قيل لإعرابي: أيسرك ان تكون أحمق ولك مئة ألف درهم؟ قال: لا، قيل: ولم؟ قال: لأن حمقة واحدة تأتي على المئة ألف درهم وأبقى معدماً، إن كان الأقدمون يهربون من الاتصاف بالحماقة والبُعد عنها، إلا أن في هذا الزمن وجد فيه من يصر على أن يبقى أحمق طوال حياته، بل يجاهر بها تحت عناوين وطرق شتى.
عرّفت الحماقة ومصدرها حمُقَ لدى العرب بأنها قلة العقل والشطط في التفكير، ويقال أحمق من نعامة؛ ذلك لأنها تحتضن بيض غيرها، وتترك بيضها، كما أن كثيرين في تاريخ العرب عُرفوا بالحمق أشهرهم: حبنقة، وجحا، وعجل بن لجيم إذ بلغ بالأخير الحمق أنه قيل له: ما سميت فرسك، فنظر إلى حصانه ثم اتجه إليه، وفقأ إحدى عينيه، ثم قال سميته الأعور.
يعرّف الأصمعي الأحمق وفق ما يشير إليه بقوله: «إذا أردت أن تعرف عقل الرجل في مجلس واحد فحدثه بحديث لا أصل له فإن رأيته أصغى إليه وقبله فاعلم أنه أحمق، وإن أنكره فهو عاقل»، أما أشهر خصاله فهي ست وفق ما يشير اليها حكماء العرب، وهي: الغضب من غير شيء، والعطاء في غير حق، والكلام من غير منفعة، والثقة بكل أحد، وإفشاء السر، وألا يفرق بين عدوه وصديقه، ويتكلم ما يخطر على قلبه ويتوهم أنه أعقل الناس.
في عالمنا اليوم بلغت الحماقة مداها على مستوى حكومات وشعوب وأفراد سواء كانوا سياسيين أو مثقفين أو من العامة، وصلت الى درجة من التخلف والتباين المؤدي الى الصراع، فهناك اتهامات جرى عليها العرف بأن السمة البارزة لدى العالم الثالث هي الحماقة، وان الثقافة العربية وخاصة السياسية منها تتسم باللاعقلانية، فغالبية يتخذون قرارات انفعالية وعشوائية أو تكون نابعة عن ضغينة او من الدوران حول مركزية الأنا، ولا يعزنا الدليل، فالرئيس العراقي صدام حسين أقدم على حماقة سياسية مرتين أولأها عندما دخل حربا مع ايران طيلة ثماني سنوات أكلت فيها الأخضر واليابس، وثانيها عندما دخلت قواته الكويت حينها فقد آخر ما لديه من قوة ومن وجود، ولا يعوز الشعوب العربية المتناحرة من حماقة إلا صورة أخرى من تجليات الحماقة وهي الجماعات التكفيرية اذ يكفي أن يقدم الرجل منهم وهو يكبر على قتل من يكبر.
أو من يفسر الاحداث والقضايا بتأويلات لا يقبلها عقل ولا منطق بل يصفق لها الكثير ويتناقلها الأغلبية في صورة لا توحي الا بالحماقة في أفضل تجلياتها، إذ إنهم لا يرون، بل لا يدركون الحماقة في تضاد أقوالهم وأفعالهم، انها الحماقة التي أعيت من يداويها، فقد سئل عيسى بن مريم (ع) أأنت تحيي الموتى؟ فقال نعم بإذن الله، وأنت تبرئ الأبكم؟ فقال: نعم بإذن الله، فإذاً ما دواء الحماقة؟ فقال هذا الذي أعياني.
إقرأ أيضا لـ "رملة عبد الحميد"العدد 4805 - الإثنين 02 نوفمبر 2015م الموافق 19 محرم 1437هـ
احسنت
الله يجيرنا على حمقى هذا العصر والاجيال التي تخرج من تحته بنفس فكره