قال مدير الوكالة الأميركية للتنمية الدولية أندرو ناتسيوس في معرض التعليق على ضرورة التزام متلقي المساعدات الأميركية بشروط المساعدة، إن أية منظمة أميركية تأخذ تمويلا من الوكالة ينبغي أن تعتبر نفسها «ذراعا للسياسة الخارجية الأميركية». وكانت المنظمات غير الحكومية الفلسطينية التي تتلقى مساعدات أميركية قد أعلنت رفضها توقيع تعهدات بعدم الانخراط في مشروعات متصلة بالمقاومة.
وقد لاحظ مراقبون أن الإجراءات الحكومية الأميركية الخاصة بالمساعدات للمنظمات غير الحكومية جاءت في أعقاب برنامج مراقبة للمساعدات الأميركية، الذي بدأه معهد أميركان انتربرايز في واشنطن، الذي يعتبر معقل المحافظين الجدد المعادين للقضايا العربية والإسلامية، في الحادي عشر من شهر يونيو/ حزيران الماضي، وهو برنامج ممول بشكل جيد من قبل كبريات الشركات الأميركية، ويدعى «مراقبة المنظمات غير الحكومية» (إن جي أوز ووتش) لمواجهة ما يصفه المعهد «القوة المتنامية لقلة غير منتخبة من الناس».
وقد جند المعهد، في أعقاب مؤتمر خاص لهذا الغرض، ما لا يقل عن 42 من كبار المسئولين في السياسة الخارجية والعدل في حكومة الرئيس الأميركي جورج بوش، الذين يعتبرون أن «النمو غير العادي للدفاع عن المنظمات غير الحكومية في الديمقراطيات الليبرالية له إمكان كامن لتقويض سيادة الديمقراطيات الدستورية». فهم يرون أن المنظمات غير الحكومية تهمين عليها «تجمعات اليسار والأوروبيين».
وقد أصدرت وزارة المالية الأميركية في العام الماضي مجموعة من التوجيهات بعنوان «أفضل الممارسات الطوعية الخاصة بالمنظمات الخيرية الموجودة في الولايات المتحدة». وقد قوبلت هذه التوجيهات بانتقادات من منظمات المساعدة من كل الأطياف السياسية. وتسعى هذه القواعد الجديدة إلى تنظيم الهيئات الأميركية كافة التي تقدم الدعم المالي لمنظمات في الخارج، وكذلك المؤسسات الأميركية والشركات والأفراد الذين يتبرعون بالمال لهذه الهيئات.
ويدعي المسئولون الأميركيون أن الهدف المعلن منها هو منع الأموال الخيرية من أن تحول لدعم من تعتبرهم واشنطن «إرهابيين» من دون التأثير على «الأعمال الخيرية المشروعة». ويرى مراقبون أن هذه التوجيهات كاسحة جدا في تأثيرها وشاقة ومرهقة في مستوياتها لدرجة أنها ستجمد الكثير من المبادرات الإيجابية، ومن بين هذه التوجيهات الطلب من منظمات المساعدات التأكد من أن المصارف الأجنبية التي تتعامل معها لديها ضمانات إدارية كافية ضد أي غسيل للأموال، ويطلب توجيه آخر من المنظمات أن تحقق في الارتباطات الخارجية لكل الأشخاص المرتبطين بأية منظمة في الخارج يقومون بتمويلها.
ويرى كيفين موريه، من مركز انترهيمسفير ريسورس، أن إجراءات تقديم المساعدة وضرورة تقديم الوثائق العامة كافة لأية منظمة أجنبية تتلقى المساعدة وكل مصادر دخلها والأسماء الكاملة وكل المعلومات المفصلة لموظفيها ومجالس إداراتها باللغة الإنجليزية، هو أمر يستهدف في النهاية إلى تحويل الأعمال الخيرية إلى وكالات استخبارات مصغرة. وهذا الدور، كما يقول، هو دور مختلف تماما عن الدور الذي أقيمت من أجله وهو يتطلب مصادر ثروة ليست موجودة ببساطة لدى معظم المنظمات. ويذكر أنه على رغم أن المساعدات الدولية قد زادت فعلا خلال فترة الهبوط الاقتصادي الأخيرة فإن التبرعات إلى المناطق الحساسة سياسيا مثل فلسطين قد هبطت بصورة واضحة. وأن الكثير من المؤسسات التي تذكر القيود المالية كأسباب ولكنها تعبر بصورة خاصة عن المخاوف السياسية، تقوم بصورة مفاجئة بإغلاق برامجها التمويلية في المنطقة العربية أو التقليل منها. كما أن المتبرعين الأفراد يواصلون تأييد العمل الدولي التقدمي ولكنهم يفضلون بأن تذهب أموالهم الخيرية إلى مشروعات في البرازيل والمكسيك لتجنب الاتهامات بتأييد المقاومين في فلسطين.
ويقول كيفين موريه إن القيود التي تضعها حكومة بوش على المساعدات المقدمة إلى منظمات المجتمع المدني في الضفة الغربية وغزة تعرقل المستقبل الديمقراطي للفلسطينيين. وقال «إنه لأمر يدعو إلى السخرية الشديدة حقا إذا كانت الحكومة التي تقترح نشر الديمقراطية والحرية في الشرق الأوسط تنتهي إلى قطع الأوكسجين عن القلة الشجاعة الذين يقدمون البدائل الديمقراطية الحقيقية في فلسطين. وأن توجيهات وزارة المالية الأميركية تهدد بعمل ذلك بالضبط»
العدد 489 - الأربعاء 07 يناير 2004م الموافق 14 ذي القعدة 1424هـ