تذكرتُ ما كَتَبَتهُ الدبلوماسية الغربية شارلوت هارفورد في «الفاينانشال تايمز» وأنا أقرأ أحد التقارير عن مشاكل اللجوء في الغرب مع موجات المهاجرين العارمة. الكاتبة اعتبرت أوروبا كَمَنْ ضيَّع فرصة «اقتصادية» لا تُعوَّض عندما تعاملت مع اللاجئين بالطريقة التي شاهدها الجميع (ماخلا بعض البلدان التي كان تعاملها معهم مختلفاً إلى حد ما مع اعتبارات خاصة بها كألمانيا).
وعلى رغم أنها استدعت معاهدة دبلن (التي وُقِّعت قبل 25 عاماً) كوعاء إنساني وقانوني يحفظ للمهاجرين شيئاً من الحياة الكريمة إلاَّ أن نظرتها (أي شارلوت هارفورد) كانت براغماتية بامتياز عبر دعوتها إلى استثمار «أوضاع» هؤلاء اللاجئين «وحاجتهم للحياة» لتحويلهم إلى رافعة عضلية لأوروبا، مع وجود نزعة ثقافية لديها لإمكانية تحويلهم إلى مجتمعات «مُتأوْرِبَة» جديدة.
وعندما كانت تشير إلى ازدواجية الموقف بين هؤلاء وبين الأوروبيين الشرقيين الذين قَدِموا إلى أوروبا الغربية مع بداية انهيار الدول الشيوعية في الحزام الشرقي وكيف رُحِّبَ بهم، فإنها لم تَلُم الغرب الثري إلاَّ على النقطة ذاتها، وهي عدم الاستفادة من هؤلاء كما استفادت أوروبا الغربية من «أبنائها الشرقيين» الذين غمروا القارة (وحدها ألمانيا الغربية استقبلت 17 مليون ألماني شرقي بعد الوحدة).
تقول شارلوت: «من الصعب الاعتقاد بأن السياسة السليمة هي إنفاق الملايين على عمليات أمنية تستهدف إبقاء المهاجرين بعيداً عن أوروبا وكأنهم أقوام من البرابرة. إن اللاجئ الذي يصل إلى إيطاليا عبر شمال إفريقيا يكون في العادة شابّاً مدفوعاً بحافز قوي للهجرة، وقويّاً بما يكفي».
هذا الرأي يستبطن رغبة تقول إن على دول الاتحاد الأوروبي استثمار ذلك الحافز والقوة التي يتمتع بها اللاجئ في أن تكون ساعِدَاه بانية لأوروبا في ظل عجز في موالديها، والأكثر توسّع طبقتها الوسطى، ونسبة الثراء الذي يجعل الناس في مرتبة المخدومين مع توافر مثل هؤلاء العطشى!
اللفظ المستعمل هنا أن إيرلندا «حَفِيَت قدماها وهي تبحث عن العمال المهرة». وقد أشرتُ في وقت سابق في الحديث عن اللاجئيين السوريين، إلى أن «المجتمع السوري الذي هو مجتمع مهني بامتياز، ويجيد الصناعات اليدوية والعمل في الصناعات التحويلية، والسلع الاستهلاكية والوسيطة» وهو ما يجعله أحد أهم فئات اللاجئين استقطاباً من قِبَل هؤلاء.
والحرب الدامية المندلعة في سورية منذ خمسة أعوام جعلت 60 في المئة من السوريين المَهَرَة الذين تتراوح أعمارهم ما بين 15 و45 عاماً خارج بلدهم لأن تتلقفهم مثل هذه الدعوات بلهفة. فأوروبا لم تنفق دولاراً واحداً عليهم وتسلمتهم جاهزين، في الوقت الذي كان الواحد منهم يستهلك 71 ألف دولار خلال عملية تعليمه من الصف الأول حتى الثانوية العامة في سورية على سبيل المثال!
وفي موطن آخر من مقالها تضيف شارلوت بعد ذلك: «توحي الوجهة التي يقصدونها بهجرتهم عن تعلق عاطفي بالديمقراطية وحكم القانون. كما أن بعضهم حاصل على تعليم عالٍ. والعديدون منهم يشعرون بحب حقيقي لثقافتنا حتى حين لا تكون لديهم معرفة مكتملة بها».
هذا الأمر جدير بالتأمل فعلاً. فنظرة العديد من المثقفين الغربيين ومعهم البرجوازية الكبيرة في أوروبا، وإلى جانبهم «بعض» الدعاة الدينيين من أتباع «بعض» الكنائس التي مازالت ترى في التبشير وسيلة جيدة للهيمنة (كما عند بعض الإسلاميين) يجعلنا نفتح أعيننا وعقولنا أكثر من السابق.
فأوروبا التي سادت بالبارود خلال القرنين السادس عشر والسابع عشر، وسادت بالقانون والحرية خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، وكذلك بالاستعمار الأسوَد في القرن العشرين، ترى أن هناك طريقة أخرى للسيادة وهي استيعاب «لحظة الفشل» في الشرق وتحويله إلى زخم جديد لديها ولكن بطعم أوروبي مُهجَّن.
خلال الفترات الماضية، شاهدنا عدداً من اللاجئين المنتمين إلى دول عدّة في الشرق الأوسط وهم يتخلَّون عن معتقداتهم الدينية وأسمائهم لصالح أسماء «أجنبية» جديدة. وهذا الأمر، وبعيداً عن حرية العقيدة، هو استغلال بيّن حين يُنظَر إلى حاجة هؤلاء للسكن واللجوء، وبين سرعة الاقتناع بالعقائد الجديدة! وهو ما لا ينفع أوروبا بالضرورة بل يؤذيها؛ لأنها تكسب من المبضع الأضعف في البشر، من دون أن يكون هناك شعور بالثقافة الأوروبية والنظام الذي يحكم القارة.
الحقيقة، أن ضياع ملايين العرب وأهل الشرق في تلك الحسابات لهو أمر مؤسف، بما فيهم مسيحيو الشرق (سواء مسيحيي الموصل أو حلب أو أقباط مصر)، فنحن لا ننظر إلى الأمر من منطق ديني أو طائفي. فالمسيحيون ليسوا وزناً زائداً فينا بل هم من هذه الأرض وانتسابهم إلى حام بن نوح أو نصر بن حام أو مصرايم وكوش وكنعان وقوط، أو من ولد كنعان بن حام يؤكدهم.
ما فتِئت الدراسات الاقتصادية وهي تشير إلى حاجة الدول العربية إلى نهضة صناعية، وهؤلاء المهاجرون هم أهلها، الذين قَدِموا من بلدانٍ أسَّست لنفسها نهضة صناعية وزراعية حقيقية حتى ولو كانت متواضعة. ولو قُيِّض لهؤلاء أن ينقلوا تجاربهم إلى بقية الدول العربية سواء في المنسوجات أو في العديد من الصناعات التحويلية التي كانوا يشتغلون بها لتغيّر الحال كثيراً ولما أصبحت الحاجة إلى بضائع مستوردة يتم فرض مقاييسها علينا.
إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"العدد 4863 - الأربعاء 30 ديسمبر 2015م الموافق 19 ربيع الاول 1437هـ
احم احم
انت ليش ما اصير اذكى من اوربا تستقبل المهرة اللاجئين من سوريا من دون ما تدفع ولا دولار هههههههههههه ؟ وبعد اتكون لك مصالح فوق هدا ؟
هو موضوع سوريا والعراق وبربرية العرب اتعبت اللي ما يتعب في هدا العالم ناس لا فالح لا في دين ولا في سياسة ولا في اقتصاد ولا حتى في ادارة بيت ؟ وتحصل على مصلحة منهم غير تعطيهم لجوء ويوم ثاني ايردون لك الجمل بتفجير انتحاري وين من وراهم شي غير الخساره
مستضعف
ان الهجرة نظام يحقق للغرب ربح مادي حيث يعمل على المحافظة على جودة الإنتاج بتكلفة أقل في ضل النمو المادي للقاطنين في دول الغرب فليس بغريب أن التجارب الطويلة بعد الحرب العالمية الثانية جعلت العالم يجدد هذه التجربة و الضحية دائما الشعوب المغلوبة على أمرها.
الكاسر
صَل على نبيك اخ محمد مو ناقصين
الا عندنا يكفي وزيادة اذا قدمو المهاجرين لنا راح الدولة تجنسهم وتشغلهم في الشرطة او الجيش وراح تفضلهم على البحريني الأصلي في السكن ....الخ