الكثير من المفاهيم والمصطلحات لها دلالات إنسانية وأخلاقية راقية، فلا يصدق معناها الحقيقي إلا إذا طبقت عمليا بكل حيثياتها على أرض الواقع، ومن تلك المفاهيم، التمييز والتمايز، فالتمييز لو طبق بنسبة معينة في أية مؤسسة، سواء كانت المؤسسة في القطاع العام أو في القطاع الخاص، سيكون سبيلاً لإيجاد فساد شامل بكل الاتجاهات الإدارية والمالية والأخلاقية، وسيكون سبباً في إحداث خلخلة في أوساطها وبين المنتمين إلى هذه المؤسسة أو تلك الدائرة، ويكون السبب الرئيسي في تأجيج النفوس وتدني المعنويات وضعف الإنتاج وفقدان البيئة الصالحة للعمل المجدي بنسبة كبيرة، وكل ذلك ينعكس مما لا شك فيه سلبًا على مصالح البلاد الأساسية، فواقع المؤسسات التي تتبنى التمييز في كل أبعادها خير دليل على ذلك.
أما مفهوم التمايز، فلو طبق بكل حيثياته في أية دائرة أو مؤسسة رسمية أو شبه رسمية أو أهلية، فإنه سيحدث تنافسا شريفا بين الموظفين في كل الأبعاد المهنية والدراسية والإنتاجية، ومن خلاله يعملون على تطوير أنفسهم والارتقاء بمهنتهم وإحداث جودة بكل مستوياته الإدارية والمهنية، فلو حاولنا مناقشة وزارة التربية والتعليم على سبيل المثال عن القصور والتخبط في المشاريع التربوية، اللذين يعاني منهما التعليم بصورة عامة، ولو طرحنا عليها بعض تساؤلات وانتقادات وملاحظات التربويين السلبية التي توجه للتعليم، لماذا إلى هذه اللحظة مازالت توجد في الكثير من المدارس فصول دراسية مصنوعة من الخشب (صنادق)، التي لا تقي الطلاب من برودة الشتاء ولا تحميهم من حرارة الصيف؟ ما هي الأسباب الرئيسية التي أدت إلى تراجع التعليم بالبلاد في السنوات الأربع الأخيرة؟
هل بسبب تطبيقها مفهوم التمايز الذين يؤمن بالشفافية وبمبدأي المواطنة المتساوية وتكافؤ الفرص أم بسبب خصامها له في التعيينات والتوظيف والترقيات والحوافز والمكافآت والبعثات الدراسية أم أن هناك أسباباً أخرى؟ كل المؤشرات العملية تدل على أن الوزارة ليست متصالحة بنسبة كبيرة مع مفهوم التمايز؛ لأن العمل بهذا المفهوم (التمايز) حتى ولو كان بنسبة معينة يظهر أثره الإيجابي في الواقع الخارجي واضحا على أقل تقدير، ما يراه جل الرأي العام المحلي أن نتاج التعليم بالبلاد ليس في مستوى طموحات الوطن الأولية في مخرجاته الأساسية ولا في بيئته التعليمية ولا في علاقاته بسوق العمل، ولو لم يكن كذلك، لماذا يرسل الكثير من موظفي وزارة التربية والتعليم الكبار أولادهم وبناتهم إلى المدارس الخاصة ولم يلحقوهم بالمدارس الحكومية؟ هل بسبب البيئة التعليمية التي تفتقد الكثير من متطلبات التعليم الأساسية، أم بسبب العلاقات غير الحميمة بين جميع أركانها الأساسية؟ أليس هناك توترات وتحسس وتوجس وانعدم الثقة بين العديد من الإدارات المدرسية وهيئاتها التعليمية وبين الإدارات وأولياء الأمور؟ على رغم خطورة هذه المسألة على التعليم، وعلى رغم أهمية توافر البيئة التعليمية الصالحة الخالية من كل المؤثرات النفسية السلبية، فإننا لا نجد الوزارة حاضرة بصورة جدية لحلها حلا جذريا وإصلاح بيئتها المدرسية، بطبيعة الحال، إن هذه العلاقة غير الودية بين الأطراف الأساسية في العملية التعليمية لا شك تنعكس سلبا بصورة مباشرة على مستوى تحصيل الطلبة والطالبات الأكاديمي، شاءت الوزارة أم لم تشأ.
فلو ذهبنا إلى المناهج الدراسية نجدها بعيدة كل البعد عن البيئة التعليمية من حيث الوسائل والمستلزمات والاحتياجات الأساسية لتوصيل المعلومة، وغير هذا وذاك عدم تناغمها مع متطلبات سوق العمل، الملاحظ عليها أنها تهتم كثيرا بالكم لا بالكيف، فالكثير من التربويين والعقلاء في المجتمع يقولون، لا ريب إذا ما قدم التمييز على التمايز في التعليم يحدث إرباك كبير في العملية التعليمية التعلمية، أما إذا ما قدم التمايز على التمييز، فإنه يوجد رقي وتنمية وتطوير في كل مفاصله التربوية والتعليمية؛ل أن بالتمييز يتردى التعليم بسبب إبعاد الكفاءات الوطنية المبدعة وضعف الثقة بين مختلف الأطراف التربوية في البلاد، وبالتمايز يرتقي التعليم بالكفاءات المتميزة.
ولهذا نقول بكل صراحة، من أجل أن نوجد واقعا إيجابيا للتعليم لا بد للجهات المعنية بمصلحة التعليم النظر لكل سلبية، صغيرة كانت أم كبيرة بعين الاهتمام، فلا يمكن تحسين البيئة التعليمية إلا بمشاركة حقيقية للمعلم الذي يعتبر الركيزة الأساسية في العملية التعليمية التعلمية، وهذا يتطلب مشاركته في التقييم الشامل للبيئة التعليمية، وألا يتعامل معه وكأنه آلة صماء لا يسمع ولا يرى ولا يتكلم ولا يقترح، من المفيد أن تعد الجهات المعنية بتطوير التعليم وتنميته في البلاد، استمارة تقييم للإدارات المدرسية في المراحل الثلاث الدراسية، تحوي مجموعة من الأسئلة المحددة في أهدافها التربوية، يتم توزيعها في نهاية الفصل الثاني من كل عام على المعلمين والمعلمات، لاستطلاع رأيهم في مستوى إداراتهم المدرسية، ومن خلالها يمكن معرفة مواطن الضعف والقوة في كل الإدارات المدرسية بشكل علمي، ويمكن تحديد نوعية الدورات المهنية والتربوية التي تحتاج إليها الإدارات المدرسية؛ لكي تكون أكثر فاعلية، وكذلك تعطى الفرصة ذاتها للإدارات المدرسية لتقييم إداراتها التعليمية بكل مصداقية، بهذه الآلية تصحح الأخطاء ويتطور التعليم في مختلف مفاصله، أما إذا بقي التعليم بالآلية التي هي عليها الآن، من المستحيل أن يحدث تغيير له قيمته التربوية والتعليمية المعتبرة، كل ما نتمناه أن نرى التعليم في وطننا الغالي مزدهرا قولا وفعلا في كل أبعاده الأساسية، وأن نجده الرافد لكل التخصصات التي يتطلبها سوق العمل في بلدنا البحرين.
إقرأ أيضا لـ "سلمان سالم"العدد 4800 - الأربعاء 28 أكتوبر 2015م الموافق 14 محرم 1437هـ
المعهد يعاني
معهد البحرين للتدريب يعاني لا سيما مع التعيينات الجديدة و التي تدل أنها طائفية بحتة فكل عام يتم تعيين عدد من طائفة معينة و الضعف و لربما أكثر من الطائفة الأخرى في المناصب الإدارية العليا و لا نرى فيهم أي كفاءة أو ميزة لحصولهم على هذه المناصب إلى أن يأتي اليوم الذي ترى فيه هذه المناصب لطائفة واحدة فقط!!
** ملاحظة: ان سكتنا نصيير زينيين و إن الأمور كلها تمتم و إن اتكلمنا بالواقع صرنا طائفيين (في وجهة نظر البعض)