نظم مركز البحرين للدراسات الاستراتيجية والدولية والطاقة، اليوم الاثنين (12 أكتوبر/ تشرين الأول 2015)، ندوة بعنوان: "المؤسسات والمنظمات الدولية غير الحكومية... بين المهنية والتسييس"، شارك فيها نخبة من المفكرين وممثلي مؤسسات المجتمع المدني، والمثقفين، وأعضاء مجلسي النواب والشورى.
وتناولت الندوة ثلاثة محاور رئيسية، تناول المحور الأول المنظمات الدولية غير الحكومية بين المهام الانسانية والتدخل في الشؤون الداخلية للدول تحدث فيه رئيس مجلس الامناء خالد الفضالة، فيما تناول المحور الثاني موضوع مصداقية المؤسسات والمنظمات الحقوقية الدولية، تحدث فيها مساعد وزير الخارجية السفير عبدالله الدوسري، وتناول المحور الثالث موضوع المؤسسات والمنظمات الدولية غير الحكومية: بعض الحقائق والمؤشرات تحدث فيه المدير التنفيذي لمركز "دراسات خالد الرويحي.
في المحور الأول، تطرق رئيس مجلس أمناء مركز البحرين للدراسات الاستراتيجية والدولية والطاقة خالد الفضالة إلى موضوع المنظمات الدولية غير الحكومية بين المهام الانسانية والتدخل في الشؤون الداخلية، وقال إن هذه الندوة تأتي ضمن سلسلة الندوات التي يعقدها مركز دراسات حول القضايا الاستراتيجية والدولية والاقتصادية التي لها تأثير بشكل مباشر أو غير مباشر على أمن مملكة البحرين، فإن ندوتنا اليوم تكتسب أهمية بالغة مضموناً وتوقيتاً في ظل الهجمة الشرسة التي تواجهها مملكة البحرين، وبعض دول مجلس التعاون، على الصعيد العالمي من جانب بعض المنظمات الدولية غير الحكومية، والتي تتطابق أهدافها مع سياسات الدول التي تنطلق من أراضيها، فما هي تلك المنظمات وما هو وضعها القانوني على المستوى الدولي؟ ولماذا ازدادت أنشطتها في العديد من دول العالم خلال السنوات الأخيرة؟ وما هي آليات عملها وتأثيرها على الأمن القومي للدول؟والأهم من ذلك من يمولها؟ وصولاً إلى تحديد آليات لمواجهتها؟
وعن نشأة هذه المنظمات، أوضح الفضالة أنه منذ نهاية الحرب العالمية الثانية بدأ مصطلح المنظمات الدولية غير الحكومية في الظهور حيث أطلقت الأمم المتحدة ذلك الاسم على المنظمات التي كان لها دور واضح في معالجة مخلفات تلك الحرب من قضايا تخص اللاجئين ومن فقدوا ذويهم ووظائفهم والحال التي وصلوا إليها من جرائها.
وأضاف "تتعدد مجالات عمل تلك المنظمات فمنها ما يختص بقضايا حقوق الإنسان: "كمنظمة العفو الدولية" و "هيومن رايتس واتش" ومنظمة "أطباء بلا حدود" و "اللجنة الدولية للصليب الأحمر"، والبعض الآخر منها يهتم بمجال التعليم والشؤون الاقتصادية مثل المنتدى الاقتصادي العالمي، وهناك أيضاً منظمات تعنى بالشؤون الاستراتيجية والأمنية مثل مجلس العلاقات الخارجية في الولايات المتحدة الأمريكية، والبعض الآخر منها يعنى بشؤون البيئة مثل منظمة السلام الأخضر، وهناك منظمات تعتني بشؤون الصحافيين عبر العالم كمنظمة مراسلون بلا حدود، علماً بأن الحرب العالمية الثانية لم تكن بالضرورة منشأة لمفهوم العمل غير الحكومي حيث إن امتداد ذلك العمل يرنو لأبعد من ذلك بكثير ودليل ذلك أن أول منظمة غير حكومية لمكافحة العبودية قد أُنشِأت العام 1839م".
وأوضح انه تم تصنيف تلك المنظمات وفقاً لوثائق الأمم المتحدة الصادرة في منتصف تسعينيات القرن العشرين على أنها "كيانات لا تهدف للربح أما بالنسبة لعضويتها فتتكون من الأشخاص الذين ينتمون لدولة واحدة أو مجموعة من الدول وهم الذين يتم الاتفاق فيما بينهم على هدف تلك المنظمة وآليات عملها بغض النظر عن تواجدهم في بقعة جغرافية واحدة من عدمه".
وفيما يتعلق بعدد هذه المنظمات، أوضح الفضالة في ورقته أن عدد تلك المنظمات يبلغ نحو 50 ألف منظمة على الصعيد العالمي، وذلك وفقاً لبعض التقارير، وتشير تقديرات أخرى إلى وجود حوالي 1500 منظمة دولية غير حكومية ترتبط برامجها بشكل أساسي بالقضايا التي تهم منظمة الأمم المتحدة.
وفيما يتعلق بعوامل انتشار عمل المنظمات الدولية غير الحكومية على المستوى العالمي، قال الفضالة إن هناك ثلاثة عوامل ساعدت على انتشار تلك المنظمات بشكل سريع هي ثورة الاتصالات الحديثة،تراجع دور المنظمات الحكومية الدولية، أنها أداة جديدة من الدول الكبرى للتدخل في شؤون الدول الأخرى.
أما فيما يتعلق بتدخل المنظمات الدولية غير الحكومية في الشئون الداخلية للدول، أوضح الفضالة أن الدول الكبرى استطاعت توظيف المنظمات الدولية غير الحكومية للتدخل في الشئون الداخلية للدول الأخرى وخصوصاً النامية منها تحت غطاء اهتمام تلك المنظمات بقضايا عديدة مثل البيئة واللاجئين وحقوق الإنسان وغيرها من القضايا الاقتصادية والاجتماعية وهي القضايا التي تطلق عليها تلك المنظمات "القضايا الإنسانية" من خلال آليات ثلاث هي التقارير المغلوطة، جمع المعلومات، وتكوين رأي عام عالمي مناهض لدولة ما، حيث يتم ذلك بشكل ممنهج من خلال التركيز على دولة أو مجموعة من الدول بشكل دائم ومنها مملكة البحرين بشكل انتقائي، بغض النظر عما تشهده من إنجازات ملموسة بشأن حقوق الإنسان سواء بشكل مباشر أو ضمن مجالات التنمية المختلفة، كما أن تلك المنظمات تضع معايير عالمية وترى -من وجهة نظرها- أنه يتعين عليها أن تسود كافة أرجاء المعمورة متجاهلة الخصوصيات الثقافية والاجتماعية والتاريخية التي تعد جزءًا لا يتجزأ من التركيبة السياسية للعديد من دولنا وبالتالي لا غرابة من ظهور منظمة تسمى منظمة المواطن العالمي والتي تتخذ من أوكرانيا مقراً لها. الأمر الذي يؤكد وبما لا يدع مجالاً للشك أن هدف تلك المنظمات هو فرض معايير عالمية غير واقعية على جميع الدول على المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
أما فيما يتعلق بآليات مواجهة عمل تلك المنظمات الدولية غير الحكومية، أوضح الفضالة أنه مما لاشك فيه أن عمل تلك المنظمات يعد تهديداً مباشراً للأمن القومي لأي دولة وبالتالي فإن مواجهتها مسؤولية الدولة على المستويين الرسمي وغير الرسمي من خلال ثلاث آليات الآلية الأولى: متابعة ورصد أعمال المنظمات، الآلية الثانية: الرد على مزاعم المنظمات، الآلية الثالثة: التوعية المجتمعية.
وفي المحور الثاني، الذي يحمل عنوان مصداقية المؤسسات والمنظمات الحقوقية الدولية، تحدث فيها مساعد وزير الخارجية السفير عبدالله الدوسري، أكد فيها أن هذه المنظمات تتسم بالطابع الطوعي والاستقلال عن الحكومات، وأن هناك منظمات تنشط في مجالات أخرى تتعلق بالتنمية الاقتصادية والبيئية ومكافحة الفقر وتحقيق السلام، منوهاً إلى أن التعبير الأكثر شيوعاً الذي يطلق على هذه المنظمات هو الجمعيات الأهلية.
وأوضح أن مملكة البحرين تحترم المنظمات غير الحكومية وتحرص على التفاعل والتعاون منها وذلك في إطار النظام القانوني الوطني القائم على احترام حقوق الانسان والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان التي تلتزم بها المملكة على الدوام، مشيراً إلى أن البحرين استطاعت منذ استقلالها إرساء الدول الحديثة القائمة على التوجه الديمقراطي ودولة المؤسسات الدستورية وسيادة القانون وإلى ان الدولة تكفل حرية تكوين الجمعيات الأهلية والعلمية والثقافية والمهنية والنقابات على أسس وطنية ولأهداف مشروعة وبوسائل سلمية وفقاً للشروط التي يبينها القانون.
وقال مساعد وزير الخارجية: "إن مملكة البحرين تفخر بتعاون الجهات الحكومية المعنية مع المنظمات غير الحكومية المعتمدة في البحرين، ويتضح ذلك من خلال إعداد تقارير المملكة الحقوقية في إطار المراجعة الدورية الشاملة التابعة لمجلس حقوق الانسان".
ورحب الدوسري بدور المنظمات الحقوقية الدولية في مجالاتها المختلفة بما فيها مجال حقوق الانسان وذلك عندما تتوافر فيها شروط المصداقية وأهمها: الموضوعية والبعد عن تسيس قضايا حقوق الانسان لأغراض أجندات خفية، مشيراً إلى أن هذه المنظمات بحكم تسميتها ودورها ليست جمعيات سياسية، وجب عليها أن تخدم قضايا حقوق الإنسان في الأطر التي يتعين من خلالها احترام حقوق الانسان.
ولفت إلى أن بعض هذه المنظمات تنتهج منهجاً سلبيا يؤثر على مصداقيتها وانحياز تقاريرها لخدمة أجندات وأغراض خفية، وانعدام مصداقية المعلومات الواردة فيها وعدم الرجوع للمصادر الوطنية المعتمدة للتأكد من مثل هذه المعلومات، ومن ثم تصبح هذه التقارير وما تبثه من معلومات بمثابة سم زعاف بدلاً من أن تكون وسيلة جيدة ومحايدة لإبراز الإيجابيات.
وشدد السفير على أن دور المنظمات الحقوقية الدولية والوطنية يجب أن يلتزم عملها بالحيادية والشفافية واحترام القانون والابتعاد عن الانتقائية والمعايير المزدوجة واستغلال قضايا حقوق الانسان لتحقيق مآرب سياسية مشبوهة، ومساندة الجهود الوطنية لتحقيق التنمية الشاملة والمستدامة لخدمة أهداف التنمية للأعوام 2015-2030 والتي اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها السبعين.
وتطرق مساعد وزير الخارجية إلى مصادر تمويل هذه المنظمات، موضحاً أن بعض المنظمات يثار بشأنها الكثير من علامات الاستفهام التي تلقي بظلال الشك عما إذا كانت هذه المنظمات تستهدف بحق تشجيع احترام وحماية حقوق الانسان أم هي أدوات تستخدمها جهات أجنبية لإثارة الفتن وتمزيق اللحمة الوطنية واختراق الأوطان بغير حق.
أما المحور الثالث، فقد تناول موضوع المؤسسات والمنظمات الدولية غير الحكومية: بعض الحقائق والمؤشرات وقد تحدث فيه المدير التنفيذي لمركز "دراسات" خالد الرويحي.
واستعرض الرويحي عدداً من التقارير العالمية وسلط الضوء على التقرير العالمي لمشروع نزاهة الانتخابات للعام 2014 وهو مشروع علمي غير ربحي مقره كلية كينيدي للإدارة الحكومية في جامعة هارفرد بالتعاون مع قسم الحكومة والعلاقات الدولية بجامعة سيدني. ويتلقى المشروع تمويلاً من مجلس البحوث الأسترالي وهيئات بحثية أخرى.
وقال الرويحي إن مملكة البحرين جاءت في الترتيب رقم 124 (من أصل 127 عملية انتخابية تم رصدها في 107 دول) وذلك في التقرير العالمي لمشروع نزاهة الانتخابات لعام 2014 والذي صدر في فبراير 2015، وكانت قيمة المؤشر ("Project Election Index" PEI index) لمملكة البحرين الذي تم التوصل إليه في الدراسة هو 41.9 (من أصل 100 نقطة).
واضاف الرويحي أن المنهجية التي تم استخدامها في التقرير تؤدي إلى نتائج تعتمد على انطباعات شخصية غير محايدة قد تخالف الواقع لذلك يجب أن تكون هنالك معايير أخرى تعتمد على الحقائق نسبة المشاركة في الانتخابات، كما ذكر التقرير أن المستجيبين من الخبراء لما يتعلق باستبيان انتخابات مملكة البحرين قد بلغ نسبة 17 في المئة من إجمالي الخبراء، في حين أنه يصف نسبة المشاركة في انتخابات مملكة البحرين بالضعيفة على الرغم من أن نسبة المشاركة كانت 52.6 في المئة.
وأوضح أن فلسفة التقرير تقوم على ملء استمارات قياس رأي من قبل عدد من الخبراء في الشؤون الانتخابية –كما وصفهم التقرير- وذلك للإجابة على عدد 49 سؤال موزعين على 11 محور. وتكون اجابات "الرأي" موزعة بالشكل التالي: غير موافق بشدة، غير موافق، لا غير موافق ولا موافق، موافق ، موافق بشدة.
وبحسب الإجابات الموجودة في الاستبانة فإن موقع مملكة البحرين بحسب المؤشر هو (41.9) يقع في المنتصف، والذي يفيد بأن الخبراء أجابوا بالحياد (لا أوافق ولا أرفض)، والتي لا تفيد أن الانتخابات كانت غير نزيهة أو نزيهة وإنما عن عدم توافر المعلومات المطلوبة للإجابة على السؤال وإعطاء الرأي المناسب من قبل الخبراء. لكن التقرير قد أساء عرض النتائج وتحول "عدم وجود الرأي للسؤال" إلى نتيجة سلبية تصف الدول بأن انتخاباتها أقل نزاهة.
وقال ان تفسير نتائج التقرير لم تعرض بطريقة صحيحة وإنما كان العرض مضللاً، حيث أن قياس الانطباعات من حيث كونها إيجابية أو سلبية بحسب خيارات الاجابات التي جاءت في الاستبانة.
كما بين الرويحي بأنه تم التلاعب بمؤشر البحرين ليصل إلى 41.9 في المئة خلافاً لحقيقة العملية الحسابية المذكورة في التقرير والتي تعطي نتيجة المؤشر 60%.
من جانبه، أشاد عضو مجلس الشورى أحمد الحداد بالدور الكبير الذي تقوم به وزارة الخارجية البحرين في الدفاع عن مملكة البحرين أمام المنظمات الحقوقية، وأوضح أن مملكة البحرين قد خطت خطوات كبيرة لتطوير العمل مع هذه المؤسسات والمنظمات الدولية كما أن الجهود المبذولة في هذا الصدد كبيرة، وأنه من المهم تشكيل علاقات تعاون مع المنظمات الدولية مثل المفوضية السامية لحقوق الانسان ووزارة الخارجية لبيان المعلومات الصحيحة لمملكة البحرين حول هذا الموضوع.