جميل أن تختلف المجتمعات الإنسانية في مصادرها ومشاربها العقائدية والفقهية والفكرية والتجارية والعلمية والثقافية والحضارية والتراثية والتاريخية وتقاليدها الاجتماعية؛ لأن باختلافها ترتقي شعوبها في كل المجالات.
لا شك أن الاختلاف في طلب العلم يوجد للمجتمع تنوعًا في مختلف العلوم الطبيعية والإنسانية والاجتماعية، وتتنوع الدراسات والبحوث وتزداد الاختراعات والاكتشافات في مختلف المجالات، فالأمة التي تحترم الاختلاف في الرأي وتتعامل معه بإيجابية، ولا يخوّن ولا يسب ولا يشتم ولا يمطر بالتهم التي ما أنزل الله بها من سلطان كل من يعبر عن رأيه بكل حضارية، تجدها تتطور بسرعة فائقة، فهناك دول في العالم مثل اليابان والصين وكوريا قد أخذت بمبدأ الاختلاف وجعلته وسيلة لتطوير شعوبها وتنمية قدراته ومهاراته وإمكانياته العقلية في المجالات العلمية والتربوية والثقافية والفكرية والتقنية والتكنولوجية والصناعية والطبية والتجارية والاقتصادية والفنية.
وفي فترة وجيزة من عمر الزمن وصلت بشعوبها إلى مراتب متقدمة في العلم والتعليم والطب والهندسة والصناعة والتكنولوجيا، وتنوعت مصادر دخلها، وارتفع دخل الفرد فيها، وأصبحت الآن الرائدة صناعيا وتجاريا في السوق العالمية، أما الأمم التي تعاملت مع شعوبها بالاختلاف السلبي، الذي يكون فيه النقاش والجدل العقيم على الأشخاص وليس على الآراء والأفكار والآليات والأساليب، ويكون الاختلاف من أجل الاختلاف وليس من أجل الرقي بمجتمعاتها وشعوبها، فإن تلك الأمم كتبت على نفسها وعلى شعوبها التراجع في كل المجالات، وجعلتهم يقفون في ذيل العالم، ومستهلكين لكل شيء، وغير منتجين حتى لأبسط الأشياء؛ لأنها كانت تبحث عن الأشخاص الذين يبحثون عن مصالحهم الذاتية أكثر من بحثهم عن مصالح بلدانهم، ولم تكن تبحث عن المعلومة والفكرة المتميزة ولم تهتم بالمبدعين، وإنما كانت تبحث عن الانتماءات العرقية أو الطائفية أو المذهبية، ولم تحفز شعوبها للابتكارات والاكتشافات العلمية، ولم تعطهم المجال في إبداء آرائهم، ولم تكترث باقتراحاتهم وانتقاداتهم وملاحظاتهم البناءة، فلهذا أوقعت نفسها وشعوبها بصورة دائمة في شراك الأزمات النفسية والنكسات المعنوية،التي أوجدت فيها أزمات سياسية واقتصادية واجتماعية خانقة.
فالاختلاف السلبي الذي يحوّل إلى خلافات وعداوات وكراهية بغضاء طائفية أو مذهبية، لا ينتج خيرا للبشرية، فجميع منتجاته شر ووبال على الإنسانية جمعاء، والأمثلة على صحة هذا الكلام يصعب على المراقب الحاذق عدها من كثرتها في عالم اليوم، فالعقول البشرية نعمة من الله جلت عظمته، فلو أعطيت الفرصة كاملة للتفكير والإبداع والابتكار والبحث والدراسة دون تصنيف عرقي أو طائفي أو مذهبي، ستصل بأمتها إلى مستويات عالية ومتميزة ومتقدمة في كل المجالات والميادين، إن إظهار الأمتين العربية والإسلامية لقدرات شعوبهما هو إظهار للنعمة أولا، وشكر للمنعم وهو الله سبحانه وتعالى ثانيا، فكل الأمم الراقية والمتقدمة لم يكتب لها الوصول إلى أهدافها، ولم تحقق طموحات شعوبها، السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعلمية والتعليمية والطبية والمعمارية، إلا بترسيخ مفهوم الاختلاف الإيجابي قولا وفعلا، الذي يحترم ويقدر كل فكرة نيرة ويلاحق ويقتنص كل معلومة مفيدة أين ما وجدت، من دون أن تنظر إلى أي أمر آخر.
فالأمم الإنسانية الواعية ترى الاختلاف في وجهات النظر أو في الأساليب والآليات سبيلا للترقي والتنمية المستدامة وترسيخ العلاقات الإنسانية بين شعوبها، ولم تجعلها طريقا لإفسادها وتعكير الأجواء بينها، فلهذا نجد تلك الأمم التي أخذت بالاختلاف الإيجابي تنعم بالاستقرار الأمني والسياسي والاقتصادي والاجتماعي على رغم مساحتها الجغرافية الكبيرة وحجم نسماتها المهول، الذي يصل إلى أكثر من ألف مليون نسمة من مختلف الأعراق والديانات والمذاهب والثقافات، فكل شعب في هذا العالم الفسيح يطمح إلى أن يكون له شأن بارز بين شعوب العالم في كل المجالات، فجميع شعوب العالم يتمتعون بقدرات وكفاءات بشرية هائلة، تتمكن من خلالها من عمل المعجزات لبلدانها في كل الميادين، لا شك أن العناوين المصطنعة البعيدة عن الحقيقة التي تبنى أساساتها على الأوهام والتوجس النفسي وسوء الظن وتقديم المصالح الشخصية على مصالح الوطن، توجد حالات وأوضاع غير طبيعية في البلد بسبب عدم تجريم التمييز، وتحدث التوتر والتشنج والإرباك في العلاقات الإنسانية والاجتماعية بين مكونات البلد الواحد، نأمل أن ينشغل أبناء المجتمعات في كل أنحاء العالم في بناء بلدانهم، وبالحوار الجاد الذي يفضي إلى حلول واقعية ومرضية لكل الأطرف المعنية في كل الملفات العالقة، وأن يعم الأمن والسلام والتطور والنماء في بلدانهم، لما فيه مصلحة الإنسانية جمعاء، وأن يبعد عنهم كل سوء.
إقرأ أيضا لـ "سلمان سالم"العدد 4805 - الإثنين 02 نوفمبر 2015م الموافق 19 محرم 1437هـ