون هناك خيبات أمل، مركزاً على مدى أهمية تحقيق تقدم فعلي على الصعيد الإنساني»، في هذا الصدد يشير أحد الباحثين في «مركز كارنيغي» إلى أن القوى الغربية تخلت عن إصرارها بوجوب تنحي الأسد عن السلطة خشية من حدوث فراغ قد يستفيد منه «تنظيم الدولة الإسلامية» ويدفع بمزيد من اللاجئين لأوروبا»، مع ملاحظة أن القرار «2254» لم يتطرق إلى مصير الرئيس السوري. إذا ما نظرنا ملئياً فيما سبق، ماذا يعني لنا الأمر؟
يعني أن سورية فقدت سيادتها الوطنية، وأن لا حل سياسي قريب، والرهان العسكري لايزال ماثلاً أمام أطراف المعارضة في تسوية الأزمة، ومعهم النظام والجانب الروسي وخصوصاً منذ تدخلهم العسكري وإحداث اختراقات ميدانية حققها النظام بدعم من موسكو في جبهتي الشمال والجنوب خلال الفترة الأخيرة، يعني مزيد من ثقة النظام بنفسه وتعزيز وضعه في مفاوضات جنيف وفي تحديد مستقبل سورية.
والخلاصة برغم الجهود الدولية والإقليمية والنوايا الحسنة التي تحيط بالمفاوضات، وتفاؤل «دميستورا» وتصميمه على مواصلة الجهود كون المفاوضات فرصة تاريخية يجب عدم تفويتها، إلا إن اتهامات الأطراف المتبادلة، والوضع برمته يدعو للتشاؤم وشروط نجاح المفاوضات لم تتوفر حتى اللحظة، وخصوصاً مع الوضع المأساوي الذي يعيشه الشعب السوري وتعقيدات النزاع وتصاعد قوة تنظيم الدولة الإسلامية وتوسيع نطاق عملياته التي بدأت تستهدف بعض الدول الغربية، إضافة إلى الخلاف بشأن مصير الرئيس «الأسد» وضعف المعارضة وتشرذمها وارتهانها لقرارات الدول الكبرى والإقليمية الأمر الذي قلص من قدرتها على المناورة، وقوض منافذ الحلول السياسية.
واضح أن أغلب الأطراف لاتزال تعوّل على الحسم العسكري وإحداث تغيير في ميزان القوى إما لمصلحة النظام أو لبعض أطراف المعارضة المسلحة، وبالتالي كسب الوقت لإدارة الأزمة، الصراع لم يعد صراعاً بين السوريين فقط وإنما صراع القوى الخارجية التي تجعل من الروس والأميركيين وبعض الدول الإقليمية يتدخلون في تفاصيل الأزمة السورية وفي تحديد أعضاء الوفد المعارض ومن يحدد مستقبل سورية. ولا عجب أن رأى «دي ميستورا» برغم تفاؤله «أن جولات جنيف ستطول لأسبوعين أو ثلاثة، بل وهناك حاجة على الأقل إلى ستة أشهر، قبل الخروج بأية نتائج». وأضيف من عندي ربما أكثر.
إقرأ أيضا لـ "منى عباس فضل"العدد 4897 - الثلثاء 02 فبراير 2016م الموافق 23 ربيع الثاني 1437هـ
لقد تجمع العرب على ما لم يتجمعوا عليه في خير
نعم لقد تجمع العرب واجتمعوا على تدمير آخر معقل مقاوم وكان ذلك رغبة صهيوامريكية كون سوريا هي آخر دول الممانعة لذلك تآمروا عليها بحجة ديكتاتورية النظام السوري وكأن باقي الأنظمة التي هاجمت سوريا بها نظام واحد فيه أدنى صور الديمقراطية