احتفلت تونس منذ أيام قليلة بمرور خمس سنوات على ثورة الياسمين أو كما يحلو للبعض تسميتها بـ «الثورة الأم الملهمة» أو بـ «مهد الربيع العربي»، ولعلّ ما يميّز الذكرى الخامسة هو اقترانها بفترة بدأت فيها البلاد تستعيد استقرار مؤسساتها بعد مرحلة انتقالية طالت بعض الشيء وشهدت صعوبات عديدة.
ورغم تباين وجهات النظر حول مدى تحقيق الثورة لأهدافها، إلا أنه ليس هناك اختلاف حول ما منحته للتونسيين من مكاسب في مجال حقوق الإنسان والحريات الأساسية شملت الصحافة والتعبير وتأسيس الجمعيات والأحزاب، فضلاً عن الاعتزاز الذي أصبح يحقّ للشعب التونسي أن يشعر به بعد نجاح تونس في تجاوز مرحلتها الانتقالية بسلاسة، مما جعلها المثال الناجح الذي يمكن الاقتداء به لاسيما فيما يخص التوافق الذي شكّل شعار محلة الانتقال الديمقراطي.
ولعله في هذا السياق كان للاحتفال بالذكرى الخامسة للثورة التونسية طعم خاص هذه السنة، إذ سبقه اعتراف دولي بنجاح التجربة التونسية باعتبارها الاستثناء الوحيد للثورات العربية وذلك بمنح الرباعي الراعي للحوار التونسي جائزة نوبل للسلام.
ومما لا شك فيه أن هذه الجائزة تُعدّ تكريماً لرباعي المجتمع المدني ومن ورائه لكل أبناء الشعب التونسي واعترافاً بصوابية منهج الحوار وخيار التوافق الذي اعتمده لحلّ الخلافات والصراع السياسي الذي احتدّ سنتي 2012 و2013 بشكل خاص.
ويعتبر حصول الرباعي الراعي للحوار على جائزة نوبل للسلام لسنة 2015 فخراً لجميع التونسيين وهو اعتراف دولي بأهمية المسار السلمي الذي اختاره الشعب التونسي لتحقيق الديمقراطية واعترفاً بالدور الكبير الذي قام به الرباعي الراعي للحوار في فترة الانتقال الديمقراطي، ويؤكد أهمية مكونات المجتمع في رسم مسار الدول والمساهمة في بناء الديمقراطية وإرساء ثقافة الحوار والتوافق لحلّ الخلافات مهما كانت طبيعتها ودرجة حدّتها.
وقد جاء هذا «التتويج» للثورة التونسية في فترة بدأت تونس تستعيد ثوابتها، بعد التوصل إلى سنّ دستور جديد يرقى إلى تطلعات كافة الفئات والأطياف السياسية والشعبية والنجاح في تنظيم انتخابات 2014 التي أذنت لنهاية الفترة الانتقالية، وما اقترن بها من تذبذب وعدم وضوح للرؤية، حيث عادت تونس إلى ثوابت سياستها الخارجية التي تقوم أولاً وقبل كل شيء على مبدأ عدم التدخل في شئون الغير والعمل على ربط علاقات متميزة مع أشقائها وأصدقائها من الدول وهي سياسة لطالما كانت الميزة التي جلبت لها الاحترام والتقدير على امتداد سنوات.
والأكيد أن الاستثناء التونسي ودرجة الوعي التي وصل إليها الشعب التونسي والنضج السياسي لنخبه السياسية ومنظمات المجتمع المدني له مبرراته التاريخية على مدار أكثر من ثلاثة آلاف سنة بداية من قرطاج ودستورها الذي أطنب أرسطو طاليس في إطرائه في كتابه «السياسة»، إلى المدرسة الإصلاحية في القرن التاسع عشر وخاصة مع المصلح خيرالدين باشا، مروراً بالفتح العربي الإسلامي مع القيروان، عاصمة الإسلام في المغرب العربي.
كما يجد الاستثناء التونسي تبريره في حركة التحرّر الوطني من الاستعمار الفرنسي منذ أوائل القرن الماضي بمختلف تجليات هذا النّضال وزعمائه ولاسيما باني الجمهورية التونسية، الحبيب بورقيبة وكذلك حركة تحرير وتمكين المرأة التونسية التي ساهم فيها الجناح الزيتوني ونخصّ بالذكر منهم الطاهر الحداد والجناح الحداثي المتمثّل في الزعيم بورقيبة ورفاقه.
كما حري التذكير بالحركة النقابية الوطنية التونسية التي كانت أحد أذرع الكفاح الوطني ضدّ المستعمر ويتزعم هذه الحركة محمد علي الحامي وشهيد الوطن فرحات حشاد، فضلاً عن روّاد الحركة الثقافية والأدبية وفي مقدمتهم المبدع أبو القاسم الشابي الذي شاع صيته ببيت شعره الخالد «إذا الشعب يوماً أراد الحياة فلا بد أن يستجيب القدر»، وصولاً إلى ثورة الحرية والكرامة التي أطلقها الشباب التونسي، دون تأطير من أي حزب سياسي، منتفضاً على نظام الاستبداد والفساد ساعياً لاسترجاع حريته وكرامته وسيادة وطنه.
غير أنه لا شك في أن النشوة بالقضاء على نظلام الاستبداد والانطلاق نحو إقامة المؤسسات الدائمة والديمقراطية تستوجب الانغماس مجدداً في العمل من أجل رفع التحديات الماثلة أمام الشعب التونسي ولاسيما منها الصعوبات الاقتصادية والاجتماعية وتحقيق تطلعات الشباب التونسي نحو التنمية المستدامة التي بدونها قد يشهد المسار الديمقراطي انكساراً.
إقرأ أيضا لـ "محمد بن يوسف"العدد 4889 - الإثنين 25 يناير 2016م الموافق 15 ربيع الثاني 1437هـ
ابداً . تونس في طريقها الى الانهيار كليبيا و المسالة مسالة وقت لاغير لان الشعب التونسي والليبي من نفس الملة و الفصيلة والعقيدة كما ان السلاح الليبي متوفر و بكثرة و نتظروا انا معكم منتظرون ورحم الله بورقيبة و امد الله في عمر الزين
تونس ...حرة
شكرا من القلب نتمنى أن تجتاز تونس الصعاب وتصبح النموذج العربي الذي يحقق العدالة في الوطن العربي من الخليج إلى المحيط.