في قانون الحياة أنه إذا توقفت فاعلية الكائن أو المؤسسة أو الأمة فإنَّ النهاية هي الوهن الذي بدوره يقود إلى الموت البطيء، لكن المحتم.
لِنحاولْ تحكيم قانون الحياة ذاك على مؤسسة الجامعة العربية التي تواجه الآن تحديات وطنية وقومية كبرى لم تواجه مثلها طيلة تاريخها. وهي تحديات تاريخية مفصلية بالغة التعقيد والحساسية، بحيث تحتاج مواجهتها إلى حيوية في الحركة، وإبداع في التحليل والفهم، وفاعلية في الوصول إلى حلول واقعية معقولة متوازنة.
لكنَّ هذه المؤسسة القومية أثبتت عبر الأربع سنوات الماضية أنها تفتقر في اللحظة الراهنة، المليئة بالمآسي والفواجع والتحديات، إلى أي من تلك الحيوية أو الإبداع أو الفاعلية المطلوبة.
في مسرح اليمن المنكوب يتواجد بقوة رجالات هيئة الأمم المتحدة ووسطاء الخير من مثل رجالات سلطنة عمان ومندوبو هذه الدولة الأجنبية أو تلك، لكنك لا تسمع حسّاً فاعلاً ولا ترى مشروعاً سياسيّاً مقترحاً من قبل الجامعة العربية.
إلى سورية المعذبة المنهكة، المعرضة للحروب الأهلية والتقسيم، والخروج من أهم ما كان يميزها من أثواب العروبة والروح الوحدوية، يأتي مندوبو هيئة الأمم المتحدة والغرب الأوروبي وروسيا، ويسرح ويمرح كل من هبَّ ودبَّ، لكن لا وجود ولا حس لجامعة الدول العربية.
يتكرر المشهد ذاته في ليبيا، التي دمرها التدخل العسكري الأجنبي، بمباركة عربية مخجلة، إذ لا تسمع إلا صوت الأمم المتحدة وهي تحاول إنقاذ ما يمكن إنقاذه، بينما تقبع الجامعة العربية في الظل، وتمارس التقية الدبلوماسية.
وينطبق أمر ذلك الغياب المريب في كل ساحة عربية تعج بالمشاكل والمحن، امتداداً من السودان إلى الصومال، من العراق إلى لبنان، من الكويت إلى البحرين، من الأردن إلى فلسطين، من كل قطر عربي إلى كل قطر عربي آخر. في كلها تسمع بتواجد أشكال من الوساطات والتدخلات الخارجية، لكن الجامعة العربية تبدو وكأنها شاهد لا يرى ولا يسمع.
قارن كل ذلك بحيوية وفاعلية مؤسسات الاتحاد الأوروبي المتواجدة في بروكسل، كيف أنها صوت يعلو في كل ساحات المشاكل الأوروبية: في اليونان، في أوكرانيا، في الاقتصاد، في موضوع الهجرة المتعاظمة إلى أوروبا، وكثير غيرها من الساحات. هي تتواجد باستقلالية في الرأي وفي الفعل، وبقدرة على القيادة.
إذا كان هذا المشهد المفجع لن يقود إلى تفكير عميق وجدي لإصلاح هذه المؤسسة القومية المشتركة، التي تكالب عليها عمى البصيرة لدى أعضائها، وهوسهم بسيادتهم الوطنية، وعدم استجابتهم لنداءات ضرورة الإصلاح من قبل قيادات أمانات الجامعة المتعاقبة، مما جعلها كسيحة مهترئة فاقدة لأية إرادة ذاتية مؤثرة في الحياة العربية، فإننا أمام أعضاء فقدوا الحس بالمسئولية القومية العربية المشتركة أمام أهوال مصيرية لم يعرفها تاريخ أمتهم عبر القرون.
موضوع إصلاح الجامعة العربية، وتعديل ميثاقها على الأخص، ليس بجديد. لقد بدأت المحاولة بعد ثلاث سنوات من تأسيس الجامعة في العام 1945، وذلك عندما طالبت سورية وضع موازين وضوابط قومية على تصرفات أعضائها بهدف منع أي منها من التعاقد مع أية دولة أجنبية إلا بعد التفاهم مع الجامعة على أسس ذلك التعاقد والتأكد من أنه لن يضر المصلحة القومية المشتركة.
وبعد تلك المحاولة جرت محاولات كثيرة من قبل بعض الحكومات العربية، بل ومن بعض رؤساء الدول، وطرحت أفكار تجديدية معقولة، وكونت لجان لتقديم مقترحات محددة لتعديل الميثاق، وإجراء إصلاحات هيكلية، وإيجاد مؤسسات مدنية مرتبطة بالجامعة ومسمعة لصوت المجتمعات العربية، بل وبحثت كل تلك الأمور في عدة اجتماعات من قمم الرؤساء العرب، لكن كل تلك المحاولات والجهود المضنية ذهبت هباءً.
لقد أراد البعض أن تبقى الجامعة مظهراً كاذباً للتضامن العربي غير الموجود، وأن يكون باستطاعة أية دولة عربية، مهما صغر حجمها وقلت أهميتها في الميزان العربي القومي، أن توقف القرارات العربية المصيرية. ولعل تاريخ محاولات الجامعة لتكوين موقف موحد ملزم تجاه الاستيطان الصهيوني في فلسطين المحتلة خير شاهد على هوان مؤسسة الجامعة وقلة حيلتها.
لا نحتاج إلى أن يذكرنا أحد بتصريحات وبيانات الجامعة بين الحين والآخر، ولا بحضورها هذا الاجتماع أو ذاك. فكل ذلك ليس أكثر من حضور حفلات الزواج ومآتم التعزية. المطلوب أكثر من ذلك بكثير. ولقد كتب الكثير من المحللين والمفكرين السياسيين العرب عن ذلك وقدموا عشرات المقترحات؛ لتفعيل دور الجامعة، ولجعلها لاعباً أساسيّاً في إطفاء الحرائق، وتقريب وجهات النظر، وفي ممارسة الضغوط إن لزم الأمر، وفي تفعيل كل المؤسسات الفرعية التابعة لها؛ لتصبح مساهمة في نهضة العرب.
الآن، بعد مرور سبعين سنة على تأسيس هذه المؤسسة، حان الوقت لأن تتوقف الأقطار العربية عن اللعب الطفولي المستهتر بالجامعة العربية وأن تصلح الجامعة وميثاقها لكي نعود إلى الأصل: وجود جامعة تساهم في تحقيق تطلعات الشعوب العربية وأحلامها المشروعة في تضامن عربي حقيقي يؤدي إلى وحدة أمة العرب ووطنها.
الخطوة الأولى هي ألا تقل قوة وفاعلية مؤسسة العرب المشتركة في القاهرة عن قوة وفاعلية مؤسسة أوروبا المشتركة في بروكسل. أيّ سخف نمارسه حين لا نتعلم من إبداعات ونجاحات الآخرين.
إقرأ أيضا لـ "علي محمد فخرو"العدد 4766 - الخميس 24 سبتمبر 2015م الموافق 10 ذي الحجة 1436هـ
السلام
دكتور علي فخرو....لو عملت مشروع و مانجح ويش بتسوي بتغلقه لو بتواصل على الخسارة طبعا بتغلقه.
ويش منه فايده هذه الجامعه لا حلت مشكلة فلسطين و لا سوت أي شيء يشفع لها لتبقى. ارجوا من الأخوه الي يصرفون على هذا المشروع الفاشل ( الجامعه العربية ) إغلاقه.
الجامعة تحتاج قياده عادله
تخاف الله تقول الحق ولو على نفسها لا كما يقول الشاعر : اذاكان رب الدار بالطبل مولع
فشيمة اهل الدار كلهم الرقص.
الكاسر
المشكلة المجاملات بين الدول العربية هي السبب في تراجع سمعة الجامعة العربية
كلام من ذهب
احسنت يا دكتور فهذا الكلام يجب ان يجعل منه نبراس يحتذا به . وشكرا لزائر رقم 1 فكلامه صحيح 100% 100 يجب اصلاح هذه المؤسسه واخراج من هو ليس بعربى عن هذه المؤسسه العربيه لانها ليست لوسيط أو كحكم بين متخاصمين بل ه سيف حكام عل محكومين فقط وتديرها القوى الكبرى المهيمنه.
اذا عرف السبب بطل العجب
بالاضافة الي حالة العرب عموما و أساسا علي المقولة التي تقول الظاهر عكس الباطن ، فان ترأس الجامعة بواسطة من ليس نبيلا و لا عربيا احدي الاسباب لهوان هذه المؤسسة الشكلية العديمة الفائدة.