هذه المرة استطاع مرزوق حضور ندوة المعارضة بنادي العروبة وكان يبحث عن مكان مناسب لكي يستقصي الأمور ويستطيع المشاركة في الندوة، وكان ينظر في وجوه الحضور ويتفحص مواصفاتهم وكيف سيدعوهم إلى الانضمام إلى «جمعية من لا برج لهم»، وكان يشعر بالقشعريرة كلما رأى الحشود تزداد لأن مسئولياته تزداد امام هذا الحشد الهائل، وكان يفكر في الطريقة المثلى للوصول الى عقولهم وقلوبهم بحيث يحصل على الحماس المستمر من دون ان يضحي بالتروي العقلاني الذي قد يحتاج إليه فيما لو تطلب الامر موقفا أكثر صعوبة من الموقف الحالي...

الحشود الكبيرة لها هيبة ضاغطة على الأطراف التي جاءت من أجلها تلك الحشود وضاغطة على الأطراف التي تجمعت تلك الحشود لتحتج عليها. ولربما كانت الضغوط على قادة الحشود أكبر من الضغوط الأخرى، ذلك لأن القائد الجماهيري يحتاج إلى تصعيد الحماس والابقاء عليه مستمرا لضبط الإيقاع الحاشد بالاتجاه المطلوب. وهذا الايقاع يتصاعد بصورة تلقائية مما قد يضغط على القائد الجماهيري للنطق بأمر لم يكن سيقوله لو لم تكن الحشود امامه...

إلا ان مرزوق لا يهتم بكل هذه الامور فهو سعيد باجتماع الجماهير التي يعتقد ان اكثريتهم من المؤهلين للانضمام او مساندة «جمعية من لا برج لهم»، فهم لو كانت لهم ابراج لما اضطروا إلى تحمل المشاق من اجل حضور الندوة التي كانوا يعلمون ماذا سيقال فيها ويعلمون الخطوط العامة التي سيدور حولها النقاش والتي لن تكون مختلفة عمّا قالته وتستمر في قوله الجمعيات المقاطعة... مع ذلك فالجميع يود المشاركة في الحضور، وحتى لو اختلف بعضهم مع الجمعيات المقاطعة فلربما وجد مشاركته افضل من مقاطعته لانه بإمكانه ان يطرح رأيه أمامهم... إلا ان هذه الجملة الأخيرة استوقفت حديث مرزوق قليلا فاعترض قائلا: هل تظن ان هناك شخصا يجرؤ على الوقوف أمام هذا الحشد الهائل لينطق بكلمة واحدة مخالفة للحماس المحرك للهتافات والخطابات؟ هل أنت مجنون؟ وهل تريد ان يقولوا عنه انه عميل ومن الذين حصلوا على امتيازات شخصية (مناصب، أراض، سيارات، تذاكر، هدايا، بعثات لأبنائه او أقربائه، الخ)؟ هل تريد ان يشتمه الناس المعارضون وأنت تعلم تأثيرهم على مناطق واسعة؟

إلا ان مرزوق اعتبر هذا الكلام إهانة للجمعيات المعارضة، لأن مثل هذا الكلام ينسف قوله واعتقاده بإمكان إصلاح أي أمر من خلال المشاركة فيه، ولأن صاحبه يقول ان طرح الرأي الآخر ضمن حشد ضخم أو ضمن مؤسسة محكومة بضوابط معينة أمرٌ مستحيل... كما ان مرزوق يرى أن الانسان الذي يؤمن بشيء لا تحده الظروف والحواجز والحشود وبإمكانه ان يؤثر ويغير ويصلح (بحسب اعتقاده وتعريفه لمعنى الإصلاح)...

إلا أن صديق مرزوق التفت إليه سائلا: إذا كان هذا كلامك فلماذا لم تقف وتتحدث بأمر مخالف لتوقعات الحشود؟

مرزوق لم يستطع الاجابة، إلا أنه وعد بالقيام بذلك في فرصة أخرى