كنتَ بذرةً و نَمَوت، أيُها الإنسان، أَورقت أغصانُك بأفكار، اشتد اخضرارها، أو بدت مصفرة ذابلة، (سلبية أو إيجابية)، منذ سنيّ عمرك الأولى، أَثمَرتَ، وبَدأتَ تَكسب اللون، والطعم، بين حلو، ومر، وقد يكون ثمرك بُنّاً، ومنه، تعد قهوتك (وضعك) التي تَبدو حلوة أو معتدلة أو مُرة أحياناً، وشديدة المرارة أحياناً أخرى، وعلى رغم محاولتك إعدادها، بأفضل صورة، وإضافة المزيد من قطع السكر إليها تبقى مرة؛ لأن تركيز المرارة (ظروفك القاسية) فيها غطى على الحلو الذي في السكر، (الجميل الذي من حولك)، فاستسلمت لتلك المرارة دون محاولة منك للإصلاح أو التغيير، مجبراً نفسك على تحمل المرارة من الأمرّ لها، موهماً نفسك، بأنك صابرٌ، وراضٍ بقضاء الله، وقدره، وأنك محتسبٌ أمرك لله، وواقعك يُحدِّثُ بغير ذلك، فأنت مستسلمٌ لقضاء الله غير فارٍّ لقدره.
تعيش المرارة، وتحلم بالسعادة، التي تراها بعيدة المنال، وتدور في حلقة مفرغة، لتسِمَ نفسك بالتعيس؛ فتتحول أحاسيسك، ومشاعرك السلبية، سلوكيات، وعادات، و تُكوِن بذلك شخصيتك، فتختفي بسمتك من محياك، غافلاً عن نعم الله من حولك.
لم تنظر لنفسك، كيف خلقها الله في أحسن تقويم، وكيف سخر لها كل الموجودات، ولو فكرت قليلاً، لوجدت، السعادة في ذاتك، من حيث لاتشعر، فهي تحتاج منك، القليل من الالتفات.
مامضى فقد مضى، فلا تعره اهتمام، خذ منه العِظة فقط، واستلهم منه الذكريات التي تقويك، وتعلم منها كيف كنت سعيداً فيها، وما الذي أسعدك، واستمد منها تلك الطاقة، التي تجعلك تدرك مصدر السعادة، وكيف تكونت في تلك اللحظات، لتشعل حاضرك نوراً، وضياء، يخترق مستقبلك، كشعاع شمس برؤية مبصرة، ليست بعمياء، وابتسم، فإن الابتسامة سلاحها أمضى من السيف، فبإمكانها قطع جذور الذكريات المحزنة بالديمومة عليها.
واترك جلد نفسك، وعِتابها المستمر، وصحح أخطاءك، ولا تلقِ باللوم على غيرك، وتحمل مسئولية ما فعلت، وما ستفعل، ولا تنشغل بنقد الآخرين، وتنسى نفسك، فإنه من تتبع عثرات المؤمنيين تتبع الله عثراته، حينها فقط ستملأ تجويف قلبك صفاءً، وقوةً، وتفاؤلاً، وستتدفق طاقتك، وتضخ الحياة في عصب روحك.
فالتفاؤل: حالة ذهنية مبهجة إلى حد بعيد، تعترى الشخص المتفائل تؤثر على نفسه، وبالمقابل الصحة في بدنه؛ فهو يرى الإيجابية في الأشياء من حوله، بغض النظر عن المؤثرات الخارجية والمتغيرات، فيختار شعور الارتياح ويستفيد منه إلى أبعد الحدود، وبقانون الجذب، فإنك تجذب لك السعادة، بالتفكير فيها، وتجلب لك التعاسة بالمثل، والخيار لك. وفي الحديث القدسي: أنا عند ظنِّ عبدي بي إن ظنَّ خيرًا فله، وإن ظنَّ شرًّا فله.
وما ذاك الظن إلا نية، وإنما الأعمال بالنيات؛ فقبول الخير منك تابع لمصدرها، وتحقيق الأمنيات، والسعادة، منها؛ فإن كان منشؤها الحب في الله، فإنك تحقق هدفك في الحياة، وهو ارتباط نفسك بخالقها والتسليم له، فيتحقق السلام في التكوين العقلي والروحي الذي مع ما يكفي من المعرفة والفهم الصحيح والمحافظة على تهذيب النفس وقوتها في مواجهة الخلافات والتوترات.
بذلك فإنك تمنح نفسك السعادة، والهدوء أو ما نعبر عنه براحة البال، ومن هذا السلام الداخلي، تخرج إلى الخارج، فتحقق سعادتك الدنيوية المتلازمة مع الأخروية في خط متوازٍ. والعكس صحيح. يقول الله تعالى: (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً) الآية رقم 124 من سورة طه. ويقول: (وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ) الآية رقم 36 من سورة الزخرف. وتمتع بالدنيا ولا تنس نصيبك من الآخرة، يقول أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب (ع): (اعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً، واعمل لآخرتك كأنك تموت غداً) فالسعادة: عنوان شامل، لكل فكرة، ومعتقد، وعمل، يجلب لك الراحة والطمئنينة، والهدوء، والسلام الداخلي؛ فيحصل الانسجام بين عواطفك، وعقلك، وجوارحك. انسجام قد يطول أو يقصر بطبيعة الحال ومتغيراته، (فدوام الحال من المحال) وطبيعة المُقام وصعوده، والأهم، ألا تطول حالة الحزن، والانغماس في غياهبه؛ فتسلبك السعادة.
سر، وإن تعثرت، فطريق السعادة ليست بساطاً أحمر، ولا زهوراً تُنثر، ولا مالاً يُملك، وإنما هو طريق يُسلك، وهو ليس نتيجة تُنتظر، وإنما هو السعي ذاته، فإنك، تتقدم، وتقف، وترتفع، وقد تهوي، تتحدث، وتتلعثم ولكن لا تيأس. ابتسم، واقنع، وآمن، وأقبل ولا تخف (تقدم، وعض على ناجذك، وأعر الله جمجمتك، وتد في الأرض قدمك...) فالنصر من عندالله سبحانه، وخط مستقبلك بما يتناسب، وقيمك فإن الألم تمحوه لذة النجاح.
ولنتذكر أنه مهما كان الطوفان جارفاً فإن الله، كفيل بأن، يرسي سفينتنا على الجودي بأمان، رغم تلاطم موج الابتلاءات بها. فلنسترجع، ونحمد، ونحوقل، بما تحققه لنا تلك الكلمات، من مصاديق واقعية. (وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ).الآية رقم 216 من سورة البقرة. ولنتذكر أن كل ذلك بعين الله، و لنرقد ونآمن ونعقلها ونتوكل. تمنياتي لكم بدوام السعادة والرضا.
رقية عاشور التقي
قرأت منذ مدة في كتاب لا أذكر اسمه، أن الوقت لا يكون متأخرًا أبدًا من أجل البدء من جديد، وأنه مهما شعر المرء بعدم قدرته على المُضي قُدُمًا فذاك شعور كاذب لا يمتُّ إلى الحقيقة بصلة، جميعنا نستطيع عبور تلك الأبواب التي نحسبها موصدة وغير قابلة للفتح، بتزودنا بالقليل من الصبر والإيمان.
وهذا ما أنشأنا عليه إسلامنا، فكُتبت التوبة للطبيعة البشرية، فاستطاع البعض بذلك الوصول إلى مراتب متقدمة في الإيمان والترفع عن مغريات الدنيا الفانية، والإسراع إلى الاستغفار والتوبة عند أية عثرة دنيوية.
عرفتُ إنسانًا كان يعيش كما نعيش في هذه الحياة، لكنه عاش في عمق الموجة، بينما كنا نتأملها على الشاطئ دون أن تتحرك أقدامنا نحوها، إلى أن أتى اليوم الذي جرفته فيه إلى عمق البحر، يومها تمنى لو أنه كان واقفًا معنا ولم يغطس لكن الوقت لا يعود أبدًا إلى الوراء.
حين كان يتأمل شريط حياته في أثناء انجرافه رأى نفسه في مكان آخر غير الذي كان يجب أن يكون فيه، ورأى أعماله تتوسله أن يتركها لكنه كان يأبى، بكى بحرقة حين رأى نفسه على تلك الحال، وهو لم يعد بمقدوره الرجوع، أهكذا نريد أن تكون نهايتنا في هذه الحياة؟
بالتأكيد لا أحد يريد أن يكون مكانه، فجميعنا نراه مذنبًا، لكن المسكين كان يعد العتاد في آخر حياته؛ لكي يقوم بأمور كثيرة أهمها التوبة والإقلاع عن المعاصي والاستغفار عن جميع الذنوب، لكنه نام طويلاً جدًّا بعد غرقه بحيث لا يستطيع التحرك من جديد، وكذلك سنفعل في نهاية المطاف، الوقت لم يسعفه هو فلماذا يختار بعضنا أن تكون النهاية كنهاية ذلك المسكين؟
جميعنا مساكين مثله، نعيش في هذه المحطة كعابرين ليس لنا من قوة سوى الإيمان، فدعونا لا نقتل إيماننا ونستسلم إلى مغريات هذه المحطة، ونبدأ فعليًّا في التركيز على أعمالنا الأخروية.
سوسن يوسف
لقد عملت في الماضي البعيد أعمل اليوم وسأعمل في المستقبل وسأبقى أعمل حتى الأزل، أعمل باحثاً عن صديق مخلص وعزيز على قلبي وباحثاً أيضاً عمن أخاله في الدنيا سيفهمني فأجد أحياناً ولا أجد أحياناً أخرى ولكن في حقيقة الأمر لا أعمل إلا لأبحث عن نفسي فأجدها أحياناً ولا أجدها أحياناً أخرى، أعمل باحثاً عن نصفي الثاني فإذا وجدته أحافظ عليه، أعمل باحثاً عن هدوئي فإذا وجدته لا أهدره في زحمة الطرقات الواسعة، أعمل باحثاً عن أي مجلس أجد رواده سعداء بي ويبتسمون في وجهي، فإذا وجدته أحفظ عهد المودة كي أعود إليه فأسعد بصحبة أهله، فإذا ما وجدت إحدى ضالاتي سأحافظ عليها حتى مماتي حتى إذا انقضت أيامي يذكرني أحبابي بحياتي وأموت هانئاً.
صالح بن علي
العدد 4866 - السبت 02 يناير 2016م الموافق 22 ربيع الاول 1437هـ