العدد 486 - الأحد 04 يناير 2004م الموافق 11 ذي القعدة 1424هـ

المنسيون خلف القضبان

فايز سارة comments [at] alwasatnews.com

.

انشغل العالم كثيرا في الايام الاخيرة من العام 2003، بكارثة مدينة بام التاريخية في ايران، إذ قتل وتشرد أكثر من مئة ألف، كما سيطرت على اخبار الايام الاخيرة من العام المنصرم حادثة سقوط الطائرة التي تقل عشرات اللبنانيين، والتي خلفت مأساة في أكثر من اربعين قرية، تتوزع في انحاء لبنان، وكان الحدثان في جملة حوادث تتواصل تفاعلاتها المأسوية عبر العالم، وخصوصا في البلدان العربية والاسلامية، إذ تتابع شلالات الدم تدفقها في افغانستان والعراق وفلسطين، بفعل عمليات القتل والاذلال التي تتابعها قوات الاحتلال في تلك البلدان حيال السكان المدنيين العزَّل.

ولاشك، ان تدفق أخبار الكوارث، وحملات القمع الدموي عبر العالم، تكشف صورة مأسوية لعالمنا المعاصر الذي بات بحاجة أكبر الى مساحات اوسع من التضامن الانساني سواء لجهة التخفيف من آثار الكوارث الطبيعية، التي تتخذ طابع القضاء والقدر، او لجهة تلك الأعمال الهمجية التي تقوم قوات محتلة ضد شعوب وسكان مدنيين أبرياء بعد ان استولت على بلادهم ومقدراتهم وثرواتهم، وأخضعتهم لسلطانها بالقوة والاكراه.

غير انه وفي غمرة تدفق الاخبار المأسوية عن الكوارث وحمامات الدم، غاب عن الاخبار تغطيتها لاوضاع السجناء والمعتقلين والذين لا تقل معاناتهم الانسانية ومعاناة ذويهم عما تسببه الكوارث وعمليات القتل عبر العالم، ذلك أن مأساة المعتقلين والسجناء، هي مأساة الحاضر ممتدة الى المستقبل بما تخلفه من آثار تتجاوز في حدودها المعتقلين والسجناء الى فضاءاتهم الاسرية والاجتماعية.

وحالة المغيبين خلف القضبان من المعتقلين والسجناء هي مسألة عالمية موجودة في اغلب بلدان العالم، لكن بعض حالاتها، تكتسب خصوصيات، كما حال المعتقلين في غونتنامو، وأمثالهم المعتقلين في سجون الاحتلال الاميركي - البريطاني في العراق، وكذلك المعتقلين في السجون الاسرائيلية، وجميعها حالات محكومة اليوم بما يسمى بـ «الحرب على الارهاب» التي تديرها الولايات المتحدة بمشاركة مباشرة وفعالة من «اسرائيل» وبريطانيا، وهم الشركاء الثلاثة الذين يديرون عمليات الاعتقال الاوسع في عالم اليوم من جزيرة غونتنامو الى افغانستان والعراق وفلسطين.

وفي معتقل غونتنامو مئات المعتقلين، يعيشون في ظروف وشروط غير انسانية منذ أكثر من عامين، وليس من افق يفتح على حصولهم على حريتهم، وضع حد لمأساتهم ومأساة اهاليهم، وكذلك حال المعتقلين في العراق وفلسطين، لكن اعدادهم في الحالتين الاخيرتين أكثر بكثير من معتقلي غونتنامو.

وتضم قائمة السجناء والمعتقلين في العراق نحو 15 الف شخص، يجري احتجازهم من قبل قوات الاحتلال دون سند قانوني أو محاكمة، ومعظمهم معتقل لمجرد الاشتباه في مقاومة الاحتلال، وبين هؤلاء مئات من العرب اللبنانيين والسوريين والاردنيين والسودانيين وغيرهم، حسب تصريحات المسئولين الاميركيين الذين يحمِّلون هؤلاء مسئولية العمليات ضد قوات الاحتلال وحلفائها. وقد تحدثت تقارير لمنظمات حقوقية دولية وعراقية عن عمليات تعذيب يتعرض لها السجناء والمعتقلون من قبل قوات الاحتلال.

ويتجاوز عدد الذين تعتقلهم «اسرائيل» في منتصف العام الماضي حسب اقل الارقام، أكثر من سبعة الآف شخص، وهو عدد يتصاعد باستمرار بفعل استمرار الانتفاضة. وبين هؤلاء اقل من الفي شخص يقضون أحكاما اصدرتها المحاكم الاسرائيلية، فيما البقية موزعة ما بين موقوفين بانتظار المحاكمة، وآخرين صدرت بحقهم احكام ادارية، وغيرهم ممن امضى فترة حكمه دون ان يطلق سراحه، وهو اجراء يقوم به الاسرائيليون بعد ان يعجزوا عن ايجاد سند قانوني أو إداري، يبرر حال الاعتقال.

ويعيش المعتقلون والسجناء في السجون الاسرائيلية وسط ظروف بالغة القسوة بسبب عمليات التعذيب الجسدي والنفسي، التي تمارسها ضدهم سلطات السجون، ونتيجة سنوات الاعتقال الطويل التي أدت بهم الى امراض خطيرة ومستعصية، وقد تجاوز الكثير منها العشرين عاما، واذا كانت أكثرية المعتقلين والسجناء من الفلسطينيين وبينهم أكثر من خمسين امرأة ومئة وعشرين طفلا، غير ان بينهم لبنانيين وسوريين واردنيين ومصريين، مضى على اعتقال بعضهم نحو عقدين من الزمان.

وواقع حال المعتقلين والسجناء في غونتنامو كما في العراق وفلسطين وغيرهما، يعيد طرح قضيتهم امام الرأي العام العالمي من اجل تدخل يضع حدا لمعاناتهم ومعاناة اهاليهم واسرهم، ويعيدهم إلى الحياة مجددا بعد أن اخرجوا منها بقوة القمع، ووضعوا في أتون العذاب الجسدي والنفسي، ما يتطلب إثارة قضيتهم من جانب منظمات حقوق الانسان، ومن جانب اجهزة الاعلام وخصوصا الاعلام العربي الذي اكتفى في نهاية العام المنصرم بخبر صغير عن اضراب مئات من المعتقلين والسجناء عن الطعام في معتقل بئر السبع الصحراوي احتجاجا على عمليات القمع التي تعرضوا لها، والعقوبات التي أعلنتها ادارة المعتقل ضدهم تحت حجة اكتشاف محاولة هرب بعضهم من المعتقل

العدد 486 - الأحد 04 يناير 2004م الموافق 11 ذي القعدة 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً