الخبير العالمي في خدمة العملاء رون كوفمان خلال لقاء نظمه «منتدى الفكر الإداري» الذي أقيم على هامش المؤتمر الذي استضافته البحرين أمس الأحد (11 أكتوبر/ تشرين الأول 2015) في فندق كراون بلازا
المنامة - فاطمة عبدالله
قال الخبير العالمي في خدمة العملاء رون كوفمان: «إن سنغافورة نجحت واستطاعت أن تكون من الدول المتميزة بعد نجاحها في خدمة العملاء في المجالات كافة». جاء ذلك في لقاء مع الخبير العالمي نظمه «منتدى الفكر الإداري» على هامش المؤتمر الذي استضافته البحرين أمس الأحد (11 أكتوبر/ تشرين الأول 2015) في فندق كراون بلازا، وذلك تزامناً مع الأسبوع العالمي السنوي لخدمة الزبائن، والذي كان هو المتحدث الرئيسي في المؤتمر السنوي الرابع في خدمة الزبائن والمراجعين، تحت رعاية وزير الصناعة والتجارة زايد الزياني وبتنظيم من مجموعة «أوريجين» لتنظيم الفعاليات والاستشارات.
وقال كوفمان: «بدأت تجربتي في مجال الارتقاء بتقديم الخدمات في سنغافورة عندما طلبت الخطوط الجوية السنغافورية الاستفادة من خبراتي، على رغم أنهم كانوا يعملون جيداً في ذلك الوقت، إلا أن سنغافورة دائماً كانت تبحث عن الأفضل وتسعى إلى الارتقاء بمستوى خدماتها لتكون من الدول الرائدة». وبعد ذلك استعانت به الحكومة السنغافورية لتضمين مناهج التعليم مواد عن التسويق وخدمة الزبائن والمهارات الأساسية التي يحتاجها السنغافوريون للتميز فيما يقدمونه من خدمات تنافسية تستطيع الاستمرار في التفوف.
وعرض كوفمان تجربته في سنغافورة والنقلة النوعية التي شهدتها خلال السنوات الماضية بعد نجاحها في تقديم الخدمات المتنوعة للعملاء، قائلاً: «كانت لدى سنغافورة مشكلة تعود إلى ثمانينات القرن الماضي وكانت المشكلة هي أن الصين تقدم المنتجات بأثمان أرخص من سنغافورة، ولذا فإنهم قد يخسرون السوق للصينيين».
وتابع «كانت المشكلة تتعلق بالمصانع الصينية قليلة التكلفة والتي كانت تنافس سنغافورة بشدة في ذلك الوقت؛ ما جعل الأخيرة تخسر أمام المنافسة عندما تكون المقارنة بين الأسعار فقط، فالدول انجذبت إلى الصين والمصانع بدأت تغادر سنغافورة، على رغم القوانين الرصينة والخبرة التي تتمتع بها سنغافورة، إلا أن قلة التكلفة جعلت المصانع تنزح إلى الصين».
وأوضح كوفمان أن هذه المنافسة كانت تشكل خطراً على الاقتصاد وعلى سوق العمل وعلى الدولة نفسها، مشيراً إلى أن الصين كانت المشكلة الأولى التي تواجه سنغافورة، إلا أن المشكلة الثانية كانت الشعب الهندي وحجم القوة العاملة والمهارات واللغة الإنجليزية التي يتمتع بها، ما كان يجذب الأنظار نحو الهند والصين في ذلك الوقت لتبتعد الأنظار عن سنغافورة.
وقال كوفمان: «في تلك الأثناء حاولت سنغافورة إعادة اختراع نفسها بالفوز في هذه المنافسة، على أن تكون مستوى الخدمات المتوافرة ذات قيمة وجودة عالية، تبرر ارتفاع الأسعار في سنغافورة مقارنة بالصين والهند، مع زيادة مستوى الخبرات وتقديم خدمات أفضل، وقد استطاعت تطوير مستوى خدماتها خلال السنوات الماضية، وتمكنت من تمييز نفسها عن الصين والهند عبر التميز في توفير تسهيلات لعقد المؤتمرات الكبرى وعبر تقديم خدمات متفوقة للزبائن بما يخلق لدى المتعاملين مع السنغافوريين شعوراً بالارتياح، وحرصاً على العودة إليهم من إجل الحصول على الخدمات المميزة في المجالات التي يشغلونها».
وأضاف كوفمان «تعتبر سنغافورة من الدول التي تتميز بنظام تعليمي قوي، فهي تسعى إلى تعليم شعبها بضرورة اتخاذ القرارات الصحيحة ومن دون أخطاء على أن تكون هذه القرارات تتسم بالمصداقية والإنتاجية وكل ما يحتاجون له من معلومات للعمل في المصانع والشركات والمؤسسات».
وتابع «على رغم هذا النظام فإنه كانت هناك حاجة إلى مهارات يفتقر لها الشعب السنغافوري في ذلك الوقت، إذ إن هناك فرقاً في التعامل بين المصانع وبين الزبائن، فالتعامل مع الزبون مختلف ويختلف ذلك من زبون لآخر، فلكل منهم توقعات وحاجات وخبرات مختلفة، وعليه فقد كنت ممن استشارتهم الحكومة السنغافورية لتمكين السنغافوريين من التميز في تقديم الخدمات».
وذكر كوفمان أن التعامل مع الزبون يجب أن يكون أكثر مرونة وإبداعية، إلى جانب أن على من يتعامل مع الزبائن أن يستجيب لهم ولحاجتهم وتوقعاتهم على أن يكون مستمعاً جيداً، مشيراً إلى أن كل هذه المهارات لا تُعلم في المدارس لذا كان المجتمع السنغافوري بحاجة إلى هذه المهارات، فهذه المهارات هي الرئيسية لمن يعمل في مجال التعامل وخدمة الزبائن.
وأكد كوفمان أنه عندما تمت دعوته إلى سنغافورة وكان ذلك في العام 1990 كانت مهمته هي بناء المهارات التي لم يتم تعليمها للشعب السنغافوري في المدارس، موضحاً أن العديد من المهارات كانت سنغافورة تفتقدها في ذلك الوقت، إلا أنها استطاعت أن تتطور في مجال تقديم الخدمات فهي الآن مقر لأصحاب الملايين اليوم بسبب قدرتها على جذب الزبائن.
وفي سياق متصل تحدث كوفمان عن أن الخدمة لا يوفرها فقط قطاع الخدمات كما يعتقد البعض فجميع الشركات والمصانع والمؤسسات بمختلف مجالاتها بحاجة إلى قسم يتعامل مع الزبائن، مؤكداً أن الخدمة تعتبر اليوم ذات قيمة، فأينما توافرت الخدمة توافرت الأموال، مشيراً إلى أن الأغلبية تعتقد بأن الخدمة هي جعل الزبون راضياً، نافياً ذلك ومعرفاً الخدمة بـ «اتخاذ الإجراءات اللازمة لخلق قيمة لشيء آخر».
وأكد أن «فهم حاجات الآخرين والخدمات التي يرغبون بها أمر ضروري وبعد فهم ذلك بإمكان مقدم الخدمة أخذ الإجراءات اللازمة لتحقيق ما يتمناه الزبون على أن يكون راضياً، فالخدمة والقيمة مترابطتان، ومعرفة احتياجات الزبون مهمة».
وأوضح كوفمان أن هناك فرقاً بين القيمة والخبرة والتي يتمثل في أربعة فروقات وهي المنتج الرئيسي، وطريقة التوصيل، وعقلية مقدم الخدمة والتي لابد أن تكون خدمية، والفرق الرابع هو العلاقة بعد الحصول على الخدمة، مؤكداً أنه في حال تم تحقيق ذلك بشكل إيجابي تستمر العلاقة بين مقدم الخدمة والزبون.
وقال كوفمان: «على مقدمي الخدمات التوقف عن سؤال الزبائن هل أنتم راضون عن مستوى الخدمات أم لا، إذ لابد من معرفة ما يريد الزبون منذ البداية وتحقيق القيمة التي يرغبون بها بدلاً من حل مشكلته بطريقة قد لا تتناسب مع توقعاتهم واحتياجاتهم، ما يجعلهم غير راضين حتى لو قدمت لهم خدمة بشكل لا يتناسب مع توقعاتهم».
وأشار إلى أنه لابد أن يزرع مقدمو الخدمات الثقة في نفوس الزبائن، فمساعدة الزبون وحل مشكلته تجعله يكون على ثقة في مقدمي الخدمة.
كما تحدث عن مستوى الخدمات في الخليج العربي، مؤكداً أنه لم يشاهد سوى مستوى الخدمات في المطارات والفنادق، لكون أن هذه الأماكن هي واجهات كل بلد، ملفتاً إلى أن هناك حاجة إلى تطوير مستوى الخدمات، موضحاً أن بعض الأماكن توفر خدمات ذات تكنولوجيا في الوقت الذي لا يحتاج فيه الزبون إلى خدمات معقدة وكل ما يحتاج إليه الزبون هو خدمة بسيطة تترك أثراً إيجابياً عليه كتقديم العصير أو حمل الحقائب من قبل موظف يبتسم للمسافر.
وفي سياق متصل أكد كوفمان أن تقديم الخدمة لطرف وتقديم الأخير خدمات إلى أطراف أخرى هو الفوز الحقيقي، موضحاً أن العالم اليوم يعيش العديد من المتغيرات السياسية والاقتصادية والبيئية، إلا أنه على الجميع تقديم الخدمات لبعضهم بعضاً بغض النظر عن الخلافات التي بينهم، مؤكداً أنه ليس هناك حاجة إلى أن تأخذ الحكومات الإجراءات للتغير، فالشعوب هي التي بإمكانها أن تحدث التغيرات بتقديمها خدمات ترفع من مستوى البلدان وترتقي بسمعتها، مشدداً على أهمية المهارات التي لا يمكن اكتسابها عبر التعليم في المدارس، موضحاً أن المهارات يمكن أن يتعلمها الإنسان من واقع الحياة بالخبرة، على أن يقوم بتطبيقها على أرض الواقع، فالامتحان في الجامعات والمدارس ما هي إلا نتيجة نهائية للنجاح أو الفشل إلا أن تطبيق المهارات وما تم تعلمه على الواقع هنا يحدد ما إذا كان الإنسان نجح في تعامله مع الآخرين أم لا.
يُشار إلى أن الكثير من مؤسسات وشركات خدمة الزبائن والعملاء والمراجعين في مختلف دول العالم تحتفي بالأسبوع السنوي العالمي لخدمة الزبائن في الأسبوع الأول من شهر أكتوبر من كل عام. وقد بدأت هذه الاحتفالية في العام 1991م بعد أن أعلن الكونغرس الأميركي أول أسبوع من شهر أكتوبر الأسبوع العالمي لخدمة الزبائن وهو فعالية دولية يتم الاحتفال بها في كل عام.
وتحدث كوفمان في أربع جلسات متتالية مكثفة، تناول في الجلسة الأولى أسرار الخدمة الفائقة، حيث يُعرف الخدمة وما هي المستويات الستة للخدمة وكيفية خلق ثقافة الخدمة في المؤسسات. في الجلسة الثانية تحدث كوفمان عن الاستراتيجيات الثلاث لإيجاد قيمة تنافسية مستدامة للشركة من خلال التجربة التي يمر بها الزبون أو العميل إضافة إلى الأنماط الخمسة للخدمة. وتمحورت الجلسة الثالثة حول كيفية مواءمة الأسس الاثني عشر مع ثقافة الخدمة في الشركة من خلال استعراض هذه الأسس ومراحل تطور ثقافة الخدمة حتى وقتنا الراهن. واختتم المؤتمر في الجلسة الرابعة بالحديث عن القوانين السبعة للقيادة في القطاعات الخدمية تلاه استعراض التوصيات النهائية للجلسات والمنتدى النقاشي.
العدد 4783 - الأحد 11 أكتوبر 2015م الموافق 27 ذي الحجة 1436هـ