يرتقي الحوار في مراتب الفكر ودرجات السمو بارتقاء لغة ووعي الضيف وقدرته على سبر أغوار السؤال والذهاب في الإجابة إلى إرواء غليل السائل، ولطالما كان الشيخ حسن الصفار مدهشا لسامعيه ومحاوريه، ذلك أنه فقيه ولغوي ومفكر ومثقف ووطني ومن أبرز مكونات الشخصية الحضارية فيه أنه لا يتبرم من طرح أي سؤال، بحسب ما نقله محرر صحيفة عكاظ السعودية اليوم الأحد (6 ديسمبر/ كانون الأول 2015)، الذي التقى عالم الدين السعودي الشيخ حسن الصفار، ونقل نص الحوار:
حينما تتنوع فئات المجتمع وشرائحه كما هي طبيعة كل مجتمع بشري فإن التلاقي والتواصل بين هذه الفئات المتنوعة عرقيا أو فكريا أو سياسيا هو الحرف الأول من أبجدية تعايشها وحفظ كيانها الاجتماعي، فالتواصل يحقق ألفة النفوس ويربط وشائج العواطف ويصنع لغة العلاقة الإنسانية المنبثقة من حالة فطرية تجذب الإنسان إلى أخيه الإنسان، ذلك أنه إذا ما انعدم التواصل بين فئة وأخرى وحتى بين شخص وآخر فإن الجفاء النفسي والجفاف العاطفي يصبح أرضية لنمو بذور التنافر والكراهية، لذلك اعتبر الحديث النبوي الشريف أن الألفة مع الآخرين مقياس لخيرية الإنسان، كما روي (خياركم أحسنكم أخلاقا الذين يألفون ويؤلفون)، وانطلاقا من آية (يا أيه الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا) يتضح أن التعارف يجب أن يكون هدف الحوار وليس التبشير برأي المذهب أو تسجيل نقاط غلبة وانتصار، وتحديد أهداف الحوار بين أطرافه شرط هام لإنجاحه ولترشيد مساراته ليمكن خدمة الأهداف وتحقيقها، ذلك أنه إذا لم يكن للمتحاورين هدف محدد أو اختلفت الاستهدافات بين أطراف الحوار فلن يكون الحوار ناجحا مثمرا ولن تنتظم إيقاعته بشكل موضوعي سليم.
الوحدة ضرورة ملحة لكل أمة ومجتمع في كل وقت ولكنها تصبح أكثر ضرورة وأشد إلحاحا عند المنعطفات الخطيرة وأمام التحديات الصعبة، وكنت ومازلت وسأظل أؤكد على وحدة الأمة الإسلامية بشكل عام وحماية وحدتنا الوطنية في المملكة العربية السعودية بشكل خاص، وعندما نمر بلحظات حرجة لابد من الاهتمام بجمع الشمل ولمّ الصفوف وتجاوز الخلافات والصراعات لتتركز جهودنا واهتماماتنا.
هناك تأثر بنصوص وآثار قد لا تبلغ مرتبة الصحة أو أنها ضعيفة انبنت عليها ظنون المسلمين في بعضهم وتكرست عن أطراف وأطياف انطباعات مشوشة ومشوهة عند أطراف وأطياف مقابلة ما خلق قطيعة، وفي ظل أجواء القطيعة والتباعد تكرست الانطباعات وتأكدت ألوانها القاتمة بفعل التعبئة والتحريض المتبادل على الكراهية.
التوظيف يأتي بعد الفهم والوعي وقراءة الواقع جيدا ولعل مشروع الأنسنة لم يكن حاضرا في أذهان بعض العلماء والمفكرين من السابقين والمعاصرين وربما يغفل البعض أو يُغفل أن دين الإسلام جاء بنص القرآن رحمة للعالمين.
علمنا القرآن الكريم أن الحديث عن مظالم ومفاسد الأمم الأخرى يجب أن يكون مبعثا للتفكير والاعتبار لاستفادة الدروس من تجارب وتحولات سائر الأمم حتى نتلافى ما وقعوا فيه من أخطاء ليحذرنا من الوقوع فيما وقعوا فيه وما فعلوه بدينهم إذ حرفوه وتلاعبوا به وأساؤوا استخدام عنوانه وشعاراته.
نشأة المذاهب والمدارس العقدية والفقهية ليس أمرا جديدا في حياة الأمة ولا حالة طارئة مستحدثة بل هو واقع معيش منذ العهد الإسلامي الأول، ومن التفكير العبثي التنكر لهذه الحقيقة وتجاهلها والنظر إلى تعدد المذاهب وكأنه حالة مرضية لا بد من رفضها واستئصالها، علما بأنه لكل مذهب تاريخه العريق ومنظومته المعرفية التي تكرس القناعة به عند أتباعه، وقد يمكن تغيير قناعة بعض الأفراد ليتحولوا من مذهبهم إلى مذهب آخر لكن التيار العام والكيان الاجتماعي لن يتأثر بخروج عدد من الأفراد، ويظل الوطن للجميع والدولة دولة الجميع.
بالطبع كون النص القرآني تحديدا حمال أوجه، وثري بالدلالات ولا يمكن أن يأتي من يقول انتهى مراد النصوص إلا من انتهت قدراته وإمكاناته في التعامل مع النصوص، والقراءة المتجددة ألمح إليها العالم التونسي محمد الطاهر بن عاشور في تفسيره الكبير (التحرير والتنوير) ودعا إليها الشيخ الحبيب بلخوجة من خلال بحثه (قراءة جديدة لمقاصد الشريعة)، ولو عدت للقرآن ستجد فيه آيات تتحدث عن الرقيق وأحكامه وفي الواقع اليوم البشر كلهم أحرار، وعن القتال بلغة توحي بفرضيته الدائمة علما بأن السلم هو الأصل والحرب استثناء، والنبي عليه وعلى آله وصحبه السلام أدرك مبكرا دلالة النص، ولذا قال عند آخر غزواته (عدنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر)، وأتمنى أن نعلي من شأن الحوار والقيم الإسلامية السلمية الحضارية الواردة في كتاب الله لنقدم وجها حسنا عن ديننا.
أرى أن البعض يقع في هذا، وبعض النصوص والآثار يستغلها البعض لظلم المرأة أو الجور عليها والبعض يحرص على النصوص المبررة للعنف لكنه لا يلتفت لآيات ميراث المرأة وهذا من التناقض.
على العلم والمعرفة في السنوات التأسيسية في عمر الإنسان، أي مرحلة الطفولة، هي السنوات التي تصوغ شخصيته، وتؤسس لتوجهاته وسلوكه، فمن كان يهمه أمر الجيل الصاعد، فعليه أن يبدي الاهتمام بهذا الجيل في المرحلة التأسيسية، في مرحلة الطفولة.
البعض من الناس يفكر أمام حدوث الجرائم والمشاكل في الردع أو التوجيه، فينادي بسن العقوبات، ويطالب الخطباء والوعاظ بالحديث على المنابر، ولكن هذه الأمور وحدها لا تكفي. نحن بحاجة إلى خطط وبرامج لحل المشكلات، وبحاجة إلى مال لتنفيذ هذه الخطط، وكل مؤسسات الدولة إذا وضعت خططا وبرامج تكاملية ولا ينقض بعضها بعضا يمكنها التصدي.
عليهم أن يتأملوا في نتائج وتداعيات التوجهات الإرهابية والمتطرفة على الدين والأمة، فقد تشوهت سمعة الإسلام في العالم، وساد الخراب والدمار بلاد المسلمين، وأصبحت ساحة مفتوحة لتدخلات ونفوذ الآخرين، ولم تعد للمسلمين قيمة، ولا لدمائهم حرمة، فهل ترضيهم هذه النتائج؟ وهل يسرهم هذا الواقع الأليم؟