لاتزال السلع تحت الضغط مع وصول مؤشر «بلومبرج» للسلع إلى انخفاض جديد عن 16 عاماً خلال الأسبوع قبل الماضي، في حين استقرت المعادن الصناعية إثر ظهور بوادر تنبئ بخفض الإنتاج، على العكس من النفط الذي انخفض سعره كنتيجة للفائض في المعروض، حيث هبط سعر خام برنت إلى ما دون 40 دولاراً للبرميل ليسجّل انخفاضاً جديداً عن 7 أعوام.
ولم يثمر اجتماع «أوبك» الأخير عن أي تغيير في سياسة المنظمة الحالية بالتركيز على الإنتاج دون التفكير بكيفية تصريفه وفي ظل غياب أي استراتيجية للتعامل مع فائض المعروض الذي سينجم عن عودة إيران إلى التصدير خلال الربع المقبل، فقد واصل سعر النفط هبوطه، ولاسيما مع الأخبار التي تفيد بوصول إنتاج «أوبك» إلى القمة عن 3 سنوات خلال نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي.
ومن جانب آخر، تواصل المعادن الصناعية تحقيق مزيد من الاستقرار - وفي طليعتها النحاس والرصاص - كنتيجة للأنباء التي تفيد باتخاذ خطوات وشيكة لخفض الإنتاج بشكل مدروس، وذلك إثر ما شهده قطاع التعدين من هبوط وتراجع في الأسعار على مدى عدة أشهر بعد أن ساد فيه توجّه لرفع الإنتاج بشكل محموم خلال السنين القليلة الماضية.
وقد هبطت المعادن الثمينة في هذه الفترة بعد رفع معدلات الفائدة الأميركية المنتظرة طويلاً، وأقدم المستثمرون ممن ينتهجون أسلوب المضاربة ويشغلون مواقع قصيرة غير مسبوقة في الأسهم الآجلة على التراجع عن بعض مواقعهم في استجابة لضعف الدولار، غير أن الأسبوع الماضي اتسم بالهدوء بشكل عام وشهدنا واحداً من أهم التطورات مع استسلام السكّر أخيراً لجني الأرباح بعد أن أصبح السلعة الأكثر شعبيةً في أوساط المستثمرين خلال الأشهر القليلة الماضية، وبالتالي هبطت المراهنات الإيجابية إلى مستويات غير مستقرّة تاريخية سيكون جني مزيد من الأرباح بعدها أصعب بشكل مطّرد.
وقال التحليل الصادر عن «ساكسو بنك» إن الأحوال الجوية ألقت بظلالها الثقيلة على ضفتي الأطلسي فكان الغاز الطبيعي الأميركي الخاسر الأكبر بسبب العوامل الجوية مع هبوطه إلى ما دون دولارين ليتجّه إلى أدنى انخفاض له منذ عام 2012، والأدنى في هذا الوقت من السنة منذ عام 1998؛ حيث إن الشتاء في الولايات المتحدة - على غرار شمال أوروبا أيضاً - جاء أدفأ من المعتاد هذه المرة، ما قلّص الطلب على التدفئة وأدّى لخفض الأسعار.
ومما يزيد الطين بلّة أن الإنتاج الأميركي - ولاسيما الغاز المستخرج بالتكسير - يواصل مسيره باتجاه رقم قياسي جديد للسنة الخامسة على التوالي؛ حيث إن عقد السلع الآجلة الخاص بشهر يناير/ كانون الثاني (والذي يمثّل ذروة الأسعار والطلب عادةً) يتم تداوله حالياً عند مستويات أخفض بـ45 في المئة تقريباً مقارنة بمستويات العام الماضي، غير أنه لاتزال هناك بارقة أمل محتملة عند هذه المرحلة تتمثّل في حقيقة أن الغاز الأميركي أقل سعراً بنحو 3.5 مرّة من الغاز الطبيعي المسال في شرق آسيا، وهو ما قد يدعم الطلب على الصادرات.
وتسير الولايات المتحدة الأميركية باتجاه أن تغدو مصدّراً صرفاً للغاز الطبيعي؛ إذ إنه بحلول عام 2020 سيكتمل العمل على مجموعة من منشآت التسييل الأميركية الضخمة التي يجري تشييدها حالياً، وسيكون لها القدرة على تصدير أكثر من 10 في المئة من إنتاج الغاز الطبيعي في أميركا.
ووصل خام برنت إلى أدنى انخفاض له منذ ديسمبر 2008 الذي شهد انهيار قطاع النفط كنتيجة للأزمة المالية العالمية آنذاك، واليوم نوشك على اختبار أزمة مالية جديدة محتملة في قطاع النفط مع استمرار هبوط السعر، الأمر الذي يواصل دفع الدول المنتجة للنفط والشركات البترولية إلى المحك.
ونظراً لرفع معدلات الفائدة الأميركية فإن تكلفة التمويل بالمديونية (الذي أصبح خياراً مستبعداً بالنسبة للعديد من المنتجين الصغار) ستواصل ارتفاعها لتؤدي في نهاية المطاف إلى إغلاق بعض الشركات أو توحيدها.
ومن المتوقع أن تكون الأشهر القليلة الماضية أسوأ حالاً إلى أن نبلغ تلك المرحلة التي ستساعد على استقرار أسواق النفط نظراً لما سينجم عنها من انخفاض في المعروض؛ حيث تنتج «أوبك» أغلب المعروض النفطي منذ 3 أعوام، وقد حذرت الوكالة الدولية للطاقة من أن أزمة التخمة النفطية العالمية قد تأخذ منحى حرجاً أكثر خلال الأشهر القليلة المقبلة مع دخول المعروض الإيراني الإضافي إلى السوق ليزيد من المخزون المتراكم الضخم أصلاً.
ومن ناحية أخرى، نوّهت الوكالة الدولية للطاقة إلى أن هذا الوضع ينطوي على جانب إيجابي، ألا وهو أنه من المستبعد أن ينضب المخزون النفطي نظراً لمنشآت التخزين التي يجري تشييدها حالياً في مناطق مختلفة من العالم، مثل الصين التي تواصل تنمية احتياطاتها الاستراتيجية. وستبدأ وتيرة بناء المخزونات بالتباطؤ مع حلول عام 2016 كنتيجة لتراجع الإنتاج النفطي من الدول غير الأعضاء في «أوبك»، مع بقاء الطلب قوياً في الوقت ذاته، علماً بأن وكالة الطاقة الدولية ترى أن السوق لن تشهد توازناً بين العرض والطلب قبل أواخر 2016 على الأقل.
وبناءً على ذلك، من المرجح أن يتواصل تخفيض التوقعات النفطية لعام 2016 مع تضاؤل احتمال عودة سعر خام برنت إلى مستوى يفوق 60 دولاراً للبرميل قبل عام 2017.
وتعيش سوق النفط اليوم المرحلة الأكثر ظلاماً قبل طلوع فجر جديد سيكون معتمداً على العديد من العوامل المتغيّرة، لذلك سنحرص على متابعة البيانات الأميركية عن كثب بحثاً عن أي بوادر تنبئ بانخفاض الإنتاج بعد إيقاف الكثير من المنصات عن العمل خلال الأسابيع الماضية.
كما سيكون أداء صناديق التحوّط من أهم المؤشرات على هذا الصعيد بعد أن بلغت هذه الصناديق مستوى غير مسبوق من الانكشاف قصير المدى على أسواق خام برنت وخام غربي تكساس ينحدر كل من خام برنت وخام غربي تكساس إلى الانخفاضات التي تم تسجيلها عام 2008 كنتيجة لما تعانيه السوق حالياً من ضعف في ركائزها وزخمها، ما ينبئ بتواصل الهبوط بمقدار إضافي يعادل 5-10 في المئة.
وأوشكت معدلات الفائدة الأميركية على الارتفاع مجدداً بعد سنة كاملة من الانتظار؛ حيث سيجتمع أعضاء اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة وثمة قناعة سائدة على 76 في المئة من السوق أن هذا الاجتماع سيفضي إلى أول خطوة رسمية لرفع معدلات الفائدة الأميركية منذ أكثر من 9 سنوات وقد تراجع نشاط السوق الأسبوع الماضي نسبياً، بالتوازي مع تركيز المتداولين على الأسبوع المقبل وفشل الدولار في حفز أي دعم ماعدا تربيع كميّة محدودة من المواقع قصيرة الأمد.
وقد استغنى المستثمرون بشكل متزايد عن مواقعهم في المعادن الثمينة - ومن بينها الذهب - خلال الأشهر العديدة التي تسبق هذا الحدث، حيث أخرجوا منذ بداية العام الجاري 135 طناً من المنتجات من إطار التداول في البورصة مدعومين بالذهب، في حين تسجّل صناديق التحوّط حالياً مستويات قياسية قصيرة الأمد ضمن بورصة «كوميكس» في نيويورك وانخفض الانكشاف الإجمالي على الذهب عن طريق الأسهم الآجلة والمنتجات المتداولة في البورصة بمعدل الربع هذا العام، وقد تراجع إلى النصف على مدى أكثر من عامين.
وسيكون سلوك الذهب إثر رفع معدلات الفائدة متوقفاً إلى حد بعيد على ردّة فعل الدولار؛ إذ تتوقع السوق حالياً ارتفاع معدلات الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس ليتبعها صعود تدريجي نحو 1.7 في المئة بحلول نهاية 2018، وبالتالي سيكون التأثير الذي سيطال الذهب ناجماً في معظمه عن حركة الدولار. وقد أفضى سوء التدبير المخيّب للمصرف المركزي الأوروبي في الآونة الأخيرة إلى تحفيز حركة بيع للدولار مع خفض مواقع اليورو القصيرة التي حققّت ارتفاعاً.
وفي هذه الأثناء بدأ الكثير من المتداولين بإغلاق دفاتر هذا العام، ما يعني أننا قد لا نشهد إقبالاً جديداً على شراء الدولار قبل يناير. وقد يؤدي ذلك - جنباً إلى جنب مع الحالة الكلاسيكية الراهنة من «بيع الشائعات وشراء الحقائق» - إلى الحدّ من هبوط الذهب كنتيجة لإقبال المتداولين على جني الأرباح في المواقع قصيرة الأمد المشار إليها أعلاه.
وسيبقى الجزء الأول من عام 2016 حافلاً بالتحديات، لاسيما إن شهدنا ارتفاعاً عاماً في قيمة الدولار، مع الإشارة إلى أن التوتر المذكور أعلاه ضمن قطاع الطاقة يحمل بين طياته مخاطرة تعرّض عدد متزايد من الشركات للعجز عن سداد ديونها. وبالمقابل من المحتمل أن تنعكس الوجهة المتوقعة للذهب والدولار تبعاً لمستوى التوتّر في السوق، الذي سيكون ناجماً عن سوق الائتمان ووجدت سوق الذهب الفورية دعماً عند انخفاض عام 2010 المتمثّل بالمستوى 1045 دولاراً، في حين يجب تجاوز المقاومة 1100 دولار كي يكون بالإمكان توقعّ مزيد من التوحيد.
العدد 4852 - السبت 19 ديسمبر 2015م الموافق 08 ربيع الاول 1437هـ