شهد العام 2015 العديد من الأحداث الهامة في العالم العربي، وبرز خلال هذا العام بشكل واضح الدور الكبير الذي تقوم به دول مجلس التعاون الخليجي في محاولة لم الشمل وإعادة إعمار ما خلفته الأحداث في المنطقة، حيث كان للمجلس ودوله أدوارا مهمة في اليمن للدفاع عن الشرعية واستعادة الامن والاستقرار به، وكذلك بذلت دول مجلس التعاون جهودها بشان معالجة الأزمة في سوريا وليبيا ودعم القضية الفلسطينية، بالإضافة الى دعم الجهود التي تقوم بها مصر وتونس وباقي الدول العربية لتثبيت دعائم الأمن والاستقرار بها.
وكان من أبرز الأحداث الحزينة التي شهدها العالم العربي عام 2015، رحيل الملك عبد الله بن عبد العزيز عاهل المملكة العربية السعودية الراحل طيب الله ثراه والذي كان قائدًا عربيًا وإسلاميًا من الطراز الأول واستطاع أن يضع بحكمته وعقلانيته بصمات عديدة على صعيد العمل الخليجي والعربي والإسلامي والدولي والإنساني كله، حتى أنه اختير ضمن الشخصيات الأكثر نفوذًا وتأثيرًا في العالم. وما خفف من حدة المصاب الجلل أن خلفه كان خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز الذي يعتبر خير خلف لخير سلف، وقد أمسك جلالته حفظه الله الراية في ظروف دقيقة تمر بها المنطقة والعالم، فاستطاع أن يحمي الأمة العربية كلها من خطر التطورات في اليمن عبر عمليتي "عاصفة الحزم" و"إعادة الأمل"بقيادة المملكة العربية السعودية، كما قام خادم الحرمين الشريفين بتجميع العالم الإسلامي في تحالف كبير ضم زهاء الـ34 دولة لمكافحة خطر الإرهاب إيمانًا من جلالته أن في الاتحاد قوة لجميع الدول العربية والإسلامية وقد أيدته ودعمته الدول العربية وفي مقدمتها مملكة البحرين.
وواصلت الدول العربية عام 2015 خطواتها نحو ترسيخ أسس وأركان التطور الديمقراطي، حيث جرت الانتخابات النيابية في مصر والرئاسية في تونس وجرت انتخابات نيابية في الإمارات، وكان من بين التطورات التي حدثت بها انتخاب امرأة رئيسا للمجلس الوطني الاتحادي هي السيدة أمل عبد الله القبيسي في خطوة عززت مكانة المرأة الخليجية والعربية، تلتها خطوة أخرى في انتخابات المجالس البلدية السعودية، حيث شاركت المرأة لأول مرة كمرشحة بعد أن تم منحها من قبل الحق في التصويت وفازت 20 امرأة في الانتخابات لتخطو دول مجلس التعاون والدول العربية خطوة جديدة نحو تعزيز حقوق المرأة.
وواصلت الدول العربية جهودها لمكافحة ومحاربة الارهاب ونجحت الدول العربية في التصدي لعدة هجمات إرهابية تستهدف أمنها واستقرارها، هذا بالرغم من وقوع عدد من الجرائم وسقوط بعض الضحايا، منها: ثلاثة هجمات استهدفت تونس وحدها وهي الهجوم على متحف باردو يوم 18 مارس والحصيلة 22 قتيلا، والهجوم على أحد فنادق سوسة في 26 يونيو والذي أوقع 38 قتيلا، وفي 24 نوفمبر استهدف هجوم حافلة للأمن الرئاسي في العاصمة التونسية وأوقع 12 قتيلا، وجميع هذه الهجمات تبناها تنظيم "داعش" الإرهابي.
كما وقع بالمملكة العربية السعودية حوادث إرهابية متفرقة استهدفت المساجد، وكذلك وقع حادث إرهابي ضد مسجد الإمام الصادق بالكويت، بينما ما زالت التنظيمات الإرهابية وأخطرها تنظيم "داعش" تضرب بعملياتها في سوريا والعراق ومصر، وشهدت لبنان أحداث عنف هي الأخرى، وعانت الدول العربية كثيرا من التدخل الإيراني السافر في شئونها الداخلية، حيث تم اكتشاف العديد من الشبكات الإرهابية ممولة من إيران في البحرين والكويت، كما قامت طهران بمحاولات لتهريب الأسلحة والمتفجرات إلى البحرين والكويت والسعودية.
يضاف إلى ذلك: غرق مئات من اللاجئين الفارين من هول الأحداث في سوريا والاقتتال في ليبيا وأحداث العنف في العراق. كما بقيت القضية الفلسطينية القضية الأولى التي يعاني منها العالم العربي مع استمرار الاحتلال الإسرائيلي بحملات الاعتقالات والقتل والتضييق على الفلسطينيين وعدم وجود أي أفق لانفراج سياسي، حيث بلغ عدد المعتقلين وفق بيانات السلطة الفلسطينية 6500 معتقل، كما قتل المئات من الفلسطينيين بينهم نساء وأطفال كما واصلت قوات الاحتلال اقتحامها للمسجد الأقصى الشريف.
وإزاء هذه التطورات العديدة والمقلقة تحركت الدول العربية للبحث عن حلول لها، فأنشأت تحالفًا عربيًا بقيادة المملكة العربية السعودية الشقيقة لإعادة الشرعية إلى اليمن بناء على طلب رئيسها الشرعي عبد ربه منصور هادي بدأ عملياته فجر يوم 26 مارس، كما تم تشكيل تحالف إسلامي لمكافحة الإرهاب أعلنت عنه المملكة العربية السعودية في منتصف ديسمبر 2015 تحت قيادتها بمشاركة 34 دولة عربية وإسلامية.
وأقرت القمة العربية التي عقدت بجمهورية مصر العربية في مارس 2015 مقترح لتشكيل قوة عربية عسكرية مشتركة لمواجهة التحديات وصيانة الأمن القومي العربي، ودعت في بيانها الختامي فيما يتعلق بالشأن الليبي إلى تقديم الدعم للحكومة الشرعية والبرلمان المنتخب ودعم الجيش الوطني، وفي الشأن السوري طالبت القمة مجلس الأمن بتحمل مسؤولياته لإيجاد حل سياسي للأزمة.
وفيما يتعلق بالأحداث الجارية في اليمن، أيد البيان الختامي الإجراءات العسكرية التي يقوم بها التحالف الذي تقوده السعودية، مطالبا الحوثيين "بالانسحاب الفوري من العاصمة صنعاء والمؤسسات الحكومية وتسليم سلاحهم للسلطات الشرعية". وعن فلسطين، دعت القمة الدول العربية لدعم موازنة دولة فلسطين لمدة عام تبدأ من الأول من أبريل المقبل، ودعمت قرارات المجلس المركزي الفلسطيني الداعية لإعادة النظر بالعلاقات السياسية والاقتصادية والأمنية مع إسرائيل بما يجبرها على احترام الاتفاقيات الموقعة وقرارات الشرعية الدولية.
وفيما يتعلق بالجزر الإماراتية المحتلة، جدد المجتمعون تأكيدهم المطلق على سيادة دولة الإمارات الكاملة على جزرها الثلاث، داعين الحكومة الإيرانية إلى الدخول بمفاوضات مباشرة مع دولة الإمارات أو اللجوء إلى محكمة العدل الدولية لإيجاد حل سلمي لقضية الجزر.
كما قامت الدول العربية بإغاثة الشعوب التي تتعرض لأزمات داخلية، ففي 18 أبريل أمر الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود بتخصيص 274 مليون دولار لأعمال الإغاثة الإنسانية في اليمن، كما قامت دول الخليج بإغاثة اللاجئين السوريين في الدول المجاورة واستقبلت مئات الآلاف منهم.
اقتصاديًا، ما زال عدد من الدول العربية يتمتع بنمو معقول لا سيما دول مجلس التعاون الخليجي التي شهدت توسعًا في مشروعات البنية التحتية والعمرانية عام 2015، وهو العام الذي شهد جهدًا خليجيا لدعم اقتصادات عدة دول عربية في مقدمتها مصر وفلسطين، كما سعت الدول العربية لزيادة فرص التبادل التجاري فيما بينها من خلال الاجتماعات الثنائية واجتماعات المنظمات الاقتصادية التابعة للجامعة العربية، ولكن بلغت نسبة النمو المتوقعة بشكل عام للعالم العربي هذا العام 2.5 % في ظل تراجع أسعار النفط، في حين سعت منظمة الأوابك لبحث ومعالجة تأثيرات هذا الأمر في اجتماعها في القاهرة.
لقد حققت الدول العربية العديد من النجاحات في العام الحالي 2015، لكن تظل بعض الأزمات متواصلة في سوريا واليمن والعراق وليبيا، بالإضافة الى بروز معضلة اللاجئين، وكلها تحديات تستوجب على الدول العربية في العام 2016 أن تسعى بكل طاقتها لاستنهاض العمل العربي المشترك، وتتكامل بشكل أكبر لمواجهة كافة الأزمات والتحديات، فلا سبيل لحل مشاكل المنطقة إلا بجهود أبنائها المخلصين.