ساهمت السخرية والتهميش ضد الأقزام في مصر في إهدار حقوقهم. لذلك قامت مجموعة منهم بإنشاء جمعية تحمل اسم "الأقزام السبعة" تهدف إلى استرداد ما يرون أنه "حقهم المسلوب". DW عربية تسلط الضوء على وضع الأقزام في مصر.
فئة قليلة لا نراها كثيراً في الشارع، ولكنها تطل علينا من شاشات التلفزيون أو على خشبة المسرح، وتتم السخرية منها لإمتاع الجمهور، ما أدى بالنهاية إلى تهميشها. إنها فئة قصار القامة، أو الأقزام، الذين كانوا قد نجحوا في السابق بإنشاء جمعية لهم في محافظة الإسكندرية تعرف بـ"جمعية رعاية الأقزام"، وهي أول جمعية رسمية لهذه الفئة.
ومع ذلك، يرى البعض أن هذه الجمعية غير كافية، ولذلك فقد باتوا يبحثون عن جمعيات أخرى في القاهرة تناضل من أجل إدراج الأقزام ضمن المادة 81 في الدستور، والتي تختص بذوي الاحتياجات الخاصة. لكن هذه المادة لم تفعّل حتى الآن، وفقاً للناشطين في هذا المجال، ما يجعل الطريق لتحقيق طموحاتهم طويلاً وشاقاً.
أمل في الرقابة
يشير خالد حسن، البالغ من العمر 27 عاماً ويعمل في المسرح، إلى المضايقات التي يتعرض لها في الشارع من نظرات وكلام جارح، ولكنها لا تثبطه، إذ يقول: "لا يوجد شيء يأثر علينا". وعن الجمعية التي يرغب حسن وأقزام آخرون في إنشائها، يؤكد أنها "ما زالت تحت الإنشاء". هذا ويحث خالد، الحاصل على دبلوم تجارة، على أهمية تشكيل نقابة في محافظة القاهرة وأن يكون لها فروع في محافظات عديدة تحت رعاية الحكومة، مؤكداً أنهم ليسوا بحاجة إلى مقرات بالضرورة.
ويوضح حسن لـDW عربية بالقول: "هناك أقزام لا يغادرون منازلهم بسبب مضايقات الناس لهم"، معرباً عن أسفه من غياب أي لإطار للدفاع عن حقوق الأقزام باستثناء جمعية واحدة في محافظة الإسكندرية، والتي يتهمها بالانتفاع مالياً وتقديم مصالحها على حساب معاناة الأقزام.
ولكن ما هي مطالب الأقزام في مصر؟ يقول خالد حسن إن أهم مطلب هو تشكيل "نقابة" لتوفير فرص العمل تحت إشراف وزارة المالية، على أن يكون مقر هذه النقابة القاهرة، ذلك أن العاصمة تضم أكبر تجمع للأقزام. وتابع حسن: "يجب أن تكون هناك أولوية لتعيين الأقزام في الوظائف الحكومية. كما أن هناك تبرعات كثيرة تأتي لدعم الأقزام ودعم من دول خليجية، ولكننا لا نعلم أين تذهب هذه التبرعات". وأضاف: "هناك رجال أعمال يريدون مساعدتنا، ولكننا لا نستجدي أحداً".
هذا ويشير خالد حسن إلى أن الدستور يضمن حقوقهم، ولكن الحكومة لا تنفذ نصوص الدستور. وعن الخطوات التي سيتخذونها، قال: "سنتواصل ككتلة واحدة مع الحكومة وسنفتح حساب بنكياً خاصاً بنا. كما سنوفر السكن والعلاج لأولئك الذين يحتاجون العلاج، لأن الحكومة لا تعطي الحقوق للمساكين".
الشهرة عامل محفز
أما محمود مصطفى متولي، البالغ من العمر 29 عاماً، فقد أشار لـDW عربية إلى أن شهرته على شاشات التلفزيون ساعدته كثيراً في تقبل الناس له، مضيفاً: "وجودنا لا يقتصر على السينما والمسرح فقط، بل هناك تفوق لنا في مجالات عدة". كما أبدى متولي امتعاضه من المبلغ الذي تقدمه وزارة التضامن الاجتماعي للأقزام، والذي لا يتعدى 300 جنيه (حوالي 30 يورو)، مشيراً إلى أن المشكلة تكمن في التمييز ضدهم في الوظائف بسبب كونهم أقزام. ولكن الفن مختلف، بحسب رأيه، إذ يقول: "الفن يبحث عنا ونحن نرى أنفسنا فيه ... نحب التجمع في أماكن معينة كي نتكلم براحتنا بعيداً عن نظرات الناس".
هذا ويلقي الممثل متولي بالمسؤولية كاملة على الحكومة فيما يتعلق بحقوق الأقزام، متمنياً أن يحترم الناس هذه الفئة المهمشة ويقللوا من النظرات الغريبة والسخرية. كما شدد محمد مصطفى متولي على أنهم بشر لا يختلفون عن الآخرين، حتى في الزواج، مضيفاً: "أمتلك شقة وسأتزوج وأحصل على راتب شهري ... أنا مثل أي شخص طبيعي وأعيش حياتي".
أول جمعية معتمدة من الوزارة
من جانبه، يرفض عصام شحاتة، رئيس جمعية رعاية الأقزام في الإسكندرية، اتهام خالد حسن لجمعيته بأنها تسعى لتحقيق مصالحها الشخصية، مضيفاً أنه "لأول مرة يكون للأقزام جمعية رسمية معتمدة من وزارة التضامن الاجتماعي، وهو إنجاز كبير"، معتبراً أن وجود مادة حولهم في الدستور ترجع إلى الجهود الفردية التي قامت بها الجمعية. وأوضح شحاتة أن الجمعية عقدت "مؤتمراً كبيراً في مكتبة الإسكندرية حضرته وزيرة التضامن الاجتماعي وعدد من المسؤولين. وأرسلنا توصيات ومقترحات إلى رئاسة الجمهورية". وتابع: "قامت الجمعية بتزويج ستة عرائس وإنشاء مشغل للتدريب على الخياطة. كل هذه الجهود ونُتهم بالسعي لمصالحنا الشخصية؟!"
تغير نحو قبول حقوق الأقزام
وفي نظرة تحليلية للموضوع، يقول فؤاد السعيد، الخبير بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية، إن ظهور الأقزام في المسرح والسينما وضعهم في خانة السخرية وليس الشفقة، مما ترك حالة من حالات القسوة عند المواطنين المصريين، خصوصاً بين الفئات الشعبية.
ويأسف السعيد، في حديثه مع DW عربية، لكون معاناة الأقزام أكبر حتى معاناة المعاقين، ويفسر: "لا توجد مراعاة للأقزام خاصة في المواصلات العامة. الأقزام مظلومون حتى في التراث الشعبي، مثل الأمثال التي تربط بين قصر القامة والمكر".
ومن ناحية نفسية، يشرح فؤاد السعيد أن "قصيري القامة في علم النفس لهم تركيبة خاصة، مثل عدم الثقة وتدني الذات. أما الأقزام فوضعهم مختلف، لأنهم لا يقارنون نفسهم بالآخرين، بل قد يتخيلون أنهم أفضل من قصيري القامة، وفي حالة المقارنة، تكون بينهم وبين أقرانهم". فضلاً عن أنهم يفضلون الزواج من أشخاص طبيعيين، خصوصاً أن النساء يقبلون على الزواج بهم بسبب أزمة العنوسة.
وأكد خبير المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية أنه لا يوجد ارتباط بين الأقزام والقدرة على الإبداع، إلا أنه يشير إلى أن قدراتهم الذهنية قد تكون أعلى من الشخص الطبيعي، لأن القزم يسعى منذ طفولته إلى الابتكار. لذلك، يرى فؤاد السعيد أن توظيفهم في الأعمال تتناسب مع طبيعتهم بشرط توافر الإرادة من المجتمع والدولة للتعامل معهم كمواطنين عاديين، مشيراً إلى النقلة النوعية في وضعهم الدستوري وظهورهم في وسائل الإعلام، ولكنه يعتبر ذلك تحسناً شكلياً فقط بسبب غياب الالتزام بالقوانين.
إلا أن السعيد يعتقد بأن "السعي نحو إنشاء جمعيات عديدة يعد مرحلة مهمة لتحقيق مطالبهم، خاصة في وقت أصبح فيه المجتمع المصري يقرّ بحقوق ومطالب الفئات المهمشة".