رغم التشويش المستمر والمحاولات المستميتة للدول الغربية وأميركا والكيان الصهيوني، لإبعاد أذهان الأمة العربية والإسلامية عن القضية الفلسطينية، ورغم الإرهاب البغيض الذي يمارس في وطننا العربي، ورغم القتل والتشريد والتنكيل الذي يتعرض له أهلنا في كل فلسطين، في القدس وغزة والضفة الغربية وغيرها من القرى والبلدات الفلسطينية، ورغم الوسائل والطرق السياسية والدبلوماسية التي سخرت لإقناع العرب والمسلمين للاعتراف بالكيان الغاصب كدولة كاملة السيادة في قلب الوطن العربي والقبول بالأمر الواقع، ورغم تقييد الإخوة في فلسطين والعرب بالاتفاقيات الدولية التي تسمى باتفاقيات السلام، ومطالبتهم بتنفيذها كاملة، ورغم عدم التزام الكيان الصهيوني المحتل لأرض الإسراء والمعراج وأولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين بأي بند من بنودها، ورغم الضغوط الدولية والتهديدات الصهيونية، نجد الشعب الفلسطيني الأبي في كل مرة يثبت أن قضية فلسطين لن تطمس ولن تنتهي.
إن استرجاع القدس الشريف إلى أهله، مسألة حتمية وغير قابلة للنقاش، ولا يمكن لأحد التنازل عنها في مختلف الأحوال والظروف، فلهذا في كل مرة يُفشل أحبتنا في القدس الجريح كل تلك المحاولات الأوروبية والأميركية، وتبقى فلسطين الإباء حاضرة في أذهان ووجدان ومشاعر وفكر وثقافة الإنسان العربي والمسلم، لم يكن يتوقع الكيان الغاصب أن أبناء القدس رجالاً وشباباً، ونساء وأطفالاً يهبون وينتفضون عليه بهذا الاتساع الذي جعله متخبطاً في قراراته وإجراءاته القمعية، ما اضطره لاستدعاء ضباطه وجنوده الاحتياط.
لقد تمكن الشعب الفلسطيني بإصراره وإرادته الفولاذية أن يكون أكبر وأقوى من الإرهاب والقتل والتنكيل والتشريد، وأثبت أن الجرائم الصهيونية التي ارتكبتها في فلسطين الحبيبة طوال 68 عاماً لم تغِب عن ذاكرة الشعب الفلسطيني، ولم تنتهِ بتقادم الزمن، أهلنا في القدس بانتفاضتهم استطاعوا تمزيق كل الحجب المصطنعة، التي حاولت جاهدة إخفاء قضيتهم أو جعلها قضية هامشية، وقد فرضوا على الإعلام المضلل الذي يعمل ليلاً ونهاراً على التعتيم المتعمد لقضيتهم الفلسطينية أن يتحدث عن انتفاضتهم وعن أسبابها.
فاليقين الراسخ لدى إخوتنا في فلسطين الشموخ بعودة القدس وكل فلسطين لهم هو الذي يجعلهم مطمئنين غير خائفين ولا يائسين، رغم ما يملكه عدوهم الصهيوني من آلة حربية وقمعية قلّ نظيرها في الشرق الأوسط، لقد أثبتوا للعالم أجمع الحقيقة القرآنية التي ثبتها الله تعالى في القرآن الكريم بأحرف من نور، والتي تتحدث عن أحوال الصهاينة النفسية والمعنوية وقت المواجهة، قال تعالى: «لا يقاتلونكم إلا في قرى محصنة أو من وراء جدر بأسهم بينهم شديد تحسبهم جميعاً وقلوبهم شتى ذلك بأنهم قوم لا يعقلون» (الحشر: 14)، وكأنهم وأقصد إخوتنا في فلسطين العروبة والإسلام وفي القدس خاصة، يريدون أن يقولوا لأعوان الصهاينة والمساندين لهم سياسياً وعسكرياً والمتحالفين معهم في السر والعلانية، لا تتحدوا كلام الله تعالى، علّام الغيوب وخالق السموات والأرض، ولا تعولوا عليهم ولا ترجون منهم أن يفيدوكم بشيء أو يحققوا لكم مصالحكم، لأن الله جلّت عظمته بيّن بكل وضوح في كتابه المحكم الذي قال تعالى عنه: «لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد» (فصلت: 42)، أنهم قوم يحبون الحياة ولا يرغبون في الموت أبداً، فهم جبناء في الحرب وثعالب ماكرة في السلام، لا يلتزمون بالعهود والمواثيق، وسرعان ما ينكثون بها ويرجعون إلى غيِّهم وطغيانهم وغطرستهم المزيفة، لأنهم يعتقدون واهمين أنهم شعب الله المختار الذي بيده مقاليد الأمور في كل دول العالم، وظناً منهم أن سيطرتهم الكاملة على الاقتصاد العالمي والتلاعب به متى ما يريدون، يضمن لهم الهيمنة على كل شيء في العالم، حقاً لقد بدد الشعب الفلسطيني أحلامهم بصموده وثباته.
لاشك أن الكيان الصهيوني المصطنع في جسد وطننا العربي يخشى من ذلك اليوم الذي تقرر فيه الأمتين العربية والإسلامية توحيد مواقفها وإرادتها وسياساتها ضده، لأنه يعلم أنه بتوحد كلمتهما ينتهي وجوده من أرض فلسطين العزيزة، نسأل الله العلي القدير أن يحفظ ويسدد إخواننا في فلسطين المحتلة، ويمنّ عليهم بتحرير أرض الأنبياء والرسل، القدس الشريف وكل فلسطين، وأن يرجع جميع المهجرين والمشردين واللاجئين إلى ديارهم سالمين غانمين عاجلاً غير آجل.
إقرأ أيضا لـ "سلمان سالم"العدد 4789 - السبت 17 أكتوبر 2015م الموافق 03 محرم 1437هـ