أسباب فشل ثورات الربيع العربي (ما عدا تونس نسبيّاً) عديدة، لكن في اعتقادي أنَّ السبب الرئيسي هو غياب خارطة طريق بين جميع مكونات الشعب بأحزابه وشرائحه الاجتماعية ومؤسَّسات المجتمع المدني والقطاع الاقتصادي وغيرها.
وفي هذا المقام يقدم الباحث اللبناني أديب نعمة في كتابه «الدولة الغنائمية والربيع العربي»، رؤية عميقة جدير الاسترشاد بها كخارطة طريق للبلدان العربية عموماً.
يشير الكاتب إلى أن المرحلة الانتقالية في أي مجتمع تتطلب تجزئتها إلى ثلاث مراحل (الانتقالية، التأسيسية، التكوينية).
1. فعلى صعيد البعد الانتقالي، يشدد على الإجراءات الفورية لمعالجة المشكلات الناجمة عن حالة الحراك الشعبي والصدمات التي حصلت، وتعويض الضحايا والخسائر المادية، واستعادة عجلة الحياة والأمن والنشاط الاقتصادي، بشكل طبيعي قدر الإمكان، وذلك عبر اتخاذ إجراءات عاجلة لتحقيق المصلحة الوطنية والاجتماعية حيث يجب، بما في ذلك إجراءات «العدالة الانتقالية» من (تقصي الحقائق، توصيات بسيوني، ومجلس حقوق الإنسان) وإنصاف الذين ظلموا والشروع في استعادة الأموال العامة، ومن المفترض أن تكون الإجراءات الموصوفة بالانتقالية من طبيعة فورية ومؤقتة، وتتم في وقت قصير نسبيّاً، ولا أن تتضمن إحداث تغييرات هيكلية في الوضع المؤسسي والسياسي والاقتصادي والمجتمعي بشكل عام، من أجل تمهيد الطريق لإنجاح المرحلتين التاليتين (التأسيسية والتكوينية) ويعتبر الحوار الوطني أحد أهم الآليات التي يجب الاتفاق عليها، والشروع فيها خلال هذه المرحلة، فضلاً عن المصالحة الوطنية والعدالة الانتقالية.
2. يأتي بعد ذلك البعد التأسيسي، إذ إن الإجراءات الانتقالية وحدها غير كافية، فحسب رؤية الكاتب فإن عملية التحول من المنظور السياسي والمؤسسي تتطلب القيام بخطوات محددة لتتمكن من الاستجابة للمطالب الأكثر إلحاحاً ذات العلاقة بالشأن السياسي والتي كانت موضع اعتراض الجمهور، والسبب المباشر الأكثر أهمية للاحتجاج الشعبي، ويشير إلى بعض الأمثلة، كالبحث في قانون انتخاب جديد، وقوانين تنظم الإعلام والأحزاب والمجتمع المدني وإنصاف المرأة... ألخ، وإيجاد مساحات للمشاركة في اتخاذ القرار في مؤسسات الدولة المركزية والهيئات المحلية، والشروع في رسم السياسات وإطلاق عملية حوار وطني بصدد الخيارات السياسية والاقتصادية والاجتماعية الجديدة المطلوبة، مثل هذه الخطوات مطلوبة، لا لأنها ذات طبيعة انتقالية فحسب، بل تتجاوز ذلك إذ تصبح خطوات تأسيسية؛ لكونها تتضمن الاتفاق على النصوص والخيارات التأسيسية للنظام الجديد، وهي مرحلة ستكون ممتدة في الزمن أكثر مما لو كانت مرحلة انتقالية فقط.
3. في المرحلة التكوينية، يرى الكاتب أنها أكثر خطورة وأهمية، أي أنَّها مرحلة تاريخية يجرى خلالها بناء مرتكزات محتملة لمشروع مجتمعي جديد ممكن، يتجاوز مجرد النصوص التأسيسية ليتضمن مجتمعيّاً صياغة عقد اجتماعي جديد، والبحث عن تحول مجتمعي نحو الحداثة، بشكل متسق يشمل التحول الديمقراطي في المجتمع، كما في الدولة، وحصول تحول ثقافي وقيمي باتجاه جعل منظومة الحقوق هي الناظم الفعلي للعلاقات بين الناس وبينهم وبين الدولة على أساس مبادئ المواطنية وسيادة الحق... إلخ. هذه كلها ليست تحولاً في النصوص فحسب، بل هي تحول جذري في هياكل المجتمع وثقافته، وعلاقاته. ومدى هذا التحول أطول بشكل محسوس، ويتطلب أن يؤخذ في الاعتبار، سواء أثناء اختيار وتنفيذ الإجراءات الانتقالية، أو أثناء وضع النصوص التأسيسية، بحيث لا يجري تضمينها ما يعطل الدينامية المطلوبة من أجل استمرار عملية التحول المجتمعي بحيث تتلافى الانتهاكات التي كانت تحصل في السابق.
ضمانات نجاح خارطة الطريق:
يضع الكاتب شروط نجاح هذه المراحل الثلاث، منها:
1. يجب عدم التعسف في الإجراءات الانتقالية، بحيث تعطل أو تؤثر سلباً على ما له طابع تأسيسي، وتجعل التأسيسي محكوماً بمصلحة انتقالية لحظية، وكذلك يجب عدم التعسف في الإجراءات التأسيسية، بحيث تؤثر سلباً أو تعطل المسار التكويني المستقبلي، الذي يتطلب اتخاذ كل ما يلزم لحماية ديناميته الخاصة من أي تقييد محكوم لمصالح سياسية وتوازنات لحظية.
2. أن تكون الغاية النهائية لهذه الخارطة الوصول إلى بناء الدولة المدنية الديمقراطية الحديثة، وتحقيق العدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية والحرية وسيادة القانون ... ألخ
3. احترام الاختلاف النوعي فيما بين المراحل الثلاث (الانتقالي والتأسيسي والتكويني) سواء على صعيد المدى الزمني المطلوب لإنجاز كل منها، أو الالتزام بقواعد العمل والوظائف والأهداف الخاصة بكل مرحلة وعدم الخلط فيما بينها.
4. عدم تضمين المرحلة الانتقالية ما قد يحدد مسبقاً نتائج المرحلة التأسيسية ومضمون النصوص، وكذلك عدم تضمين النصوص التأسيسية ما يؤدي إلى تعطيل عملية التحويل الأشمل للمجتمع، أو يوجهها بشكل مسبق في وجهة معينة، ويمنع لاحقاً تكوّن وجهات نظر وموازين قوى مغايرة وتحولها إلى أكثريات مقررة.
5. يتمثل التحدي الكلي الأكثر أهمية في احترام جميع الأطراف للتوازن والتكامل بين البعد الانتقالي والبعد التأسيسي والبعد التكويني، ومن شأن الإخلال بهذا التوازن أن يدخل المجتمع في تعقيدات كثيرة تؤدي إلى أن تدخل منها القوى المضادة (الثورة المضادة) لإجهاض مشروع الإصلاح وبناء الدولة المدنية الديمقراطية الحديثة.
6. يترافق مع هذه المراحل العمل على تحسين مستوى معيشة غالبية السكان الفقراء، والعمل على تبديل السياسات الاقتصادية والاجتماعية المسئولة عن تعميق الهوة الاجتماعية والمناطقية وإفقار الطبقات الوسطى، وتهميش دور العدد الأكبر من أصحاب الأعمال، واستمرار زيادة معدلات البطالة.
إن القوى الحية في المجتمع إذا ما توحدت في مثل هذه الرؤى والأهداف تتمكن خارطة الطريق التي يتم التوافق عليها من أن تكون سكة قطار وبوصلة للوصول إلى مجتمع الحق والعدالة والمساواة والحرية الديمقراطية.
إقرأ أيضا لـ "عبدالله جناحي"العدد 4807 - الأربعاء 04 نوفمبر 2015م الموافق 21 محرم 1437هـ
تعلمو يا عرب
جميع الثورات العربية فشلت لسبب او آخر. حتي ثورة تونس فاشلة لأن الناس لهذا اليوم ليست راضية عن ما يحدث وعن مسلسل الاغتيالات للسياسيين. يجدر بنا كعرب ان نرجع الى الماضي الحديث ونرى كيف ولماذا نجحت الثورات
احم احم
مشكور ذكرتنا بالمرحوم الشيخ علي سلمان كان يطرح نفس المواضيع بس الشيخ الله يرحمه دائما يتكلم عن الديمقراطيات العريقة وسلطة تشريعية وسلطة ؟
كان امسكت الكل
احنا انشد على ايدك في كل الابعاد منها التاسيسي والتكويني والانتقالي
يا ايها المواطنون طالبوا باصلاحات دجتل ثلاثية الابعاد
صباح الخير
كلام جميل وحلو وراقي ولكن ليس مؤهل للدول العربية نحن في الخليج خاصه وفي الدول العربية عامه عندنا قاعده واحده فقط على قوله السيد الرئيس جورج دبليو بوش انت معي أو ضدي لا خيار ثالث كل الديمقراطيات في الدول العربيه فاشلة قياسآ بدول المتقدمة في العالم
مايبون خارطة طريق يا استاذ مايبون الا القبضة الأمنية وهي غير مجدية
هذا واقع الحكومة لاتريد حوار ابدا ولذلك بلدنا الحبيب متدهور جدا ويسير نحو المجهول وبالتأكيد نحو الهاوية