العدد 486 - الأحد 04 يناير 2004م الموافق 11 ذي القعدة 1424هـ

الخروج من العراق أولوية بوش للعام 2004

روبرت فيسك comments [at] alwasatnews.com

منذ أن زمّر دانيال بايبس - أحد المحافظين الجدد الأميركيين الفاشلين - الصيف الماضي بخطته في تنصيب «حاكم مستبد مهتم بالديمقراطية» في العراق، ظللت أراقب الكرة البلورية في واشنطن لمزيد من المؤشرات لما يدخره معدّو هذه الحرب المدمرة للعراقيين الذين «حرروهم» العام الماضي.

وليس بعيدا، ما طرح من مقترحات مروِّعة «للعراق الجديد» من العصابة اليمينية ذاتها. ولهذا السبب فإن أية تنبؤات لعراق العام الجديد سترتكز على أفكار رئيس المجلس الأميركي للعلاقات الخارجية سابقا، ليزلي جيلب، الذي تدعو خططه التعسة للعراق «المحرر» إلى شيء قريب من التطهير العرقي.

فقد كشفت نيويورك تايمز - الصحيفة التي «روّجت» العام الماضي إلى أن الأميركيين يجب أن يقبلوا بارتكاب قواتهم «إبادة جماعية» في العراق، وهو ما خلط فظيع للبساطة وانعدام الرحمة في العراق. وعلى أميركا أن تنشيء ثلاث دول صغيرة في العراق - كردية في الشمال، سنية في الوسط وشيعية في الجنوب- وترسم حدود هذه الكيانات الثلاثة حسب المقومات العرقية والطائفية. يقول جيلب: «الفكرة العامة هي تقوية الدولة الشمالية والجنوبية واضعاف الوسطى»، لذلك تستطيع القوات الأميركية تخليص نفسها من مستنقع «المثلث السني» ليصبح السنة المزعجون -دون حقول النفط - في حال عقلية أكثر اعتدالا.

صحيح، أن تقسيم العراق ربما يكون «مشروعا خطيرا وغير مرتب، فعشرات الآلاف من العراقيين، بعد كل ما حدث، سيبعدون من منازلهم ويدفعون عبر حدود جديدة، لكن يجب أن تفرض واشنطن، إذا كانت هناك ضرورة، حاجزا بالقوة»، وهذا هو جوهر خطة جيلب. وهنا تأتي قصة البوسنة وكوسوفو إلى الأذهان. ومن المهم ألا نعتبر كل هذا من نظريات مراكز الفكر في واشنطن، إذ ساعد بايبس وجيلب وأصدقاؤهما في بناء مؤسسات هذه الحرب، وتهدف أفكارهم إلى مزيد من اضعاف العراق كدولة - وكذلك العالم العربي عموما - فيما يحتفظون بالقوة العسكرية الأميركية. وأسّس طبيعة «العراق الجديد» الطائفية الحاكم الأميركي في بغداد، بول بريمر، إذ يتكون «مجلسه الحاكم» من الطائفتين المسلمتين والأكراد بنسبة ترتبط مباشرة بثقلها السكاني. احدى الطائفتين التي تشكل 60 في المئة من السكان تتوقع أن تستحوذ على سلطة فعلية في انتخابات العام الجاري، وهو ما لم يشجعها للانضمام إلى التمرد المناوئ للأميركيين، ويفهم الأميركيون والبريطانيون هذا جيدا. وبالتالي سيحكم العراق على أسس طائفية مثل كثير من الدول العربية التي أقامها الفرنسيون والبريطانيون على أنقاض الامبراطورية العثمانية بعد الحرب العالمية الأولى.

وإذا استمر التمرد مع اقتارب دراما إعادة انتخابات الرئيس بوش، ستظل الإدارة الأميركية قلقة من فعل أمرين: الجزم بأن الولايات المتحدة «ستبقى أكثر في العراق» أو أنها ستخرج بسرعة بقدر الإمكان. وسيكون هناك تعيين لمزيد من رجال الشرطة، وميليشيا أكثر، وحتى تعيين مزيد من الأعضاء السابقين بجهاز المخابرات القديم التابع لنظام صدام حسين للعمل كجواسيس ومخبرين بين الميليشيا العراقية والأميركيين.

ويأتي ذلك مع تعرض الشرطة العراقية لإصابات أكثر من قبل، مع كومة كبيرة من جثث العراقيين الأبرياء، والأطفال الذين يلعبون بجانب القنابل التي تنفجر في الطرقات، وتتعرض أجسامهم للتقطيع إربا إربا، أثناء الغارات على الأحياء أو خلال المظاهرات بالنيران الأميركية، فيما يتعرض ركاب الحافلات لكمائن الفدائيين، ويتطاير العشاء في المطاعم، ومن ثم التوجه في كل صباح إلى مشرحة بغداد

العدد 486 - الأحد 04 يناير 2004م الموافق 11 ذي القعدة 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً