إن تدخل روسيا العسكري في سورية وقصفها «الاستباقي» المكثف الذي تنفذه ضد «داعش والنصرة» وغيرها من تنظيمات جهادية وسورية معارضة، يثير لغطاً وتساؤلات حول أهداف روسيا وخططها في المنطقة وأولوياتها، أهي لهزيمة التنظيمات الإرهابية كما تصرح، أم لإنقاذ نظام بشار الأسد، أم الاثنين معا ولماذا؟
أيا تكن الإجابات فالآراء تتفق بأن التدخل سيغير قواعد اللعبة في المنطقة، كما إن أسبابه وتداعياته التي تطرق إليها المراقبون عديدة ويمكن تناولها تبعاً للاعتبارات الروسية والمواقف الأميركية وساحة الصراع السوري.
اعتبارات روسية
يعتقد المحللون أن التدخل والضربات ليست للقضاء على «داعش» والتنظيمات الأخرى فقط، إنما لتعزيز تواجد روسيا السياسي، وتأمين موطئ قدم عسكري يضمن لها استمرارية مصالحها الاقتصادية واستثماراتها النفطية وأنابيب النفط والغاز، فضلاً عن حماية قدراتها للوصول إلى مياه البحر الأبيض المتوسط وتأمين قاعدتها العسكرية في طرطوس، كما إنه سيحد من هيمنة الولايات المتحدة والغرب على المنطقة وحالة التشطير والاستنزاف الذي تعاني منه، وهذا بدوره سيعزز من وضع روسيا كقطب رئيسي في النظام العالمي الجديد الذي سيحل مكان النظام الأحادي وانفراد أميركا بالعالم.
وعليه حرص الرئيس «فلاديمير بوتين» على الحصول على تفويض بالإجماع من البرلمان باستخدام القوة الجوية العسكرية خارج الحدود، وأكد أنهم يتحركون بشكل قانوني استناداً إلى طلب من الرئيس الشرعي «بشار الأسد»، بتقديم مساعدات عسكرية، مقارنة بالتحرك غير الشرعي للتحالف الدولي الذي تقوده أميركا؛ كونه لم يحصل على تخويل من الحكومة السورية أو مجلس الأمن الدولي، بيد أن خطوة التدخل والقصف أثارت ولاتزال زوبعة من الاستنكار والرفض، حيث وصف الأميركان وحلفاؤهم الضربات بالعشوائية التي لا تفرق بين قوى المعارضة وبين قوى الإرهاب، وطالب آخرون بخروجهم من سورية، فيما لاقى الاستحسان والتأييد المباشر والمبطن من دول عربية وغربية أخرى، ورأت فيه صحيفة «الإيكونوميست» «خطوة مفاجئة تهدف إلى تعزيز وضع الحليف السوري، برغم انعدام وضوح آلية استخدام روسيا لقواتها في سورية، وخصوصاً أن هذه القوة ستزيد من تعقيد سير العمليات القتالية مع تعدد أوجه الحرب مع داعش والأكراد السوريين ومجموعات متنوعة من الميليشيات الإسلامية المناهضة للنظام».
وثمة من الروس يعتقدون أن بوتين يقاتل بصف «نظام الأسد» كي يصمد لحين بدء مفاوضات التسوية النهائية التي تساعدهم في تحقيق مكاسب جيوسياسية وجيواقتصادية واستيراتيجية، كما يدعم أي تسوية سياسية يتم التوصل إليها وتشارك فيها حكومة الأسد في المرحلة الانتقالية مع قوى المعارضة السياسية ومؤسسات المجتمع المدني، فضلا عن الضغط على أطراف الصراع بما يعزز المسار السياسي الذي تراه روسيا مناسباً في موازاة خططها للقضاء على الإرهاب، الأمر الذي يفسر تجاوز العمليات العسكرية من «داعش» إلى «قوات الجيش الحر» «والنصرة»، وما أطلق عليه القوى المعتدلة وغيرهم الرافضين لأي تسوية ترتبط ببقاء «نظام الأسد» وتعويمه في المرحلة الانتقالية. وهذا ما جعل عضو مجلس الشيوخ «جون ماكين» يتهم الروس باستهداف الفصائل المسلحة المعتدلة التي تمولها وتدعمها أميركا... وماذا أيضاً؟
أيضاً أصبح النظام السوري عاملا أساسيا في الاستراتيجية الروسية لمواجهة الإرهاب الذي تمدد وصار يهدد الأمن القومي الروسي؛ بسبب زيادة انخراط فصائل الجهاديين القوقازيين والشيشانيين والقادمين من جمهوريات آسيا الوسطى السوفياتية سابقاً ممن يقاتلون في صفوف التنظيمات الإرهابية في سورية، وهذا بالطبع يمثل تهديداً مباشراً لروسيا لاسيما في حال عودتهم لأراضيها، حيث تبين المعلومات بأن عددهم وصل إلى «1700»، وهناك من يشير إلى ضعف العدد، كما ان «داعش» سبق وأعلنت أن روسيا عدو لها.
غموض أميركي
لاشك في أن التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة وحلفاؤها الإقليميون قد أخفق في تحقيق هدفه بإسقاط نظام الأسد أو القضاء على الإرهاب، وخصوصاً بعد تدريب مقاتلي المعارضة المعتدلة من قبل خبراء «سي.اي. ايه» الأميركية ممن انضموا في نهاية المطاف لجبهة «النصرة أو داعش» أو بقية التنظيمات الإرهابية، أما بشأن تنفيذ ضربات التحالف الجوية وقصفها فيكشف الكاتب «كاكبرن» في مقالة له بصحيفة الإندبندنت البريطانية بأن «التحرك الروسي جاء ليمنع انهيار نظام بشار الأسد وخاصة في ظل امتناع الولايات المتحدة الأميركية وحلفائها عن قصف ميليشيات الدولة الإسلامية بالمناطق التي يواجهون فيها قوات بشار الأسد، فهم لايزالون منقسمين على أهداف وأولويات مختلفة إضافة إلى ضعف المعارضة السورية وانقسامها».
بالمقابل، تتهم روسيا الولايات المتحدة بالتناقض في مواقفها وتضارب تصريحاتها، وأن ثمة غموضا يستشعره المحللون فيما يتعلق بافتقار (باراك أوباما) للوضوح والرؤية والجرأة إزاء مواجهة الفوضى في سورية، بل والالتباس في موقفه ورد فعله من التدخل الروسي الذي عبر عنه السناتور جون ماكين قائلاً: «إن هذه الادارة أثارت الحيرة بين أصدقائنا، وشجعت أعداءنا، وخلطت ما بين الإسراف في الاحتراس والحذر، واستبدلت المجازفة بالتحرك بمخاطر عدم التحرك... الخ». كذلك أثيرت الشكوك حول التفاهمات الأميركية-الروسية على الخطوط العريضة لحل الأزمة؛ وبالتالي فالضربات سببها فشل المباحثات الروسية-الأميركية وحلفائهم في التوصل إلى اتفاق ينسق جهود الطرفين في كيفية مواجهة داعش في الجمعية العمومية الأخيرة بنيويورك، ما جعل روسياً تتخذ قرارها العسكري بعد ساعات من موافقة البرلمان الروسي.
في كل الأحوال، الثابت هو الخلاف الجوهري حول مصير الأسد وتنحيه خلال فترة ما، واستمرار الاختلاف على الفترة الزمنية للمرحلة الانتقالية، وعلى الصلاحيات التي يمكن أن يتمتع بها الرئيس.
ساحة الصراع
بخصوص ساحة الصراع، فقد بات مدركاً أن النظام يسيطر على أقل من ربع الأراضي، وأن الجيش السوري أرهق وتراجع وتقلص تعداده إلى ما دون 125 الفاً مقابل (250 ألف جندي) من قبل، مقابل سيطرة الدولة الإسلامية والتنظيمات الجهادية على «50 في المئة» من الأراضي، وقرب ميليشياتها على بعد (22 ميلا) من الطريق الحيوي الذي يربط العاصمة دمشق ببقية المدن الواقعة تحت سيطرة النظام، والتقدم والنجاحات التي حققتها قوى المعارضة والتنظيمات الإرهابية في الجنوب عبر استيلاء «جيش الفتح» على أدلب وجسر الشغور والتقدم نحو اللاذقية وقصف دمشق، وسيطرة «داعش» على حقول النفط والغاز ومدينة تدمر الأثرية وغيرها، كل هذا وذاك أصبح يهدد بقاء النظام ودفع بموسكو للتدخل تحسباً لأي مفاجآت ميدانية قد تعجل بسقوطه، الذي يمثل بحق كارثة وخسارة كبيرة لروسيا ونهاية لنفوذها في منطقة الشرق الأوسط.
ختاماً، واضح أن التدخل الروسي ليس عابراً، والمعضلة فيما إذا كان حقاً سيقضي على الإرهاب ويساعد في إنضاج التسوية السياسية والمحافظة على وحدة الجغرافيا السورية وإنقاذ مؤسسات الدولة، أم إنه سيؤدي لإغلاق أبواب الحل السياسي ولمزيد من التخندق الطائفي والمذهبي والإثني، والأسوأ أن يقود إلى حرب عالمية.
إقرأ أيضا لـ "منى عباس فضل"العدد 4778 - الثلثاء 06 أكتوبر 2015م الموافق 22 ذي الحجة 1436هـ
It might be a trap for Russia
يمكن تكون فخ لروسيا و لاشغالها بالحرب السورية على حساب أشياء اخرى.
سوريا
هذه الحرب العالمية الثالثة 100% هذه حسابات المخابارات الروسية والاميركية
سوريا حلال زلال على روسيا، أهم شيء إيران تطلع منها
حتى لو كان هناك تذمر هنا و هناك من الغرب و بعض الدول العربية، أن تكون سوريا تحت الهيمنة الروسية أفضل من أن تكون تحت السيطرة الإيرانية. على الأقل روسيا تحت قيادة بوتين دولة عاقلة مرنة تفهم قواعد الإشتباك، عكس إيران دولة مشاكل. خل روسيا تصلح سوريا و تقعد فيها، لا مانع من ذلك.