أصيب كثيرون بالإحباط وهم يُتابعون التصريحات الصادرة «من» السودان. فقد بدأ الحديث هناك على مستوى «بعض» الأحزاب (وبالتحديد حزب المستقلين) والنخب السياسية والفكرية عن «إمكانية» بل و«حتمية» التطبيع مع إسرائيل، واعتبار ذلك مدخلاً للخلاص من العقوبات الاقتصادية الأميركية المفروضة على بلادهم، وإزالة اسمه من لائحة الدول الراعية للإرهاب!
ثم تدحرجت الكرة أكثر لتدخل «بعض» أطراف الحكومة السودانية على الخط، حين أعلن وزير الخارجية إبراهيم غندور ليقول بأن بلاده «لا تمانع في دارسة إمكانية التطبيع مع إسرائيل»! فكان ذلك التصريح «الرسمي» مفاجأة من العيار الثقيل. والحقيقة أنني وطيلة الفترة الماضية أحجَمت عن الكتابة في هذا الموضوع ظناً بأن الذي قيل عن الوزير السوداني هو محض كذب، إلاّ أن الذي ظهر أنه صحيح، وهو أمر آلمني كثيراً، من بلد له الفضل في تقوية تراث هذه الأمة العربية.
قبل سنوات قيل بأن مسئولاً سياسياً وقيادياً بالمؤتمر الوطني وهو مصطفى عثمان إسماعيل، قال في لقاءات خاصة مع الأميركيين بأن «حكومة بلاده تقترح على الولايات المتحدة الأميركية أوجهاً للتعاون تتضمن تطبيع العلاقات مع إسرائيل»، إلاَّ أن إسماعيل خرج حينها ليقول بأن ذلك «إفك»، وأن ما نُقِلَ عنه «مجرد افتراء صريح على شخصه وعلى حكومة السودان المجاهدة»!
الغريب أن اسماعيل عاد وقال قبل أيام من الآن في تعقيبه حول ما نُقِلَ عن الوزير غندور بشأن التطبيع مع إسرائيل: «من الطبيعي أن ندرس التطبيع مع إسرائيل». بل زاد على ذلك حول الكلام الذي نُقِلَ عن وزارة الخارجية الإسرائيلية ورفضها التطبيع مع السودان بأنه قد عَلِمَ بأن ذلك الخبر «مكذوب مدسوس، وإذا كان مكذوباً ومدسوساً فما الدّاعي لأن نستعجل ونرد عليه» بحسب «النيل نت»! ما يعني أن ما نُقِلَ عنه قبل سنوات من تشجيعه التطبيع لم يكن إفكاً ولا كذباً عليه!
ومن الأشياء المحزنة والمضحكة في آن، هو ما قاله أحد البرلمانيين السودانيين خلال جلسة نقاش تشريعية بأن «لنا علاقة مع الصين التي لا دين لها، فَلِمَ لا نُطبِّع مع إسرائيل الكِتابية!». ثم ختمها أحد «المفكرين» الإسلاميين بالقول أنه «أجرى اتصالات وحوار فكري مع سياسيين ومفكرين إسرائيليين رتّبته مؤسسة ألمانية، ودعا للتطبيع مع إسرائيل للوصول إلى مساومة تاريخية».
وبعيداً عن استجلاب المزيد من المواقف والتصريحات، فإن الأمر الغريب يبقى أن هذا الكلام يأتِ من بلد قامت طائرات إسرائيلية قبل بضعة أشهر بقصف مناطق في شرقه ثم في عاصمته الخرطوم (في يوليو سنة 2014م وفي ومايو سنة 2015م) بدعوى وجود مصانع سلاح يذهب للفلسطينيين، واليوم وبدون مقدمات تعلِن أطرافٌ في هذا البلد أنه ليس لديها مانع في عملية تطبيع مع ذلك الخصم السياسي والعسكري المعروف لدى العرب منذ العام 1948م!
والأغرب من ذلك هو التصوُّر بأن المخرج من الأزمة الاقتصادية والسياسية قد يأتي من التطبيع مع إسرائيل، فهل لم يجد أولئك في السودان سوى هذا السبيل «فكرة التطبيع مع إسرائيل» لهدم جدار العقوبات المفروض على بلدهم! هذا أمر غير مقبول. فالسودان المتوسط قلب إفريقيا لديه ما يفوق هذا العجز في التصرف كي يخرج مما هو فيه بطريقة لا تجعله يخسر كونه عمقاً للعرب.
على الأخوة في السودان ألاّ يستمعوا للأصوات التي تُشجِّعهم على العيش في «الأحلام» وليس «الواقع». فإسرائيل لن تجلب للسودان الرَّخاء ولا الانفتاح. 46 دولة إفريقية قررت إقامة علاقة مع إسرائيل فما الذي جَنَته من ذلك؟ هل تحوّلت إلى دول «مُتأوْرِبَة أو مُتأمْرِكَة» اقتصادياً؟ هل عشرات الآلاف من الفقراء الأوغنديين (التي تقيم بلادهم علاقات دبلوماسية مع إسرائيل) تعيلهم تل أبيب، أم الصناديق الإنمائية التابعة للأمم المتحدة والدول المانحة؟
وما هي أخبار جنوب السودان الذي أقام علاقات دبلوماسية فورية مع إسرائيل بعد الاستقلال؟ هل منحته تلك العلاقة طوقاً كي لا يكون الدولة الفاشلة الأولى في العالم سنة 2015م وللعام الثاني على التوالي؟ أم منعت تلك العلاقة مع إسرائيل إريتيريا كي لا يهرب منها 5 آلاف شخص شهرياً بسبب الفقر، لا يتقدمهم سوى السوريين والأفغان! بل هل حَمَتها تلك العلاقة من أن لا تُفرَض عليها عقوبات دولية مُشدَّدة وبمسعى أميركي وبموافقة 13 دولة من أصل 15 دولة في العام 2009م ثم في العام 2011م!
هذه دول ليست في آسيا ولا هي بعيدة في نموذجها، بل هي دول إفريقية جارة يمكن للسودان أن تأخذ منها درساً. إذا كانت الولايات المتحدة الأميركية ستكون هي المدخل لحل مشاكل السودان (على الرغم من الشكوك في ذلك) فليست إسرائيل وحدها مَنْ تملك علاقات قوية مع واشنطن، بل هناك دول عربية وغير عربية لديها علاقات وثيقة مع الأميركيين يمكن أن تكون وسيطاً في هذا الأمر.
كل ما نتمناه أن يعيد الأخوة في السودان النظر في هذا الأمر وأن يربطوه بأشياء أكبر مما هم أعلنوا عنه. فالتطبيع مع إسرائيل ليس أمراً منفصلاً عن حقوق شعب عربي مُشرَّد ومحاصر، ولا عن سلطة فلسطينية في الضفة الغربية تبتزها إسرائيل، ولا عن تسوية حدود عربية، ولا عن مشهد سياسي عربي وإسلامي عام يجب أن يتشكَّل على أثير هذه القضية، لذلك عليهم النظر إلى كل هذه الأشياء، وعدم الاستماع لذلك الرأي الفَطِير.
ملاحظة: الرأي الفطير هو الذي يُتخذ بلا تفكير ولا رويّة.
إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"العدد 4893 - الجمعة 29 يناير 2016م الموافق 19 ربيع الثاني 1437هـ
تقيم مصر علاقات مع اسرائيل وكذلك الاردن وموريتانيا ودول الخليج تتواصل مع اسرائيل من تحت الطاولة! لماذا نتحمل نحن في السودان عبء هذه التوتر العربي الاسرائيلي بينما تنعم مصر والخليج والاردن بدفء العلاقة كما أن دولة مثل مصر تستفيد من علاقاتها الجيدة مع الغرب واسرائيل للضغط على السودان فيما يتعلق بأوجه الخلاف السوداني المصري لذا لن نتحمل عبء الجميع!
الكل يعلم أن أمريكا و إسرائيل هما وجهان لعمل واحدة و أن كل الدول العربية لها علاقات قوية مع أمريكا في كل المجالات و أمريكا هي حامي و راعي إسرائيل اï»·كبر و هي تراهن على علاقاتها معها و أن كل من له علاقة مع أمريكا له علاقة مع إسرائيل. هذا المقال يخدم أغراض أخرى بعيدة عن هذا الموضوع و ينم عن عداء للإسلام و العروبة و العلاقات التي بدأت تعود إلى طبيعتها...السودان يستطيع إدارة شئؤنه ... و أين كنت أنت أيها الصحفي العربي المسلم عندما كان يعاني السودان كل أشكال المقاطعات و العداءات لماذا لم تقد حملة مساع
الكل يعلم أن أمريكا و إسرائيل هما وجهان لعمل واحدة و أن كل الدول العربية لها علاقات قوية مع أمريكا في كل المجالات و أمريكا هي حامي و راعي إسرائيل اï»·كبر و هي تراهن على علاقاتها معها و أن كل من له علاقة مع أمريكا له علاقة مع إسرائيل. هذا المقال يخدم أغراض أخرى بعيدة عن هذا الموضوع و ينم عن عداء للإسلام و العروبة و العلاقات التي بدأت تعود إلى طبيعتها...السودان يستطيع إدارة شئؤنه ... و أين كنت أنت أيها الصحفي العربي المسلم عندما كان يعاني السودان كل أشكال المقاطعات و العداءات لماذا لم تقد حملة مساع
جزاك الله خيرا علي النصائح الي حكومة السودان الاسلامية ان يفكروا مرة ومرتين قبل الأقدام علي التطبيع ولكن ما العمل فالحصار الاقتصادي مؤلم والجوع كافر وحيث ان السودان ليس لديه برنامج نووي ليتابحث فيه كما فعلت ايران حتي تتخلص من العقوبات الاقتصادية التي أرهقت ظهرها فالحل هو الاعتراف بدولة الكيان الصهيوني ولا يوجد اي بديل اخر
دول عربيه مع إسرائيل في السر
لو ما كان الدول العربيه مع إسرائيل ما كان السودان يتبنى هذا الموقف.
اعتقد ان خطأ السودان هو انه اذاع خبر التطبيع مع اسرائيل .... من المعروف ان جميع الدول العربيه لديها علاقات مع اسرائيل وبعضها لديها علاقات قويه الاردن التي ثلاث ارباع سكانها من اصل فلسطيني لديها علاقات قويه مع اسرائيل ولديها سفاره في اسرائيل وغيرها الكثير الدول العربيه منذ اكثر من قرن لم تساعد السودان في شي قسم السودان الى شمال وجنوب هناك حركات متمرده تقاتل الحكومه منذ عشرات السنين هناك حصار اقتصادي اميركي اوربي على السودان .. اين الدول العربيه اذا كانت اسرائيل ستساعد في رفع هذا الحصار فاهلا بها
عندما قرأت مقال الكاتب البحريني حول السودان والرأي الفطير تذكرت المثل السودني القائل( أهل الميت صبروا والجيران كفروا-) التطبيع معلن ومستترا في كل العواصم العربية - لقد دفع السودان كثيرا- كنا نتوقع صاروخا يطلق على اسرائيل باسم الخرطوم التي ضربت باسم فلسطين ولكن صواريخهم تطلق للشان الداخلي الفلسطيني-ماذا تقول في تصريح اوردغان تركيا تحتاج الى اسرائيل واسرائيل تحتاج الى تركيا هل هو رأي فطير ام معايير مزدوجه ايماننا بعدالة القضيةالفلسطينة لايتطرق اليه الشك ولكن