استهلكت البشرية خلال أقل من ثمانية أشهر ميزانية الطبيعة لكامل سنة 2015، بحسب بيانات شبكة البصمة البيئية العالمية (GFN) التي ترصد طلب البشرية على موارد الأرض (أي البصمة البيئية) في مقابل قدرة الطبيعة على النهوض بأعباء هذا الطلب (أي القدرة البيولوجية).
أما «يوم تجاوز قدرة الأرض» (Earth Overshoot Day) فهو التاريخ الذي يتجاوز فيه طلب البشرية على موارد الطبيعة في سنة ما تستطيع الأرض تجديده خلال تلك السنة. وقد انتقل يوم التجاوز هذا من مطلع أكتوبر/ تشرين الأول العام 2000 إلى 13 أغسطس/ آب سنة 2015، مبكراً ستة أيام عما كان في العام الماضي.
تتجلى تكاليف هذا الإنفاق الإيكولوجي المفرط يوماً بعد يوم، في شكل زوال الغابات، والجفاف، وشح المياه العذبة، وتآكل التربة، وخسارة التنوع البيولوجي، وتراكم ثاني أوكسيد الكربون في الغلاف الجوي. وسوف يضخم التراكم الكربوني التأثيرات الأخرى إذا صحّت النماذج المناخية الحالية. وبناء على ذلك، ستتاح لصانعي القرار الحكوميين، الذين يأخذون هذه القيود المتنامية في الاعتبار عند صنع سياساتهم، فرصة أفضل كثيراً لوضع الأداء الاقتصادي الطويل الأجل لبلادهم على مسار ملائم.
تعليقاً على البيانات الجديدة، قال رئيس شبكة البصمة البيئية العالمية وأحد واضعي المعيار الحسابي للموارد في احتساب البصمة البيئية ماتيس واكرناغل: «البصمة الكربونية للبشرية ازدادت وحدها أكثر من الضعفين منذ أوائل السبعينات عندما دخل العالم في تجاوز إيكولوجي. وهي تبقى العنصر الأسرع نمواً في الفجوة المتسعة بين البصمة البيئية والقدرة البيولوجية لكوكبنا. ومن شأن الاتفاق العالمي على التخلص تدريجياً من الوقود الأحفوري، الذي يجري بحثه قبل انعقاد قمة المناخ في باريس، أن يساعد بشكل كبير في كبح النمو المطرد للبصمة البيئية وتقليصها في النهاية».
وترتبط البصمة الكربونية ارتباطاً وثيقاً بالعناصر الأخرى للبصمة البيئية، أي الأراضي الزراعية والمراعي والغابات والأراضي المنتجة التي أنشئت عليها الأبنية والطرق. وكل هذه المطالب تتنافس على المكان. وفي حين يتزايد الطلب على المنتجات الغذائية والخشبية، تقلّ المساحات المنتجة التي تمتص الكربون الناتج من حرق الوقود الأحفوري. وهذا يعني أن الانبعاثات الكربونية تتراكم في الغلاف الجوي بدلاً من امتصاصها بالكامل.
فرصة ثانية
سوف يركز اتفاق المناخ المتوقع خلال مؤتمر الدول الأطراف COP21 في ديسمبر / كانون الأول المقبل على حصر الاحترار العالمي ضمن درجتين مئويتين فوق مستويات ما قبل الثورة الصناعية. ويقتضي هذا الهدف المشترك أن تنفذ الدول سياسات للتخلص نهائياً من الوقود الأحفوري بحلول سنة 2070، بحسب توصيات الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC)، وهذا يؤثر مباشرة في البصمات البيئية للدول.
وإذا افترضنا أن الانبعاثات الكربونية العالمية ستنخفض بحلول سنة 2030 بنسبة 30 في المئة على الأقل عن مستوياتها الحالية، تماشياً مع السيناريو الذي اقترحته الهيئة، فيمكن تأخير يوم تجاوز قدرة الأرض إلى 16 سبتمبر/ أيلول 2030 (على افتراض استمرار بقية البصمة في التوسع بالمعدل الحالي) بحسب شبكة البصمة البيئية العالمية.
هذا ليس مستحيلاً. والواقع أن الدنمارك قلصت انبعاثاتها الكربونية بنسبة 33 في المئة خلال العقدين الماضيين. ولو فعل العالم مثلها (من دون تغير بقية البصمة) لكان يوم تجاوز قدرة الأرض في 3 أكتوبر / تشرين الأول من هذه السنة.
لكن ذلك لا يعني أن الدنمارك بلغت بصمة بيئية مستدامة. فالبشرية تحتاج إلى موارد نحو ثلاثة كواكب لو عاش الجميع مثل الدنماركيين، ما يقدّم يوم تجاوز قدرة الأرض الى 8 مايو / أيار.
بالمقارنة، يعني استمرار الوضع القائم استخدام موارد تعادل قدرة كوكبين كالأرض بحلول سنة 2030، ما يقدّم يوم تجاوز قدرة الأرض إلى نهاية يونيو / حزيران. ويفترض هذا الاحتمال بقاء القدرة البيولوجية والنمو السكاني وأنماط الاستهلاك على مساراتها الحالية. لكن من غير الواضح إمكان تسجيل مستوى ثابت من الاستهلاك المفرط من دون إضرار كبير بالقدرة البيولوجية على المدى البعيد، مع ما يرافق ذلك من تأثيرات على الاستهلاك والنمو السكاني.
يأمل واكرناغل خيراً بالتطورات الأخيرة على جبهة الطاقة، التي تتسارع في أنحاء العالم، وبازدياد الوعي في قطاع التمويل بأن الاقتصاد المنخفض الكربون هو طريق المستقبل، مؤكداً على الأهمية الحيوية لتخفيض البصمة الكربونية الذي يفترض أن تلتزم به الدول في باريس. ويضيف: «هذا ليس جيداً للعالم فحسب، بل بات ضرورة اقتصادية لكل بلد. كلنا نعلم أن المناخ يعتمد على هذا التخفيض، لكنه ليس القصة الكاملة. فالاستدامة تقتضي أن يعيش الجميع حسناً ضمن قدرات كوكب واحد. وهذا لا يمكن تحقيقه إلا بإبقاء بصمتنا البيئية ضمن ميزانية موارد كوكبنا».