هل تعقر الدجاجة ذات يوم فلا تبيض ذهبا؟ ربما يكون ذلك. فلا غرابة، فكل شيء قابل للنضوب والتصحر والزوال بما في ذلك الأموال. وتلك هي مشكلتنا أمام الأموال العامة... الكل يحلب منها فهي البقرة الحلوب ومغارة علي بابا التي لا تعرف الإفلاس، هذا إذا لم يكن سائبا فكيف لو كان سائبا؟ وقديما قيل «المال السايب يعلّم السرقة»، وما أسهل الدفع من جيب الغير!! ومشكلة المال العام أنه لا يصبح عفيفا إلا أمام المواطن الفقير حتى ولو لم يؤمن مسكنا أو دارا أو يشفي مريضا أو يؤمن إسعافا أو يشد أزر مديونٍ أو يرمم بيتا مهددا بالسقوط، فهو أمام هؤلاء يصبح بخيلا وإذا أسرف لا يسرف إلا على طريقة حنفية الماء: نقطة... نقطة، أما أمام المتنفذ الفلاني أو الوزير العلاني فيبدأ «هبشة» ثم ينهمر. أمثلة كبيرة توجع الرأس وإن تغيرت ألوانها.
خطوة العلوي في إلغاء السجلات التجارية لمن يعملون في الحكومة خطوة جيدة إلا أنها - للأسف الشديد - بدأت بالحلقات الضعيفة والعصافير الصغيرة وتناست هوامير المال... إن أراد العلوي إنجاحها فليبدأها أولا بالمسئولين في وزارات العمل والتجارة والمالية... ولا أعتقد أن العلوي لا يعلم بواطن الأمور، فقلما تجد وزيرا يمشي ولا يجر خلفه عربة من السجلات التجارية. فهل سيبدأها العلوي بالكبار، أم ستكون على طريقة النظر بعين واحدة؟
مشكلة القانون - لو تعلمون - أنه أصبح اليوم كبيت العنكبوت، تسقط فيه الطيور الصغيرة وتعصف به الطيور الكبيرة، وما إفلاس الهيئتين إلا دليل صارخ على ذلك. فشرطي المرور قد ينسى كل شيء إلا أيام نهاية كل شهر فهو يتخفى خلف نخلة أو بين شجرة ليصطاد المخالفين، بيد أن عينه ينتابها النعاس عندما يشاهد سيارات لشباب صغار ليست عليها أرقام. يرتعد الشرطي خائفا ويهرب ويكاد الثاني يلاحق الأول. لا يمكن تصحيح أي خطأ ما لم يسعَ الجميع إلى الإصلاح بمن فيهم نواب البرلمان. ودعونا ندخل إليهم وإن ابتعدنا عن الموضوع، فمشكلة بعض نوابنا لا تقل خطرا عن الآخرين.
فأمام ملف إفلاس هيئتي التقاعد والتأمينات يهرب بعض النواب مسرعين تحت الطاولات يشخرون ليناموا لتحسب لهم نقطة جميلة توضع في ميزان حسناتهم الرسمية، ولو كان على حساب قواعدهم «وإنَّ غدا لناظره قريب». والبعض الآخر يختبئون في قواقعهم كالحلزون البحري، وبعض هؤلاء ينامون كالدببة القطبية تسعة أشهر في البرلمان لا يسمعون، لا يرون، لا يتكلمون بل لا يحضرون في أحيان كثيرة لا في الجلسات ولا في اللجان، ولله في خلقه شئون. هم على طريقة «صح يا رجال» فلا يكون الجواب طبعا إلا «أيوَه صح». فلا شك أن أمثال هؤلاء لا يمكن أن يفكروا في أموال التقاعد ولا غير التقاعد.
وعلى رغم ذلك مازال نفر قليل مهتمين ببعض قضايا الناس والمجتمع في برلماننا المتواضع، أما أولئك النائمون فهم مصفّحون ضد التغيير ومطالبة المسئول أو مساءلة أي وزير، فلا غرابة أن يختبئوا تحت اللحاف ساعة دق صفارة الإنذار حين إعلان محاكمة أي وزير. أتمنى من نوابنا بعد الانتهاء من ملف التأمينات التقاعد - إنْ مرّ بصحة وعافية وسلام من دون أن يُصاب بأية «وعكة» سياسية اتهامية للنواب وإذا لم تجرِ عليه ضوابط «ريجيم» حاد - أن يفتحوا ملف المخازن المركزية التابع لوزارة الاقتصاد، فالشكاوى «متلتلة، ومعلعلة، ومسلسلة». نرجو من الوكيل حميد زمان أن يعطينا إجابات مقنعة ومرقمة، وقريبا نعيد فتح الباب.
إشارات
- بعض المسئولين الإداريين عاشوا على النعمة في مجلس الشورى في التسعينات وها هم يعيشون عليها في مجلس الشورى الجديد، وعندما تقرأ بعض كتاباتهم تتفجر يوميا نقدا على أي مطلب يُطالب عبره بالشفافية في التوظيف، و«اللي على راسه بطحة...».
- الصحافي لطفي نصر... مقاله الأخير «أمر لا يجوز» يتفجر وطنية وفيه دروس كثيرة في طريقة التعامل مع الوطن وحب الأوطان وكيف نحب الوطن وكيف ننتقد الفساد، و... إلخ. ما ينقص مقال الأستاذ لطفي هو تعليم البحريني كيف يحب النخلة وكيف يتعلم أكل الرطب أو الولاء للبحر، الكاتب المصري محمود السعدني في كتابه «عودة الحمار» كان دائما ما يردد: «اللي اختشوا ماتوا».
- نطالب بعلنية جلسة (10 يناير عن إفلاس التأمينات)، والمثل يقول: «لا تبوق ولا تخاف»
العدد 482 - الأربعاء 31 ديسمبر 2003م الموافق 07 ذي القعدة 1424هـ
