من المعروف بأن علماء الدين لهم مقام عظيم كمقام النبوة وآخذ بأهم تكاليفها وهو الدعوة إلى الله، وتوجيهُ خلقه إليه، وأن يكون حظُّه من ميراث النبوة أن يزكي ويعلِّمَ، وأن يقول الحق بلسانه، ويحقِّقه بجوارحه، وأن ينصره إذا خذَله الناس، وأن يجاهد في سبيله بكل ما آتاه الله من قوة.
أما الوسيلة الكبرى في نجاحه في هذه القيادة فهي أن يبدأ بنفسه في نقطة الأمر والنهي، فلا يأمر بشيء مما أمَر به الله ورسوله حتى يكون أول فاعل له، ولا ينهى عن شيء مما نهى الله ورسوله عنه حتى يكون أول تارك له. كل ذلك لياخذ عنه الناس بالقدوة.
ومن أهم دورهم هو النصيحة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والتواصي بالحق والتواصي بالصبر، ولا يبالي بما يصيبه إذا أخذ موقفاً محقاً لا يخاف في الله لومة لائم، والدعوى إلى الله وتعليم الناس دينهم وأمور دنياهم. فإذا سكت وداهن وزل العالم عن ما أمره الله به، وأفتى بجهل أو عرف الحق وأفتى بخلافه وسخر علمه وما يحفظ من نصوص شرعية لإحقاق باطل أو إبطال حق قربة لسلطان أو طمعاً بالمكاسب والمناصب فإنه في ضلال عظيم بل يشكل خطراً على الأمة ويكون سبباً في انحراف الناس بنشر ضلاله.
زلة العالم بفتاواه الباطلة تبعد المسلمين عن حقيقة دِينهم الذي ارتضاه لهم الله تعالى، ويجعلهم يتخبطون بين معرفة الحلال والحرام، والحق والباطل أو يميلون فيما اشتهت فيه أنفسهم خاصة إذا أخذت على قياس أهل الحكم والسياسة. وزلة العالم أخطر من زلة الحاكم لأنها تبقى مخلدة لا تموت.
وفي مثل هذا قال ابن القيم رحمه الله: «وأَي دين، وأي خير فيمَن يرى محَارم اللّهِ تنتهك. وحدوده تضاع، ودينه يترك، وسنة رسول الله (ص) يرغب عنها، وَهُوَ بارد القلب ساكت اللسان؟ شيطان أخرس، كما أن المتكلم بالباطل شيطان ناطق، وهل بلية الدين إلا من هؤلاء الذين إذا سلمت لهم مأكلهم ورياستهم فلا مبالاة بما جرى على الدين؟، وخيارهم المتحزن المتلمظ، وَلَوْ نوزع فِي بَعْضِ مَا فِيهِ غضاضة عليه فِي جاهه أو ماله بذل وتبدل وجد واجتهد، واستعمل مراتب الإنكار الثلاثة بحسب وسعه. وهؤلاء - مع سقوطهم من عين الله ومقت الله لهمْ...».
كم من العلماء مالوا ميلاً جرَفَهم نحو شهوات الدنيا الواهمة. لذلك نحذر من بعض العلماء الذين باعوا دينهم بدنياهم يستخدمون الفتاوى بعيداً عن المعنى الدقيق والدور الصحيح، بل مأمورون لتوجيه السلوك السياسي.
وقال تعالى في قصة بلعام بن باعوراء الذي آتاه الله الحكمة والعلم ثم انحرف وبدأ يفكر في ملذات الدنيا: «واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين» (الأعراف - 175) حتى قال: «فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث» (الأعراف - 176). كان مثالاً لعلماء السوء فإن بلعام أوتي كتاب الله تعالى فمال إلى شهوات الدنيا فشبهه الله بالكلب عندما زاغ وأصبح يلهث إلى الشهوات. وينطبق هذا على كل من يعرف آيات الله ولا يتبعها ويزيد كفراً وفسقاً بأنه يضل المؤمنين بما عرف من العلم.
لذلك الفرق بين عالم السوء والعالم المخلص الحق هو أن الأول يفكر في كتب الشريعة وحدها فيصبح غير مؤتمن، فيسهل عليه أن يتأول ويحتال ويغير ويبدل بحسب مصلحته وحاجته. ولكن الآخر الأمين على أمانته يفكر مع كتب الشريعة وفي صاحب الشريعة، فهو معه في كل حالة ولا يلتفت إلى درهم أو دينار أو منصب من ذي سلطان.
وفي هذا الجانب أيضاً هناك تشابه بين العالم الشرعي الذي هو موقع عن الله ومؤتمن على مصالح الأمة والنائب البرلماني الذي هو مخول من قبل الناخبين وينوب عنهم ويدافع عن مصالحهم ويطالب بحقوقهم وهو في ذلك مؤتمن من قبلهم وبحسب ما سجله في برامجه الانتخابية.
إقرأ أيضا لـ "حسين جناحي"العدد 4840 - الإثنين 07 ديسمبر 2015م الموافق 24 صفر 1437هـ
سلمت
بتوفيق انشاء الله
أحسنت ..
أديت الأمانة والدين النصيحة .
الاخ الكاتب
انته قاعد تستشهد باقوال لابن القيم والدواعش يستشهدون باقواله والنتتيجه تفجير الناس في المساجد ودور العباده هذا الفكر الذي تستقي منه في الواقع كارثه على الامه مع احترامي لك
مرحبا بالكاتب الجديد
كلام سليم وجميل