شبه القارة الهندية، من أكثر المناطق المشهورة بالتعددية الثقافية، والعرقية، والدينية، وبالرغم من ذلك، إلا أنه، وحتى بداية القرن العشرين، كانت هناك احتفالية دينية سنوية واحدة، تعتبر المناسبة الأشهر، والأكثر تمثيلاً في الوسط الإعلامي، في تلك الحقبة. إنها مناسبة إحياء ذكرى عاشوراء، والتي لم تكن حصرية على فئة من الناس دون غيرها، بل كانت مظهراً عاماً في شبه القارة الهندية، تحيه جميع الأعراق والديانات، فتجد جميع المسلمين، شيعة وسنة، والهندوس، كلهم جنباً إلى جنب، يحيون هذه المناسبة (Siebenga 2013). وكان المظهر العام لإحياء عاشوراء، مسيرة حمل التابوت، الذي كان يمثل قبر الإمام الحسين عليه السلام. ولكن، كانت هناك خصوصية ثقافية، لكل جماعة من الجماعات التي تحي منا سبة عاشوراء، سواء بين طوائف المسلمين أنفسهم، أم بين طوائف المسلمين وغير المسلمين. إلا أن الفروقات الخصوصية بين طوائف المسلمين لم تظهر إلا في فترة متأخرة، وقد كانت قبل ذلك غير ظاهرة، بسبب وجود الخلافات الخصوصية بين المسلمين وغير المسلمين، وكذلك، الصراعات السياسية إبان فترة الاحتلال البريطاني.
وفي فترة الاحتلال البريطاني، كانت الإدارة البريطانية لا تخفي تخوفها من هذه المناسبة، وكان يزداد قلقها كلما أقترب شهر محرم. لقد كانت فكرة حدوث حالات من الشغب تستحوذ على فكر الإدارة البريطانية لدرجة كبيرة، على الرغم أن عشرة محرم كانت، في الغالب، تمر بسلام وهدوء. ولا نعلم أيهما يقلق الإدارة البريطانية أكثر، حدوث حالات الشغب في عاشوراء، أم ما تنضوي عليه فلسفة إحياء هذه المناسبة في الفكر الجمعي الشعبي. أضف إلى ذلك، حدوث الموائمة الثقافية، ما بين الخصوصية الدينية عند الشيعة، والعناصر الثقافية السائدة في المجتمع؛ وبذلك لم تكن تلك الممارسات الشيعية شاذة في الوسط الثقافي المحيط بها، بل أصبحت جزءاً من الثقافة التعبدية الشعبية المنتشرة في المنطقة (Sandria 1990, p. 279). وبذلك، أصبحت تلك العوامل، تمثل عوامل جذب لغير المسلمين؛ فبدأو يحيوا هذه المناسبة. بالطبع، نتيجة لاختلاف الثقافات، والديانات، والأعراق، فلا بد من الاختلاف، في تفاصيل إحياء هذه المناسبة، فلا تخلو من المناوشات، التي نادراً ما كانت تتحول إلى حالات شغب وعنف.
وفي نهاية القرن التاسع عشر، ظهرت الحركة الوطنية الهندوسية، التي كانت مضادة للاحتلال البريطاني. وأزداد بعدها الاحتقان الطائفي بين المسلمين والهندوس، وبالخصوص في المدن الكبيرة، وكثرت حالات الشغب في شهر محرم. وقد سارعت الإدارة البريطانية بتشريع التنظيمات لإحياء شعائر عاشوراء، وكان من ضمنها عدم إصدار تصاريح لإحياء هذه المناسبة للجماعات الغير مسلمة. كانت الإدارة البريطانية، تعمل بصورة غير مباشرة، على إيقاف مراسيم إحياء عاشوراء، وجعلها خاصة بالطائفة الشيعية فقط (Nejad 2012). وعاماً بعد عام، أصبحت عاشوراء، وبالخصوص في المدن الكبيرة في الهند، خاصة بالطائفة الشيعية. وبدت، حينها، الفروقات الخصوصية بين الجماعات الشيعية تظهر بصورة أكثر وضوحاً.
في العام 2012م، صدرت دراسة Nejad، حول الخصوصيات الثقافية للمجتمع الشيعي في مدينة بمبي في الهند. وقد أوضح Nejad في هذه الدراسة وجود العديد من المظاهر الثقافية المختلفة بين الجماعات الشيعية المختلفة، وربما يعود ذلك بسبب تأثير الهوية العرقية أو بسبب فروقات مذهبية. على سبيل المثال، الشيعة، ذوي العرقية الهندية، المهاجرون من مدينة لكنو لازالوا يحافظون على بناء التعزية، أو التابوت، الذي يمثل ضريح الإمام الحسين عليه السلام. بينما، فرق أخرى تكتفي بقراءة المجلس فقط. وهناك جماعات أخرى تقوم بنصب "السبيل" في الطرقات، حيث يوضع فيه الماء والأكل. وبالرغم من وجود هذه الفروقات الثقافية، والمظاهر المختلفة في إحياء عاشوراء، إلا أن هناك تعاون ضمني بين هذه الجماعات، وزيارات متبادلة لمواقع إحياء شعائر عاشوراء عند تلك المجموعات.
الخلاصة، على الرغم من وجود تعددية ثقافية وعرقية ودينية في شبه القارة الهندية، إلا أن صدى إحياء ذكرى عاشوراء كان من أكثر المظاهر شهرة فيها، وبالخصوص في القرن التاسع عشر. وقد تقلصت هذه الشهرة، بسبب تحديد خصوصية المناسبة وجعلها مناسبة خاصة بطائفة محددة، بعد أن كانت لجميع المذاهب والعرقيات.