عندما تقول: قارة آسيا فإنك تُحدِّد أرضاً مساحتها 44 مليوناً و579 ألف كيلومتر. لكن عندما تقول: مملكة البحرين فإنك تشير إلى أرض لا تزيد مساحتها عن الـ 765 كيلومترا. وعندما تتحدث عن قارة إفريقيا فأنتَ تشير إلى أرض تصل نفوسها إلى مليار و22 ألف نسمة. لكن عندما تقول جمهورية غينيا الاستوائية فإنك تتحدث عن بلد يسكنه 600 ألفَ نسمة فقط.
عندما تقول رأيتُ رجلاً أوروبياً فأنتَ لم تُخصِّص من أيّ دولة هو، وبالتالي فأنتَ تحتمل أن يكون من إحدى 50 دولة هي مجموع دول أوروبا، وواحداً من بين 740 مليون أوروبي، هم شعبها. لكن عندما تقول رأيتُ رجلاً بلجيكياً فهذا يعني أنه واحد من بين 11 مليوناً هم عدد سكان بلجيكا، ومن أرض لا تزيد مساحتها عن الـ 30 ألف كم.
وعندما تقول انه بلجيكي من مدينة بروكسل، فأنتَ استثنيتَ 19 منطقة في بلجيكا وحدَّدتها ببروكسل، وبالتالي فهو واحد من بين مليون و138 ألفاً فقط. وعندما تقول بأنه من بروكسل ولكن من منطقة هارين أو نيدر أو أوفر فأنتَ صرتَ نُخصِّص الشخص أكثر فأكثر. وعندما تُخصِّصه أكثر فهذا يعني أنكَ ترسم ملامحه وموقعه وتستطيع أن تعرف سماته أكثر فأكثر.
ما أودُّ أن أقوله، هو أن اتساع المكان يعفينا من معرفة دقائقه وتفاصيله. كما أن ضِيق المكان يجعلنا أكثر قدرة على تحديد أجزائه وتفاصيله. في الحالة الأولى يكون الإنسان أكثر حرية في ذكر أوصاف المكان، بحيث يكفيه أن يقول بأنها منطقة شاسعة، وجبالها شاهقة على امتداد البصر. أما في الحالة الثانية فإنه يصبح مُلزَماً أن يذكر تفاصيلها بدقة كون كل تلك المنطقة هي في مرمى نظره، وفي محجر عينيه.
هامش الخطأ في المكانيْن يصبح مختلفاً أيضاً. فمسئوليتك في ذكر أوصاف المنطقة الأكبر بدقة، أقلّ بكثير من مسئوليتك حين تذكر وصفاً لمنطقة صغيرة؛ والسبب أن قدرتك على استيعاب المحيط في المنطقتين متباين؛ نظراً لأن مدى عينيك مختلف. بل وحتى سماعك لما فيهما من أصوات يصبح مختلفاً وليس فقط إحصاؤك للبشر، وكامل الحركة المرئية فيهما.
هنا، أصل إلى ما أريد قوله. ذات الأمر ينطبق على كيفية تعاطينا مع الأحداث وأخبارها. فعندما تقول وقع انفجار في منطقة ما، وأدَّى إلى حدوث إصابات مختلفة، هو أكثر دقة من أن تقول بأن ذلك الانفجار قد خلَّف 4 قتلى و20 جريحاً، والسبب أنك حدَّدتَ الإصابات أكثر، وبالتالي تُصبح عليك مسئولية أكبر. فكلمة إصابات تحتمل أشياء كثيرة، تبدأ من الجروح البسيطة وحتى البالغة المُفضِية إلى الموت، لذلك فأنتَ تمنح نفسك فترة سماح للتوقعات والمفاجآت.
أما الجَزْم بالنتائج فأنتَ تكون أمام أمرين: إما أن تصبح صادقاً عندما يتأكد الشيء، وإما أن تصبح كاذباً عندما يصبح جَزْمُك بلا دليل. لو أن أحداً أخذ جولة على كيفية صياغة الأخبار في الوكالات العالمية لرأى كيف تتوخى الدِّقة في نشرها الأخبار (ولا أعني الصياغة التحريرية)؛ لأنها تدرك مدى المسئولية الملقاة على عاتقها الضامنة للمصداقية، وعدم إشاعة البلبلة.
لو قرأنا جزءًا من أخبار واحدة من أهم وكالات الأنباء العالمية وهي «رويترز» والتي عمرها اليوم 164 عاماً، لرأينا كيف يكتبون أخبارهم بدقة. ففي بعض الأخبار يذكرون: «وقال شخص على دراية بالقضية». أو «وكتبت ديانا لوش زوجة داردن على فيسبوك» أو «وتحدث سكان عن ليلة هادئة»، ثم يذكرون «لكن مسئولين محليين» ليشيروا إلى ما يُناقضه، كل ذلك من أجل الحرص على الدِّقة.
وحتى عندما يستنطقون أحداً عبر صفحته الرسمية على أحد مواقع التواصل الاجتماعي من قبيل: «وقال لرويترز عن طريق فيسبوك من ستوكهولم أنه لا يمكنك أن تخوض حرباً أو تعيش في بلد فيه هذه الظروف. الساسة نهبوا البلد باسم الدين»، يقفلون هذه الفقرة بـ «ولم تستطع رويترز التحقق من مصدر مستقل من هوية المقاتل»؛ لكي لا تتحمَّل مسئولية ذلك، ما دام الأمر يحتمل الكذب، بالرغم من أنها وكالة عالمية وعريقة في نقل الأخبار.
الحقيقة، أن مدعاة هذا الحديث هو ما يتم تناوله وبشكل يومي، بل وفي كل ساعة من أخبار مكذوبة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وبالتحديد عبر برنامج التراسل الفوري (الواتس اب). ففي كل ساعة تنهمر عليك الأخبار من كل حدب وصوب، وجُلّها أخبار مكذوبة، لا أساس لها من الصحة. فهي تستند في أغلبها إلى قناعات وأهواء مَنْ كتبوها لا أكثر ولا أقل، وبالتالي فهي ليست أخبارا بل تمنيات، أو ضغائن يتم بثها بين الناس لتكريس الجهل والبلاهة فيما بينهم.
يضعون صورة لطفل أو شاب أو امرأة، ثم يكتبون حولها ما يتمنّون من أخبار، دون أن يتحققوا من الأمر، بل إنهم قد يتسللون إلى خصوصيات الناس عبر ذلك الكذب. وهناك أخبار أخرى دولية، يتم بثها بلا دليل. ولو كلَّف أحدهم نفسه باحثاً عن أصل الخبر فإنه لن يجد له أصلا بالمرة. لذلك، تتساءلون: كيف ينتشر الجهل بين الناس؟! إن هذا السلوك هو أحد أهم الأسباب التي تجعل الناس في لَغْوٍ وهراء، وأن يتلبّسهم الجهل، كبيرهم وصغيرهم، وعند جاهلهم وعالمهم.
إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"العدد 4765 - الأربعاء 23 سبتمبر 2015م الموافق 09 ذي الحجة 1436هـ
هناك دلائل تدمي القلب فعلا
للأسف يقومون بتداول كل ما مكتوب دون التدقيق فيه ولا من كتبه . قبل فترة قام البعض بالترويج عبر الواتس ضد أصحاب إحدى المهن البسطاء وقبلها ينشرون صور شاب وزوجته الأجنبية ليتم التعليق عليهما بكلمات نابية دون مراعاة لخصوصية الناس وربما كانت هذه الصور قد تسربت بالخطأ بل وكأن الزواج بأجنبية جريمة لا تغتفر رغم أن العديد من الانبياء والائمة تزوجوا من خارج شعوبهم. انتم محاسبون على ما تقومون به يا عشاق الواتس والاخبار الكاذبة
كل عام وانت بخير أستاذي
أتوقع أن أسوأ من وظف وسائل الاتصال
نحن العرب
وهي سياسة هدف منها تشويش العقول وصرفها لتوافه الأمور
ونجحت السياسة