العدد 4895 - الأحد 31 يناير 2016م الموافق 21 ربيع الثاني 1437هـ

تخصص المؤسسات الصغيرة... الطريق إلى العالمية (2)

أحمد صباح السلوم

رئيس جمعية البحرين لتنمية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة

تناولنا في المقال السابق أهمية التخصص في المهنة أو في الصنعة «كما نقول» حتى تحقق النجاح لعملك أو مؤسساتك الصغيرة، وتستطيع أن تشق طريقك في سوق محلي صغير يتمتع بمنافسة شرسة وخاصة من الشركات الكبرى، وركزنا على أهمية «التخصص» والتركيز ولو على جزء صغير من العمل حتى يتم إتقانه بشكل كامل فتنال شهرة فيه، ومن ثم تبدأ تطوير هذه الجزئية وتنميتها رأسيا بالجودة وأفقيا بالتنوع... وتحقق الثقة لدى عميلك وبالتالي النجاح.

اليوم نتحدث عن جزئية مهمة للغاية لا ينتبه إليها كثير في بلادنا العربية، أو لا تلقى «بصريح القول» ما يليق بها من مكانة في المجتمعات العربية بشكل عام والخليجية على سبيل الخصوص، وهو التعليم المهني ومخرجاته لسوق العمل وكيفية تقديره ونظرة المجتمع إليه.

في أوروبا والدول المتقدمة -كما يتندر أشقاؤنا المصريون- لكن هذه المرة ليست من باب التندر في الواقع، تجد أن الفني أو الصانع الماهر والمتقن لصنعته والمتخصص فيها، ينال منزلة راقية للغاية في المجتمع مثله مثل الطبيب أو المهندس أو المصرفي، ولا يلجأ إليه الناس غالبا إلا في الشدائد وليس في كل صغيرة وكبيرة يذهبون... وهناك أسباب في الحقيقة وراء هذا السلوك، أولا لأن هذا الرجل مرتفع الأجر ومتخصص للغاية، فلا يذهب إليه إلا من يحتاج لخدمته فعلا، ثانيا لأن أغلب المواطنين يتحصلون على دورات تدريبية متخصصة في القواعد العامة لأعمال الصيانة المنزلية وصيانة السيارة، فلا «يستحي» طبيب أو تاجر أو مصرفي أن يصلح بعض الأعطاب البسيطة في سيارته الخاصة أو في منزله سواء كانت كهربائية مثلا أو نجارة أو سباكة حتى!

فهذه سلوكيات مجتمع درجوا عليها ولا يستحون منها ولا يتكبرون عن فعلها... بل على العكس من ذلك فإن من لا يتقن بعض هذه الأمور ينظر إليه على أنه مقصر!

السبب الثالث أنهم على يقين بأن هذا «المهني أو الحرفي» يستحق هذا الأجر لأنه جاء بناء على علم ودراسة ثم صقلته الخبرة، ولم يأت هكذا عفويا أو لأنه لم يجد شيئا يعمله فذهب للعمل بناء أو نجار أو خلافه، وهنا تبرز قيمة العمل والدراسة والتخصص في هذه المجتمعات الاقتصادية الراقية.

في المجتمع الألماني يُعطى «التعليم الفني» أولوية قصوى وينظر المجتمع بشكل عام إلى العامل في المصانع وصاحب الورشة ومؤسس المصنع الصغير بنظرة احترام وتقدير رفيعة، لأن هذا المجتمع يعلم جيدا أن سر تفوق ألمانيا اقتصاديا وبالتالي «سياسيا» وراءه هذا الصانع الماهر المطور الذي استطاع أن يغزو العالم بجودة ودقة ورقي وصلابة منتجاته، وأنه صاحب الدور الأكبر في أن تكون ألمانيا بمقدمة الدول الصناعية العالمية حاليا.

هذا المجتمع يفخر بأن الصانع الماهر والتقني المبدع والفني المتميز هو صديقه أو «زوج ابنته» أو جاره، لأنه يعلم أيضا أن الاقتصاد الحقيقي مبني على أيدي وعقول هؤلاء، وليس كله مبنيا على التجارة دون صناعة أو زراعة.

يقول المؤلف الألماني «مايكل شاوف» في كتابه «إدارة المؤسسات الصغيرة والمتوسطة – تبدل الأدوار في عصر العولمة» عادة ما ينظر إلى المؤسسات الصغيرة والمتوسطة على أنها مخرج لعلاج مشكلة البطالة، وأنها لا تستلزم من التكاليف ما تتطلبه المؤسسات الكبيرة، حيث إن تكلفة إنشاء المؤسسة الصغيرة أو المتوسطة أقل، كما أن قدراتها على مواجهة التحديات واتخاذ القرار أسرع من الكبيرة.

وعادة ما توصف المشروعات الصغيرة والمتوسطة للبلدان النامية لأمرين: الأول الدفع بمعدلات النمو الاقتصادي لمواجهة الفقر، والثاني قدرتها على استيعاب عدد أكبر من العمالة بتكلفة أقل. ونرى هنا كيف يقدر الباحثون دور هذه المؤسسات في النهوض بالدولة اقتصاديا.

وهذا ما تعكسه الأرقام والإحصاءات... فيشير مثلا معهد «بون للأبحاث «إلى وجود 3.3 ملايين مؤسسة صغيرة في ألمانيا، تضم 280 ألف مؤسسة في مجال الصناعات التحويلية، و315 ألفا في مجال أعمال البناء، و418 ألفا في تجارة التجزئة، و80 ألفا في مجال الخدمات. أما مؤسسات المهن الحرة فتبلغ نحو 817 ألفا، في حين بلغت المؤسسات الحرفية 560 ألفا.

وتوفر المؤسسات الصغيرة والمتوسطة في ألمانيا 80 في المئة من فرص التدريب المهني، وتساهم بنحو 49 في المئة من القيمة المضافة التي تحققها كافة المؤسسات، وتقوم بتشغيل 46 في المئة من إجمالي الاستثمارات و70 في المئة من إجمالي عدد العاملين.

ووفق بيانات رسمية صدرت 327 ألف مؤسسة صغيرة ومتوسطة منتجاتها وخدماتها إلى الخارج. ويوجد لنحو 100 ألف مؤسسة صغيرة ومتوسطة ألمانية استثمارات مباشرة في الخارج، تتمثل في مواقع تسويقية ومشاركات تجارية ومشروعات مشتركة، ومواقع إنتاجية خاصة بها.

ولم يقتصر دورها على هذا فقط... بل إنها تساهم في العمل الخيري بشكل ملحوظ، إذ يشير الكتاب إلى أن 80.6 في المئة منها تشارك في العمل الخيري. وفي المتوسط تخصص كل مؤسسة ما قيمته 0.7 في المئة من إجمالي المبيعات السنوي للعمل الخيري.

ومن هذه المؤشرات جميعا يخلص الكتاب إلى أن هذه المؤسسات تمثل العمود الفقري للاقتصاد الألماني.

السؤال بعد كل ذلك... متى تصبح الدول العربية مثل نصف أو ثلث أو حتى خمس ألمانيا في تقدير أهمية التعليم الفني والصناعي ومخرجاته، وتقدير دور المؤسسات الصغيرة؟

إقرأ أيضا لـ "أحمد صباح السلوم"

العدد 4895 - الأحد 31 يناير 2016م الموافق 21 ربيع الثاني 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 10:55 م

      عندنا

      كان هناك الاستاذ (البناء) و السباك و الحرفي بكل ما للكلمة من معني لدرجة انه و لغاية قبل أعوام قليلة تعرف البحرين بمهارة (اللحام) للحديد على مستوى المنطقة و لكن استجلاب العمالة الرخيصة جدا. جدا. جعل من هذه الفئات و مع شديد الاسف غير مجدية اقتصاديا للجميع بدون استثناء و خصوصا ارباب الاعمال مما جعل الكل يفر من هذا النوع من التخصص و أكرر مع شديد الاسف...

اقرأ ايضاً