ليس من قبيل المبالغة القول إن العرب هم من أكثر الأمم إن لم يكن أكثرها إبداعاً في فن الخطابة الشفوية ومن ثم التأثير في الجمهور، وهم كذلك في إلقاء الشعر والكلمات المكتوبة، وأحسب الأسماء والنماذج الشهيرة في تاريخنا العربي أكثر مما تُعد وتحصى، بدءاً من العصر الجاهلي، ومروراً على وجه الخصوص بالعصر الإسلامي، فالعصر الوسيط، وانتهاءً بتاريخنا المعاصر. على أن هذه الخاصية الإبداعية في الخطابة ليس كل العرب يمتازون بها، لأنها من المواهب والخاصيات النادرة، وإلا لكانوا ومازالوا جميعهم خطباء بلا استثناء، بل تختص بها طائفة من نخبتهم، فإلى جانب الاستعداد الفطري والموهبة تعتمد على مقومات عديدة، منها: شخصية الخطيب الكارزمية، وثقافته العامة، وإلمامه المعمق بالمادة التي سيخاطب جمهوره بشأنها، وأن يكون خطيباً مفوهاً يمتلك صوتاً جهورياً جذاباً لجهوره. ويمكن القول إن مقومات «المحاضر» الموهوب المميز تتشابه وتتداخل إلى حد كبير مع عناصر «الخطيب» الناجح، ولكن لاتتطابق على وجه الحصر. لأن جمهوره في الغالب أقل عدداً وموضوع حديثه أكثر تخصصاً، وبالتالي فمتطلبات نجاحه أقل صعوبةً من الخطيب.
مؤخراً حضرت محاضرة علمية قيّمة ممتعة في «منتدى كانو الثقافي» للأكاديمي الفلسطيني محمد ياسر عمرو خصها على وجه التحديد لشروط ومقومات المحاضر المتميز الناجح لكن تداخلت نقاطها ومداخلات الجمهور مع شروط الخطيب الناجح أيضاً، ومن أهم النقاط التي تناولها في هذا الشأن: أهمية حسن الخطابة وسحر البيان، أن يهتم المحاضر بالتحضير الجيد للمحاضرة قبل تقديمها، وأهمية إلمامه بأسس عملية الاتصال، وامتلاكه لغة سليمة ونبرات صوت مساعدة جيدة، امتلاكه قدرات في توظيف لغة الجسد أثناء الحديث، وكذلك مدى تمكنه من جعل حواسه الخمس حية أثناء الإلقاء، وأن يكون محاضراً ذا ثقة كبيرة بنفسه وهو يواجه الجمهور بدون وجل أو ارتباك، علاوة على الاستعداد الفطري، التخصص في موضوع المحاضرة أو الخطبة، والإلمام النظري المسبق بشروط فن الإلقاء أو الخطابة الناجحة، (وللصديق الأكاديمي الجامعي عوض هاشم كتاب في هذا الشأن)، وأن يكون لديه تواصل اجتماعي مستمر مع الناس، وكذلك الممارسة أو التدريب المسبق. وجميع هذه العناصر لا تغني بطبيعة الحال عن أهمية الاستفادة من تجارب مشاهير الخطباء والمحاضرين في العالم.
وجاءت مداخلات الحضور في مجملها جيدة أثرت المحاضرة، ولعل من أهمها في تقديري مداخلة الأستاذ خليل الذوادي التي كشف فيها سراً واحداً من عناصر نجاح الرئيس الأميركي أوباما في أدائه الرائع خلال إلقاء خطبه وكلماته ومن ثم جذب الجمهور إليه، وبخاصة عندما يتلفت بكل ثقة ورشاقة يميناً وشمالاً وكأنه يرتجل بعض فقرات خطابه، وما ذلك إلا بفضل وجود لوحات أمامه وعلى يمينه وعلى شماله مدون على كل منها بعض فقرات الخطاب المهمة، وهي لوحات شفافة للغاية لا تكاد تُلحظ.
وحيث أن محاضرة الأستاذ عمرو جاءت بالمصادفة عشية موسم عاشوراء الحالي فكم تمنيت لو كان من حاضريها بعض خطباء المنبر الحسيني ممن يتطلعون إلى تجويد خطبهم ليكونوا خطباء مفوهين ناجحين مؤثرين في الحضور.
ومع إقرارنا واحترامنا مسبقاً لقاعدة «أهل مكة أعلم بشعابها» ففي تقديرنا أنه آن الأوان لأن يجري المعنيون بالمنبر الحسيني عملية تقييم لخطبائه بعد انتهاء كل موسم من قِبل لجنة علمية مختصة بالتنسيق مع إدارات المآتم تدخل ضمن وسائل معاييرها الموضوعية إجراء استبيانات مبحوثة للحاضرين، إذ لا يمكن أن يتساوى الخطباء المبدعون المفوهون في فن الإلقاء والمتبحرون في الفقه والثفاقة العامة، مع الخطباء الكسالى الذين يفتقرون إلى هذه المميزات. وإذا كان الشيء بالشيء يُذكر فإنه لا يمكن أيضاً أن يتساوى المؤذنون من لديهم موهبة سحر الصوت وترتيله في رفع الأذان مع المؤذنين الذين يفتقرون إلى هذه السمات.
إقرأ أيضا لـ "رضي السماك"العدد 4791 - الإثنين 19 أكتوبر 2015م الموافق 05 محرم 1437هـ
صدقت
نحن لا نعرف الى الادب الانجليزي ولكن
لو تجي تسمع اغنية الى احد المشاهير وتكون مترجمة الي اللغة العربية تشوف الكلمات مهزلة ولا تركب على بعض والردحة قايمة بسبب الموسيقة
نتمنا ذالك
امنية لو كان هناك معايير للخطابة ومناقشة مواضيع الخطباء قبل كل موسم من أعضاء المجلس العلمائي , سيكون ذلك له مردود كبير في تطوير المنبر الحسني. ليس هناك أداة محاسبة ولا معايير والكل يعتلي المنبر متى شاء ؟؟ أتمنا ان يكون هناك معيار او اختبار او لجنة تقييم في كل موسم. السلام عليك يا سيدي وموالاي يا ابا عبدالله.
دورات
الحمدلله عندنا في البحرين نخبة من الخطباء الممتازين ,, ولكن ياريت يزيدون هالنوع من الدورات خاصة لطلبة المدارس ... فن الالقاء مهم جدا في تطوير الثقة والشخصية للطلبة .. وهالشي مهم مستقبلا في جميع المجالات (مقابلات عمل - جامعة الخ,,,
فن الخطابة
اشكرك استاذي الفاضل علي هذا الطرح ولاهمية فن الخطابة تم انشاء منظمة الخطابة الدولية في 24 اكتوبر 1924 في كاليفونيا بالولايات المتحدة الامريكية وذلك لتشجيع القيادين علي حسن القاء الخطب ومع الاسف تفوقوا الاوربيون والامريكان في فن الخطابة بيمنا قليل من القادة العرب ممكن يتقن فن الخطابة
كلام سليم جدا
الخطابة كما يقال : حظ وحفظ وحس ..
وأنا أرى بأنه يجب تقييم الخطيب من جميع النواحي .. نريد نظام جودة يقيم لنا الخطباء من أجل تطوير المنبر والإرتقاء به ..
لأن استفادة المستمع وتأثره تعتمد على الخطيب وطاقته الابداعيه
شكرا للكاتب العزيز على التطرق الى هذا الموضوع القيم والمهم
صحيح
التقييم للرفع من المستوى مطلوب في كل المجالات و الخطباء الحسينيون في أمس الحاجة لها.