سرد لي أحد معارفي من الذين أعتز بصداقتهم وصدقهم وأشهد لثقافته العالية والمتنوعة، بأنه حدث أن قررت إسرائيل على إثر الأبحاث في مراكزها باستخدام أحد الطُرق الطبيعية، وباستبدال المواد الكيميائية الضارة للأرض في محاربة القوارض التي تهاجم مزروعاتها وتتسبب بخسائر فادحة... وذلك بتربية طيور «البوم» - التي تتغذى على الفئران- إلى أن أصبح لديها خمسة آلاف منها، وأطلقتها وكانت النتيجة مُذهلة باختفاء الفئران ولكن تناقصت أعدادها إلى الألف طائر!
وبعد البحث وجدت أن جيرانها من الأراضي المجاورة من فلسطين المحتلة والأردن ولبنان يصطادونها حينما تحلق في فضائهم، لأن هذا الطائر غير محبوب (ويجلب الشؤم بحسب تراثنا العربي) ولكن بعد تواصل مع جيرانهم وشرح فائدة الطيور، قاموا بتحريم صيدها، وبذلك قام الطائر بعمل ما كانوا ليحلموا به.
كما وأذكر لقائي بإحدى النساء في فرنسا، قائلة أنتم لاتحبون بعضكم البعض، فأنتم تملكون النفط والمال... وشبابكم يتمخترون في المقاهي الليلية مع النساء ولعب القمار وينفقون المليارات على بيوتهم وسياراتهم في الغرب، وتبخلون على شعوبكم وإخوانكم في دينكم ممن يعيش في المخيمات في حالةٍ مُزرية!
أما نحن - والحديث للسيدة الفرنسة وهي يهودية - فمتعاضدين ونساعد بعضنا ونبني بيوتاً ونُدّرس ونصرف على جماعاتنا، ولانحب أن نراهم فقراء، ونستخدم رجالكم في فلسطين للبناء وخدمة بيوتنا ويعملون لشدة فقرهم، وامتدَحَتهم بالطيبة. جرحتني الحقيقة وآلمتني يومها ووافقتها في قلبي متأسفة وشديدة الأسى على أحوالنا وبُخلنا في قضايانا المصيرية.
اليهود لم يكن لهم وطن قبل احتلالهم فلسطين، وعددهم في العالم يبلغ نحو أربعة عشر مليوناً، نصفهم هاجر إلى فلسطين، ولديهم الآن ستة جامعات في إسرائيل على قائمة الأفضل من بين خمسمئة جامعة على مستوى العالم في شهادات الماجستير والأبحاث.
ومقارنةً بتعداد المسلمين (مليار ونصف المليار نسمة) فان ما قدمناه للعالم يكاد أن يكون نقطة في بحر نسبةً للآخرين، الذين لا تتوقف مشاركاتهم العالمية في الإبداع منذ مطلع القرن الماضي، وفي شتى العلوم والتكنولوجيا والفنون... الخ. ولقد فاز وحصد 180 يهودياً بجائزة نوبل مقارنةً بثلاث جوائز حصدها مسلمون.
إن هذه الجوائز لم تأتهم صُدفة أو غشاً ووساطة وليست إحدى مؤامراتهم التي ندعيها في كل مناسبة نفشل فيها أو نتحارب ونتقاتل، ونفتت بلادنا الممتدة، إنها مجهودات ومثابرات وعملٌ شاق، والتي لم تتمكن أعدادنا الهائلة محاكاتهم، قد تكون هذه صفات الأقليات للنهوض وإثبات الذات والإصرار والعزيمة.
ولكن دعوني أقارن أحوالنا الثقافية بالعالم لنجد بأن نسبة القراءة عند الغربيين 2000 كتاب لكل مليون مواطن، وفي مصر 17 كتاباً لكل مليون مواطن. أما في البحوث فتصرف الدول المتقدمة مابين 3 الى 5 في المئة من ناتجها القومي على البحث والتطوير، وأما الدول العربية والإسلامية فتصرف 0,2 في المئة، والفرق شاسع جداً.
هذه النتائج تعني ان دولنا لا تمتلك القدرة على صُنع أو نشر أية معرفة حتى لو كانت مستوردة، بينما نرى الآخرين يعملون للمستقبل بعبقرية فذة وذلك من خلال تطوير ابنائهم بالتعلم أولاً، وبالتميّز المعرفي والقدرة على خلقها واكتشافها واختراعها ثانياً. وهذا كله أفسح المجال لغيرنا للتفوق في جميع المجالات الهامة.
إقرأ أيضا لـ "سهيلة آل صفر"العدد 4866 - السبت 02 يناير 2016م الموافق 22 ربيع الاول 1437هـ
كلام واقعي ومميز ويرينا كيف ان العرب باتوافي آخر الامم بالرغم من ثرواتهم صرفوها على البهرجه والمظاهر الخادعه وياحسرتاه
مقال ممتاز
شكرًا يادكتورة على هذه الإثارات المؤلمة أكن الا توافقينني الرأي ان ليس فقط البيئة اللتي تعيشها هي هذه الأمة ولكن الأهم هو دور الأنظمة الحاكمة هي السبب الرئيس فيما نحن فيه من تخلف علمي بالذات بالاضافة الى التخلف الاجتماعي والاقتصادي
نعم
كل العباقرة والمفكرين لدينا اما يهاجروا ويحصلوا على جنسية البلد المستضيف لعقلهم او ان يعيشوا حسرة على انفسهم في الخليج .. لان العرب هتموا على انفسهم ان الماضي عظيم لا يرجع كان كلامهم قرآن منزل وبالهم فقط جمع الاموال و القتل والتسلح على انفسهم
للأسف العظيم د.آل صفر...امة العرب هذة الأيام لا تؤمن بالأبحاث ونتائجها لدرجة ان بعض الدول العربية ساومت القائمين على اصدار تقرير شنغهاي عن ترتيب افضل الجامعات السنوي لأدراج بعض جامعاتها حفاظا على ماء الوجه...