يخطئ من يظن أن صراع الجغرافيا وتركة التاريخ تنتهي بقدم السنين، وأن الإرث لا يبقي ولا يذر، هذا الحديث سببه هو ما قامت به تركيا من إسقاط طائرة طراز سوخوي 24 تابعة للجيش الروسي، هذا الإسقاط يفرض بنا العودة للتاريخ قديما، والصراع الدائم بين قيصر روسيا وسلطان الترك، فما بين عامي 1568 و1914 خاض الأتراك والروس قرابة 17 حربًا، ومع مرور نحو 100 عام على آخر حرب بين وريثي الامبراطوريتين نراها اليوم تنذر بهبوبها، فهل للتاريخ من عودة؟
صراع تاريخي دائم بين تركيا وروسيا على السيادة الإقليمية، فقد استطاع العثمانيون ضم شبه جزيرة القرم في القرن الرابع عشر الميلادي، مما ادخل الطرفين في صراع، ومع اعتلاء كاثرين قيادة روسيا العظمى استطاعت نزع شبه الجزيرة من يد العثمانيين في العام 1783م، هذا الأمر أهل الروس أن يتوسعوا في عملياتهم البحرية من البحر الأسود إلى بحر إيجة والبحر الأبيض المتوسط. مما أزعج البريطانيين والفرنسيين وهما القوتان العظميان المسيطرتان على البحر المتوسط، فسارعتا للتصدي لروسيا عند مضيقي البوسفور والدردنيل بالمشاركة مع الدولة العثمانية التي خاضت حربا عرفت بحرب القرم في الفترة بين عامي 1853-1856، خسرت روسيا تلك المعركة وانتصر العثمانيون بمساندة القوات البريطانية والفرنسية لكن مع نهاية القرن التاسع عشر، اختلف المشهد اذ بسطت روسيا سيطرتها على القوقاز والبلقان والبحر الأسود مرة أخرى، ومع حلول الحرب العالمية الاولى دخل العثمانيون الحرب بقوة من خلال تفجير الميناء البحري الروسي بسيفاستوبول بشبه جزيرة القرم، ومعه أصيبت العمليات الروسية في البحر الأسود بالشلل التام، هذا النجاح التركي لم يكن يتحقق إلا بمساعدة الألمان إذ نفذت البحرية العثمانية هذا الهجوم باستخدامها سفينتين حربيتين ألمانيتين، ولكن وقوع الثورة البلشفية العام 1917، والتي أجبرت القيصر على استدعاء جيشه من شرق الأناضول، أنقذت الإمبراطورية العثمانية من انتقام روسي.
تميزت فترة ما بين الحربين في العلاقات التركية الروسية بالفتور. فقد تخلى الاتحاد السوفياتي الجديد عن استراتيجية القيصر في المقابل تخلى كمال اتاتورك عن حلم السلطان. وبانضمام تركيا لحلف الناتو في العام 1952 فرض على الواقع معادلات جديدة خاصة بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، وغدت منطقة البحر الأسود منطقة عالمية اذ أنشئ فيها نظام تضامن إقليمي لنزع فتيل الأزمات المحتملة فيما بعد الحرب الباردة.
بعد مئة عام، وتحديدا في مارس/ آذار الماضي من العام الماضي، استولى الروس على شبه جزيرة القرم، فتغير كل شي، وهو يعني السماح لروسيا بالتوسع مرة أخرى، وفي هذا الصدد يشير المؤرخون العسكريون إلى أن دخول روسيا لشبه جزيرة القرم يسير على نمط يرجع إلى 340 عاما. مستدركين بالقول إن روسيا تميل إلى التوسع عندما تكون كل الدول المجاورة لها ضعيفة وغير قادرة على رد العدوان، بشرط أن توسعها يُمكنها من التحرك نحو البحر الأبيض المتوسط، وأن هذا التحرك ينذر بمهام أخرى. ربما هذه المرة في سورية وذلك بالوصول إلى قاعدة طرطوس البحرية بسورية لفترة أطول. والتي تمكنها من الوصول إلى المياه الإقليمية على جانبي شبه جزيرة الأناضول، فتجد تركيا نفسها محاصرة بالقوات البحرية الروسية الضخمة. إضافة إلى أن تركيا تعترض على قصف النظام السوري والروسي المزدوج على (جبل التركمان)، في ريف اللاذقية شمال غربي سورية، وهي منطقة نزوح التركمان السوريين والذي يقدر عددهم بثلاثة ملايين نسمة، وهم يشتركون مع الشعب التركي في ثقافته ولغته، وقد كونوا فصائل مسلحة معارضة للنظام السوري إذ يحمل أحد ألويته اسم لواء السلطان عبدالحميد، وهو ما يعني الصلة التركية بهم.
تركيا التي لا يمكنها تحقيق انتصار على الروس إلا بمساعدة الآخرين كما حدث في حرب القرم وضرب الميناء الروسي في الحرب العالمية الأولى، فهل خاب ظنها هذه المرة أم أنها بالونة اختبار؟
إقرأ أيضا لـ "رملة عبد الحميد"العدد 4847 - الإثنين 14 ديسمبر 2015م الموافق 03 ربيع الاول 1437هـ
اخطئتي أختي
روسيا ما استولت على القرم بل ضمتها من خلال تصويت وانتخابات شفافة وحده من يقول إنها استولت عليه هو الخاين عميل الغرب والصهيونية
نحن القطيع
الموضوع يتلخص في وصف اسباب الحروب في جملة واحدة: : اطماع القادة و شهوتهم للتسلط. اما نخن قطيع يساق هنا و هناك لإشباع ميولهم لا لنا ناقة و لا جمل. لو تحدثنا في وقته لأنقطعت رقابنا. اذا انتقدنا الماضي نعتبر جهلة و خونة.