ما عاد تاريخ الأمة العربية موضوعاً أكاديمياً في الأساس كما كان سابقاً، وماعاد سرداً ودراسة لأحداث ماضي هذه الأمة، وإنما أصبحت أجزاء منه ترسم ملامح الحاضر وتهيمن على أحداثه وأفكاره وسلوكياته وقيمه، أي تخطت تلك الأجزاء الزًمن الماضي لتصبح هي الحاضر.
لسنا معنيين بتعريفات التاريخ الكثيرة، ولا بالأهداف المتعددة المتباينة من وراء دراسة التاريخ، وهي نقاط كتبت عنها أعداد كبيرة من الكتب، وإنما تهمُنا تلك العلاقة المريضة العبثية بين حاضر الأمة العربية وتاريخها. دعنا نسرد أمثلة مزعجة خطرة ما عاد بالإمكان تجاهلها، لقد أصبح تسليط الضوء عليها ونقدها أمراً ضرورياً، وذلك من أجل المساهمة في احتواء الصراعات والخلافات المفزعة التي تعصف حالياً بمجتمعاتنا العربية المعاصرة.
1 - هل يعقل أن تنشغل أمة في حاضرها بخلاف سياسي وقع منذ خمسة عشر قرناً حول من يخلف النبي محمد (ص) بعد مماته لإدارة شئون الدولة الوليدة؟ لقد مات كل من كان معنيّاَ بذلك الموضوع ومات معهم الموضوع نفسه، وأصبح الخلاف حول الأحقية الشرعية للخلافة الإسلامية، أتكون في نسل آل البيت أم في أفراد قبيلة قريش أم في غيرهم، خلافاً لا أهمية له في العصر العربي الحاضر الذي يتطلع لأن يكون ديمقراطياً وبالتالي لا يعطي أهمية إلا للمواطنة المتساوية ولاغير المواطنة، ويرفض أية شرعية للحكم أياً كانت تسمياتها مالم تقم على أسس ديمقراطية وبقبول صريح من المحكومين.
لكن تلك الطريقة العقلانية البديهية في قراءة التاريخ تظل معزولة ومقموعة ليحل محلُّها صخب وتراشق طفولي وتشويه متعمد وكذب وافتراءات يقرأها ويسمعها أو يراها الإنسان يومياً في ساحات المساجد والمآتم وكل أنواع الإعلام، وعلى الأخص الفضائيات الموتورة، والجامعات والمدارس، بل الساحات والشوارع.
2 - ينطبق الأمر على أحداث مأساوية تاريخية كثيرة من اغتصاب للملك، إلى قتل للمعارضين واجتثاث لنسلهم، إلى اعتداءات على مكة والكعبة وقبور الموتى، الى ادعاءات بتفويضات من الًله ، إلخ ... من أحداث وخطابات مخجلة بربرية لكنها جميعاً لا تقرأ كأحداث مضت، يستفاد منها لأخذ العبر ولتجنُّب العوامل والأسباب التي قادت إليها، وإنما كأحداث تجري محاولات دؤوبة لبث الحياة والحيوية فيها، ليصار لاستعمالها في صراعات سياسية انتهازية يومية تقضي على وحدة المجتمعات وتعايش، مكوناتها، كل مكوناتها، في انسجام وتسامح وتكافل وسلام.
3 - لنأخذ موضوع تاريخ الفقه الإسلامي، لقد كان ثمرة قراءات واجتهادات بشرية بحتة، وكان جزءا كبيرا منه انعكاسا لقضايا عصره الفكرية والمعيشية غير المعقدة، والصراعات السياسية، ومحدودية علوم ذلك العصر، وانتهازية بعض فقهاء السلاطين وضعف الورع الديني لدى بعض الخلفاء.
لكن كل تلك الصور والانعكاسات التاريخية لاتزال معنا وتستعمل كل تفاصيلها الفقهية، بما فيها كل نقاط ضعفها، في إثارة الصراع الطائفي المجنون عبر كل بلاد العرب وكل بلاد الإسلام، وفي تغذية البربرية الجهادية التكفيرية وتبرير همجيتها، وفي صرف أذهان الأمتين العربية والإسلامية عن الخطر الصهيوني الاستعماري الاستيطاني لتنشغل بمعاداة هذه الدولة العربية أو الإسلامية أو تلك.
تلك أمثلة قليلة من طوفان كبير لهيمنة التاريخ على الحاضر، وقد يمتدُ لينهك المستقبل.
ما الذي ينبغي فعله لمواجهة هذه الظاهرة العربية غير الطبيعية، والتي تكاد أن تكون فريدة زمانها في عالمنا الحالي؟
أولاّ - من المعروف أن كتابة تاريخ نفس الحدث من قبل عالمي تاريخ أو أكثر ستختلف في تفاصيل السُرد وفي فهم الحدث وفي الخروج باستنتاجات، ذلك أن كتابة التاريخ من قبل المؤرخ لايمكن إلا أن تتأثر بقناعاته الشخصية وبارتباطاته الاجتماعية والسياسية وبإيديولوجية مدرسة التاريخ التي ينتمي إليها.
ولقد جرت من قبل محاولات رسمية حكومية لتكوين مجموعات من المؤرخين لمراجعة التاريخ العربي وكتابته من جديد (على سبيل المثال فقط محاولة الحكم العراقي قبل الاحتلال الأميركي)؛ لكن المحاولات لم تكلل بالنجاح المطلوب وبالمهنيُّة الضرورية، وذلك بسبب المواقف الرسمية من كتابة التاريخ السياسي بحياد وشفافية.
ولعل الأقرب إلى المعقول أن تكلّف المنظمة العربية للتربية والعلوم والثقافة فريقاً من علماء التاريخ العرب، مُمن يعرف عن نزاهتهم وكتاباتهم المهنية الرفيعة، للتفرُغ لبضع سنين لكتابة تاريخ موحد للأمة العربية يمتاز بالتحليل الموضوعي والابتعاد عن الانحيازات القبلية والطائفية والعرقية.
المهم في الموضوع كله هو توفُر روح الفريق والمهنيًة والحياد وتلافي بعض نقاط ضعف المحاولات الفردية السًابقة المقدُرة الكثيرة من قبل أعلام المؤرًخين والمفكرين العرب الكبار.
إذا لم يكن بإمكان المنظمة العربية للتربية والعلوم والثقافة إنجاز ذلك، بسبب بخل الحكومات أو مخاوفها المرضية، فانه آن الأوان أن تنبري مجموعة من أغنياء العرب المستنيرين بتكوين وقفيّة لقيام مؤسسة أهلية مستقلة تعمل على إنجاز تلك المهمة.
ثانياّ – إذا تم ذلك الإنجاز فمطلوب أن تعمل الجامعة العربية، وبالتنسيق الكامل مع المنظمة العربية للتربية والعلوم والثقافة، لإقناع جهات القرار العربية بتبني أن يكون ذلك التاريخ هو المرجع الأساسي لكتب التاريخ المدرسية والجامعية والبحثية الأكاديمية في هذا الوطن العربي، الذي تنتشر في أرجائه بلادات القراءات النفعية الانتهازية لتاريخ امته، لتساهم في نشر الموت والدمار والعفن الفكري والسياسي والديني، نحتاج أن نواجه موضوع التاريخ بشجاعة وإرادة رسمية مجتمعية قوية تحرريًة، وذلك قبل أن تخنق أحداث التاريخ الماضية انفاس الحاضر والمستقبل.
إقرأ أيضا لـ "علي محمد فخرو"العدد 4815 - الخميس 12 نوفمبر 2015م الموافق 29 محرم 1437هـ
العلمانية هي الحل
ادري لن يعجب الكثيرين، ولكن تطبيق الدولة العلمانية ولو بشكل مؤقت - 20 سنة - كفيل بأن يكون هناك دول عربية ذات قانون واحترام لجميع البشر. كثير من خرافات الدين والعقيدة تمت كتابتهابواسطةمؤرخين في عصور الدولة الدينية العصبية والتي في الأساس أخذت الطابع الديني لتغطية عهرها السياسي..
معضلة صعبة التجاوز
من الصعب ان تكون هناك شفافية في كتابة التاريخ العربي القديم لان ذلك يعني كشف الغطاء عن الحقائق ما يعني الكشف عن العيوب التي وصلت بنا الى هذا الواقع المر.
....... ذاته المعضلة التي يصعب تجاوزها اذا ان تبيان واقعها يعني تقليم مخالب الخطأ الذي فتت كيان الامة وذلك يعني حقيقة لا يرضى بها البعض لانها تجردهم من وصايتهم التي يريدوها ان تكون ابدية.
من يجتر التاريخ معروف
لا تلقي اللوم على كل الامة فمن يعيد و يزيد في هذا الخلاف الذي حدث قبل الف و خمسمائة عام هم طائفة صغيرة انا الامة فهي تجاوزت هذا الخلاف السياسي
( ادعاءات بتفويضات من الًله)
هذه الفقرة هي أساس مصائب الأمّة, هناك من يعطي لنفسه التفويض من الله وكأن الله أعطاه مفاتيح الجنة والنار
اصحاب هذا الفكر من كلا الطائفتين هم اساس المصائب، خاصة اتباع بعض المذاهب الذين يحاولون من خلال الترويج الكاذب والتدليس على المذهب الآخر بحيث جعلوا بعد ذلك ان اقرب القربات هو قتل المخالفين لهم