منذ سنة وتحديداً في العدد 4420 من صحيفة «الوسط» الصادر بتاريخ 14 أكتوبر/ تشرين الأول 2014، كتبتُ، متحسّراً: (نوبل...والسلام العربي العاثر)، لكن هاهي لجنة نوبل الموقرة تُنصف إنجازاً عربيّاً محضاً ساهم في صناعة السلام في هذا الخضمّ الهائل من الفوضى والدمار والاقتتال. هذا الإنجاز جاء مرّة أخرى من تونس حيث استحقّ الرباعي الراعي للحوار الوطني بتونس والمتكون من هيئات مدنيّة هي الاتحاد العام التونسي للشغل واتحاد الصناعة والتجارة والصناعات التقليدية والهيئة الوطنية للمحامين بتونس والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان جائزة نوبل للسلام للعام 2015 من ضمن أكثر من 270 ملفاً تقدم للجائزة ما بين شخصيات وهيئات ومنظمات مختلفة. فمن هو الرباعي الراعي للحوار الوطني التونسي؟ وما أبعاد هذا التكريم؟ وما التحديات التي تنتظر تونس بعد هذا التكريم؟
لقد لمع اسم تونس من جديد في سماء العالم من خلال الرباعي الراعي للحوار الوطني، الذي سهر على لمّ شمل العائلات السياسية في تونس أواخر العام 2013 بعد أزمة سياسية خانقة بدأت بوادرها مع حادثتي الاغتيال السياسي التي أودت بحياة كل من الشهيد شكري بلعيد والشهيد الحاج محمد البراهمي وعدد من الجنود الشهداء في مرتفعات الشعانبي غرب البلاد، ثم تطورت إلى المطالبة بحل المجلس التأسيسي واستقالة الحكومة الشرعية. في هذه الظروف العصيبة سياسياً كان لا بد من تحرّك يحمي تونس من حمام دم فكانت مبادرة الرباعي الراعي للحوار الوطني والتي انطلقت في أكتوبر 2013، حيث وقعت معظم الأحزاب المشاركة في خارطة طريق ثلاثية المسارات: المسار الدستوري باستكمال كتابة الدستور الجديد للبلاد التونسية، والمسار الحكومي بتكليف حكومة كفاءات وطنية غير متحزبة لمواصلة المشوار وتأمين المسار الثالث وهو المسار الانتخابي الذي تكلل بالانتخابات التشريعية والرئاسية أواخر 2014.
ويتكون هذا الرباعي الراعي للحوار الذي وشح تونس بجائزة نوبل للسلام من الاتحاد العام التونسي للشغل وهو منظمة نقابية تونسية تأسست في يناير/ كانون الثاني 1946، وقد ضم أول مكتب لها الزعيم فرحات حشاد كاتباً عاماً والشيخ محمد الفاضل بن عاشور رئيساً. ويرأسه الآن حسين العباسي. ولايزال الاتحاد المنظمة النقابية الرئيسية على الساحة التونسية، وقد لعب الدور الأبرز في التحركات الاجتماعية منذ الاستقلال وخاصة في أواخر السبعينات ثم في ثمانينات القرن الماضي، كما كان لقواعد الاتحاد وهياكله المحلية دور كبير في الإطاحة بالرئيس زين العابدين بن علي في الرابع عشر من يناير 2011.
وأمّا الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان فهي إحدى المنظمات الحقوقية الرئيسية في تونس، وقد تأسست في مايو1977 وهي أول جمعية من نوعها تظهر بإفريقيا والوطن العربي، كان لها حضور بارز في مقاومة الاستبداد في زمن حكم الرئيس المخلوع، وقد تداول على رئاستها العديد من الحقوقيين من بينهم رئيس الجمهورية التونسية السابق محمد المنصف المرزوقي. ويرأسها الآن المحامي عبد الستار بن موسى.
والطرف الثالث الهيئة الوطنية للمحامين بتونس هي جمعية تونسية تضم المحامين التونسيين، تأسّست مطلع الستينات من القرن الماضي وتداول على رئاستها العديد من الشخصيات المناضلة في عالم المحاماة، ويرأسها الآن محمد الفاضل محفوظ. وقد كان للمحامين الشرفاء بتونس دور عظيم في ثورة الكرامة؛ حيث تقدموا العديد من المظاهرات بلباسهم المميز حماية لآلاف المتظاهرين من قوات الأمن المتغطرسة إبان الثورة في تونس.
وأخيراً الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية أي منظمة الأعراف التونسيين في قطاعات الصناعة والتجارة والحرف، وقد تأسس العام 1947 وتداول على رئاسته العديد من الشخصيات، وتترأسه بعد الثورة وإلى الآن وداد بوشماوي.
إنّ منح الرباعي الراعي للحوار جائزة نوبل للسلام يعدّ اعترافاً دولياً بثراء التجربة التونسية المتميزة لأنها كانت تكريساً لنهج الحوار الذي انتهجته البلاد، وخاصة منذ اللقاء الشهير في أغسطس/ آب 2013 بين «الشيخين» راشد الغنوشي زعيم حركة النهضة والباجي قائد السبسي مؤسس حركة نداء تونس، حيث اتفقا على الحوار مبدأً والتوافق منتهىً ومصلحة تونس مقصداً. فكانت كلمة التوافق البلسم الذي عالج به الفرقاء جروح البلاد وأنقذوها من مطبات الاقتتال والفوضى وربما التدخل الأجنبيّ كما يحصل في أكثر من بلد عربي اليوم. لذا حُقَّ أن يُقتدى بهذه التجربة ويُستفاد منها في منطقتنا العربية التي تعيش مسارات متعثرة، بل يمكن اعتبارها كما جاء على لسان حسين العباسي الأمين العام للاتحاد العام للشغل أن التكريم «رسالة أمل للمنطقة بأن الحوار يمكن أن يؤدي للطريق الصحيح، وهو رسالة بأن التوافق يكون بالحوار وليس بالسلاح».
كما تعتبر هذه الجائزة بمثابة تكريم للشعب التونسي ونجاحه في مساره الانتقالي الديمقراطي، ونجاح النخب السياسية والمنظمات الوطنية، والمجتمع المدني، في تخطي الصعاب، تكريماً لهذا الشعب الذي آمن بقدرة المجتمع المدني على إدارة الاختلاف وتقريب وجهات النظر وتعديلها في إطار المصلحة العليا للبلاد.
ولئن لم تكن هذه المرة الأولى التي يُتوّج فيها العرب بجائزة نوبل للسلام، فإنّها الأولى من نوعها إذ انفردت بها جهة عربية ولم تتقاسمها مع أيّ كان من المترشّحين لهذه الجائزة، كما كان في المرات الأربع التي نالتها جهات عربيّة. لذا فإنّ هذا التكريم الدولي لتونس، ممثلة في الرباعي الراعي للحوار الوطني، يغدو في الحقيقة تكليفاً لا تشريفاً؛ إذ إنّ تونس عموماً والمنظمات التي رعت الحوار الوطني خصوصاً، مدعوة إلى مزيد من اليقظة والانتباه إلى الأجندات المشبوهة التي تحاول العبث بأمن البلاد وإعادته إلى مربع العنف. إنّ حصول تونس على جائزة نوبل للمرّة الأولى في تاريخها، جاء تأكيداً وإثباتاً أنّ الحوار والتوافق الوطني هو السبيل الوحيد للوصول بقافلة الأوطان إلى برّ الأمان، لذا فإنه من غير المقبول العودة بالبلاد إلى فوضى الاقتتال خاصة بعد أن حققت قوات الأمن التونسي تقدماً كبيراً في مقاومة الإرهاب والحد من مخاطره.
إقرأ أيضا لـ "سليم مصطفى بودبوس"العدد 4784 - الإثنين 12 أكتوبر 2015م الموافق 28 ذي الحجة 1436هـ
أعجبني قول الكاتب
إنّ حصول تونس على جائزة نوبل للمرّة الأولى في تاريخها، جاء تأكيداً وإثباتاً أنّ الحوار والتوافق الوطني هو السبيل الوحيد للوصول بقافلة الأوطان إلى برّ الأمان، لذا فإنه من غير المقبول العودة بالبلاد إلى فوضى الاقتتال خاصة بعد أن حققت قوات الأمن التونسي تقدماً كبيراً في مقاومة الإرهاب والحد من مخاطره.
ما تتميز به تونس هي المؤسسات المدنية التي تستقطب جميع الاتجاهات
ولا تفرق بين الشعب
الرباعي الراعي للحوار الوطني بتونس
تستاهل تونس
مجتمع مدني قوي
ما يميز تونس عن غيرها أن المجتمع المدني قوي
ورغم ما فيه من تجاذبات فإن مصلحة بلادهم فوق كل اعتبار
مبروك لتونس
إنّ حصول تونس على جائزة نوبل للمرّة الأولى في تاريخها، جاء تأكيداً وإثباتاً أنّ الحوار والتوافق الوطني هو السبيل الوحيد للوصول بقافلة الأوطان إلى برّ الأمان، لذا فإنه من غير المقبول العودة بالبلاد إلى فوضى الاقتتال خاصة بعد أن حققت قوات الأمن التونسي تقدماً كبيراً في مقاومة الإرهاب والحد من مخاطره.