قال صندوق النقد العربي في رصد لأداء أسواق المال العربية في العام الماضي ان عام 2015 عام تحد لأسواق المال العربية، فقد تواصل التراجع خلال العام في أداء هذه الأسواق، وهو التراجع الذي بدأ مساره منذ سبتمبر 2014 مع بدء الانخفاض في أسعار النفط العالمية.
فقد خسرت الأسواق المالية العربية مجتمعة خلال عام 2015 نحو 143.6 مليار دولار من قيمتها السوقية، ما يمثل حوالي 12.0% من هذه القيمة، لتصل في نهاية ديسمبر 2015 الى 1059.5 مليار دولار، ما يعادل 38% من الناتج المحلي الإجمالي للدول العربية، مقابل 1203.1 مليار دولار ونحو 44.3% من الناتج مع نهاية العام السابق 2014.
تجدر الإشارة إلى أن خسائر الأسواق المالية العربية، تكون قد ارتفعت منذ بدء الانخفاض في أسواق النفط العالمية، لتصل الى حوالي 320 مليار دولار، ما يعادل نحو 24% من القيمة السوقية الإجمالية لها.
كان تأثير الانخفاض في أسعار النفط العالمية، العامل الابرز في تراجع أداء أسواق المال العربية خلال عام 2015، خصوصا لدى الدول العربية المصدرة للنفط، حيث انعكس الانخفاض المتواصل في أسعار النفط في انكماش السيولة وعلى نظرة وثقة المستثمرين للآفاق المستقبلية لاقتصادات هذه الأسواق.
إلا أنه لم يكن التراجع في أسعار النفط العامل الوحيد، فقد انعكس التباطؤ في تعافي الاقتصاد العالمي وتراجع توقعات أداء الاقتصادات الناشئة وتحديدا الاقتصاد الصيني، الى جانب تداعيات رفع أسعار الفائدة الأميركية ومخاوف العودة الى السياسات النقدية الاعتيادية، سلبا على أداء أسواق المال في الاقتصادات الناشئة والنامية، ومنها اقتصادات الدول العربية.
كذلك لم تستفد الدول العربية المستوردة للنفط من الحيز المتاح من جراء انخفاض الأسعار العالمية، على الرغم من الجهود الكبيرة للسلطات لدى هذه الدول في ادخال إصلاحات اقتصادية، ذلك أن بعض هذه الدول تأثرت بالإضافة الى العوامل السابقة، بتطورات وأحداث داخلية، رفعت من مخاوف المستثمرين.
كما رافق ذلك كله، انكماش نمو الأرباح الصافية لمعظم الشركات العربية، حسب البيانات المتوافرة عن الشهور التسعة الاولى.
هذا وكان التراجع ملحوظا وملموسا لدى الشركات في قطاعات مثل الصناعات البتروكيماوية، وقطاع شركات العقار والانشاءات، وقطاع الاتصالات، والخدمات الفندقية، وهو ما انعكس على أسعار شركات هذه القطاعات خلال العام.
كذلك وفي السياق نفسه، ساهمت الارتفاعات في عجوز الموازنات العامة لدى أغلب الدول العربية خلال العام، ولجوء السلطات فيها إلى أسواق التمويل المحلية لتمويلها، وتحديدا من خلال إصدار سندات الخزانة، في امتصاص جزء من السيولة المتاحة وارتفاع تكلفة التمويل الممكن توفيره للاستثمار في أسواق المال.
بالمحصلة، تراجعت مؤشرات الأسعار للأسواق المالية العربية خلال عام 2015 بنسب متفاوتة، باستثناء بورصة فلسطين التي كانت الاستثناء الوحيد، حيث سجل مؤشرها تحسنا بلغ نحو 3.0% خلال العام.
سجلت البورصة المصرية، أكبر نسبة للتراجع، حيث انخفض مؤشرها بنسبة 21.8% خلال العام، تلاها السوق المالية السعودية وسوق دبي المالي بنسبة تراجع لمؤشريهما بلغت 17.1 و16.5% على التوالي، فيما جاءت نسب التراجع في مؤشرات بورصة البحرين وسوق مسقط وبورصة قطر وسوق الكويت، قريبة من ذلك، حيث تراوحت نسب التراجع في مؤشرات الأسعار لهذه الأسواق بين 14.0% لدى سوق مسقط و16.0% لدى بورصة البحرين.
في المقابل، كان أداء سوق ابوظبي للأوراق المالية، الافضل نسبيا بين أسواق دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، حيث سجل مؤشر السوق انخفاض بلغت نسبته 5.6% خلال العام.
فيما سجلت مؤشرات بقية الأسواق العربية انخفاضات خلال عام 2015، كانت دون 5.0%، باستثناء بورصة الدار البيضاء، حيث سجل مؤشرها تراجعا بلغت نسبته 7.8% خلال العام.
هذا وعكس المؤشر المركب لصندوق النقد العربي، الذي يقيس أداء الأسواق المالية العربية مجتمعة، هذه التطورات، حيث انخفض بنسبة 14.1% خلال عام 2015.
ساهمت هذه الانخفاضات السعرية، مع الاستقرار النسبي في مؤشرات الربحية، في انخفاض ملحوظ في مضاعفات الأسعار للأسواق العربية (P/E)، التي وصلت لمستويات جاذبة.
فقد وصل مضاعف السعر للأسواق العربية مجتمعة الى نحو 11.3 مرة، حيث كان المضاعف دون 12 مرة لدى معظم الأسواق العربية، باستثناء بورصة الدار البيضاء وبورصة تونس وسوق الكويت بمعدلات تراوحت بين 13 و16 مرة مع نهاية عام 2015، فيما وصل مضاعف السعر لدى سوق دمشق للأوراق المالية الى 1.6 مرة، الأقل بين الأسواق العربية.
الأداء متماشٍ مع الأسواق الناشئة
بالمقارنة مع الأسواق الاخرى، جاء أداء أسواق المال العربية متماشيا في هذا السياق، مع أداء معظم الأسواق المالية في الأسواق الناشئة والاقتصادات النامية، حيث انخفضت مؤشرات (MSCI) للأسواق الناشئة في كل من أميركا اللاتينية وأوروبا الشرقية وأسواق شرق وجنوب آسيا بنسب 31.8 و15.7 و10.9% على التوالي خلال العام.
في المقابل، كان أداء الأسواق المالية في الاقتصادات المتقدمة أفضل بصورة ملحوظة، حيث سجلت معظم مؤشرات هذه الأسواق ارتفاعات متفاوتة خلال العام، اذ ارتفعت مؤشرات (DAX) الالماني و(CAC 40) الفرنسي و(NIKKEI 225) الياباني بنسب 10.0 و9.5 و9.1 على التوالي، فيما سجل مؤشر (S&P-500) الأميركي تحسنا طفيفا خلال العام بنحو 0.2%.
شح في السيولة بكل الأسواق
إضافة الى تراجع مؤشرات الأسعار، عرفت الأسواق العربية خلال عام 2015، شح في السيولة، كما تعبر عنه مؤشرات التداول.
فقد بلغت قيمة الأسهم المتداولة خلال العام حوالي 500.5 مليار دولار، بنسبة تراجع وصلت إلى حوالي 48.0% بالمقارنة مع القيمة المماثلة المسجلة خلال العام السابق 2014، البالغة نحو 835.3 مليار دولار.
لينخفض بناء عليه، معدل دوران الأسهم العربية من نحو 69.4% عن عام 2014 إلى نحو 44.3% عن عام 2015، علما أن هذا المعدل كان قد تجاوز 100% في سنوات ما قبل الازمة المالية العالمية.
حافظ السوق السعودي على المرتبة الاولى بين الأسواق المالية العربية فيما يتعلق بمعدل الدوران خلال عام 2015، حيث وصل المعدل الى 87.1%، متأثرا نسبيا بالسماح للمستثمر الاجنبي بالتداول المباشر في السوق.
مع ذلك، كان معدل الدوران للسوق السعودي، أقل من المعدل المسجل للسوق نفسه في العام الماضي 2014، حين وصل الى 138.1% (الاعلى سنويا لهذه السوق منذ الازمة المالية العالمية).
جاء سوق دبي المالي ثانيا، بمعدل دوران 24.7%، في تراجع مقارنة مع السنوات السابقة، في حين كان المعدل أقل من 15% لدى معظم بقية الأسواق المالية العربية عن عام 2015، عاكسا بذلك انكماش السيولة المتاحة.
تراجع الاستثمار الأجنبي
فيما يتعلق بالاستثمار الاجنبي في أسواق المال العربية، تأثرت استثمارات الأجانب إيجابيا في بداية ومنتصف العام مع ادراج أسواق الامارات وقطر في مؤشرات الأسواق الناشئة، والبدء بالسماح للمستثمرين الاجانب بالتداول في السوق السعودي، الا انها عادت لتشهد تراجعا خلال الشهور الأخيرة من العام.
حيث وصلت مشتريات الأجانب في أسواق المال العربية خلال عام 2015 الى حوالي 60.6 مليار دولار، فيما بلغت مبيعاتهم حوالي 60.1 مليار دولار للعام نفسه.
لتسجل بذلك استثمارات الأجانب صافي تدفق موجب عن عام 2015، بلغ 540 مليون دولار.
يمثل تراجعا بالمقارنة مع الارقام التي سجلتها الاستثمارات الاجنبية في الأسواق العربية عن العام السابق 2014، حين وصلت مشتريات الأجانب الى نحو 108 مليار دولار ومبيعاتهم نحو 103.6 مليار دولار، بصافي تدفق موجب بلغ 4.4 مليارات دولار.
بلغت حصة تعاملات الأجانب من إجمالي التداول في الأسواق العربية مجتمعة نحو 12.0% عن عام 2015، مقابل 12.7% عن عام 2014.
تجدر الاشارة الى أن نسبة تعاملات الاجانب، تصل أعلاها بين الأسواق العربية لدى سوقي دبي وأبوظبي، تليهما بورصتا البحرين ومصر.
هدوء في أسواق الإصدارات الأولية
عرفت أسواق الإصدارات الأولية من الأسهم (IPOs)، هدوءا خلال عام 2015. فقد بلغ عدد الإصدارات الجديدة، عشرة إصدارات بقيمة إجمالية بلغت 2.07 مليار دولار، بالمقارنة مع 26 إصدارا بقيمة إجمالية وصلت الى 10.4 مليارات دولار خلال العام السابق 2014.
كما لم يقتصر التراجع في عدد وحجم الإصدارات، بل كذلك على صعيد نسب التغطية للإصدارات، التي وصلت بالمتوسط الى نحو 5.2 مرات عن عام 2015، مقابل معدل تغطية وصل بالمتوسط الى 13.8 مرة عن إصدارات العام السابق 2014، بما يعكس كما سبقت الاشارة، تراجع اقبال المستثمرين وشح السيولة.
توزعت إصدارات عام 2015، بين أربعة إصدارات في البورصة المصرية وثلاثة في السوق السعودي، وإصدارا واحدا لدى كل من بورصة تونس وسوق مسقط وبورصة الدار البيضاء.
واللافت خلال العام، هو خلو هذه الإصدارات من أي إصدار جديد لشركات القطاع المالي والمصرفي، حيث تركزت الإصدارات في قطاعات الصناعة، والنقل، والطاقة، والعقار، والصحة.
كان أكبر هذه الإصدارات، إصدار الشركة السعودية للخدمات الارضية (752 مليون دولار)، وإصدار شركة اعمار مصر (299 مليون دولار)، وإصدار شركة التشخيص المتكاملة في مصر (290 مليون دولار).