طالب عضو الأمانة العامة في جمعية التجمع القومي الديمقراطي محمود القصاب، بالتحول الديمقراطي الحقيقي في البحرين، فيما حمّل الأمين العام لجمعية المنبر الديمقراطي التقدمي عبدالنبي سلمان، القوى الوطنية مبادرة للخروج من الأزمة السياسية التي تمر بها البلاد.
جاء ذلك، خلال الندوة التي عقدتها جمعية المنبر الديمقراطي التقدمي، مساء يوم الأحد الماضي (13 سبتمبر/ أيلول 2015)، بالتزامن مع اليوم الدولي للديمقراطية. وخلال الندوة، دعا القصاب لأن يكون اليوم العالمي للديمقراطية فرصة لمراجعة مسار تجربة البحرين الديمقراطية واستخلاص دروسها، وذلك في إطار السعي لاستشراف آفاق التطور الديمقراطي المستقبلي في البلاد ومستلزمات وشروط هذه التطور بعد أن دخلت البحرين في نفق أزمة مستعصية لا يبدو في الأفق ما يوحي بقرب حلها، على حد قوله.
وتطلع القصاب لأن يتم بلورة توافق وطني بشأن متطلبات الخروج من هذه الأزمة، وتجديد انطلاقة العملية الإصلاحية الديمقراطية بالزخم الذي يتفق مع حجم وطبيعة التحديات الداخلية والخارجية التي تواجهها البحرين والمنطقة عموماً.
وقال: «نأمل أن تكون قد توافرت قناعة تامة عند السلطات الرسمية بأن خيار التلاقي مع المطالب الشعبية العادلة والمحقة، يمثل أقصر الطرق لتجاوز حالة الاستعصاء السياسي والاحتقان الاجتماعي والطائفي والتأزم الاقتصادي».
وتابع: «إن مسار التجربة الديمقراطية الإصلاحية منذ انطلاقها والمآل الذي وصلت إليه حتى وقتنا الراهن يؤكد أن الديمقراطية في بلدنا ليست بخير وأنها تشكو من بعض العلل والخلل، ولو كانت هذه الديمقراطية سليمة ومعافاة لما حصلت الأزمة التي عصفت بالبلاد قبل ما يزيد على أربعة أعوام، ولما اتخذت كل هذه الأبعاد الكارثية ولما فشلنا جميعاً في حلها عبر أحد أهم آليات الديمقراطية وهو الحوار بين كل أطراف الأزمة».
وأشار إلى أن مرحلة انطلاقة المشروع الإصلاحي في البلاد، جسدت مصالحة تاريخية بين السلطة والقوى الشعبية والسياسية من جهة، وبين القوى السياسية نفسها على مختلف توجهاتها الفكرية والسياسية من جهة ثانية، وأنه تحت مظلة الحكم تمت بلورة عقد اجتماعي جديد من خلال ميثاق العمل الوطني الذي مثل تحولاً ديمقراطياً قاد إلى ترسيخ وحدة المجتمع وتماسكه واستقراره قبل أن يتعرض هذه الاستقرار والتماسك إلى اهتزاز واضطراب في أعقاب تفجر الأزمة الراهنة، على حد تعبيره.
وقال: «إن تحويل العملية الديمقراطية إلى مجرد قشرة خارجية خالية من الروح والمضمون الديمقراطيين، يجعل أي عمل سياسي مجرد قفزات في الفراغ لا معنى ولا قيمة له، بل يمكن أن يحول هذا العمل إلى أداة لإعاقة أو إحباط تطور العملية الديمقراطية نفسها، كما أنه يفسح المجال للقوى الرافضة للإصلاح وللتحول الديمقراطي ويوفر لها القدرة على احتواء انطلاقة الديمقراطية وإجهاضها بكل الوسائل وبكل الذرائع والحجج».
وأضاف قائلاً: «من شأن التراجع في المسار الديمقراطي أن يطلق العنان لبعض المقولات المضللة بشأن عدم جاهزية واستعداد شعبنا للسير في ركاب الديمقراطية والتي قد تعزوها إلى أسباب ثقافية أو اجتماعية أو دينية أو طائفية. بينما الحقيقة أن من يروج إلى هذه النمط من المقولات هو في الواقع لا يريد ولا يؤمن بالديمقراطية من الأساس، لأنها تتعارض مع مصالحه، وهو ما يجعل هذا البعض يستميت في إفشال كل خطوات الإصلاح والتغيير ومحاولة تعطيل العملية الديمقراطية».
وأكد القصاب على أن الديمقراطية عملية تراكمية، وأن المجتمع لا يمكن أن يتحول إلى الديمقراطية بين ليلة وضحاها، لكنه أكد على أهمية أن يبقى خط سير التحول الديمقراطي صاعداً حتى وإن كان تدريجياً وطويل المدى، أما التراجع والتذبذب في المسيرة الديمقراطية وإبقائها عرضة للانتكاس وللمزاجية، فإن ذلك يلحق الضرر بالعملية السياسية وبالمصالح الوطنية العليا، وفقاً له.
وقال: «الديمقراطية لا تقتصر على السماح للقوى السياسية بالعمل العلني، أو إجراء انتخابات برلمانية أو بلدية، بل هي نظام لبناء الوطن وتطوره على أسس سليمة وصحيحة، وبناء ذات المواطن أيضاً عبر إغنائها بقيم العدالة واحترام الحقوق ومبادئ الرأي والرأي الأخر وحق التعبير والعمل والتعليم، وقبل كل ذلك ضمان مبدأ المواطنة المتساوية».
واعتبر القصاب أن التنوع والتعددية السياسية والفكرية والاجتماعية في البحرين، يجب أن تكون مصدر إثراء للحياة السياسية والاجتماعية والفكرية والثقافية، وخصوصاً إذا ما انصهرت هذه التعددية في بوتقة الديمقراطية التي تكفل للبحرين وشعبها استقراره وقدرته على مجابهة مختلف التحديات والأخطار، وأنه في المقابل فإن غياب الديمقراطية أو ضعفها يعرض النسيج الاجتماعي للضعف ويهدد وحدة المجتمع.
وذكر بأن البحرين لا يمكنها أن تتجنب تأثير المتغيرات والتطورات الإقليمية وتداعياتها السلبية، إلا بتماسك المجتمع في ظلال الديمقراطية وإفساح المجال لكل القوى السياسية وقوى المجتمع المدني للقيام بواجباتها في حماية الجبهة الداخلية، وأن تصبح شريكاً في إدارة شئون البلد وصنع القرار.
واستدرك بالقول: «القوى السياسية الفاعلة في أي بلد أو نظام ديمقراطي هي أساس الحياة السياسية، وهذا ما يجعلنا نطالب بإطلاق حرية العمل السياسي لهذه القوى، وتجنب أية إجراءات أو قرارات تفاقم من ضعف هذه القوى أو حشرها في مساحة محدودة من الفضاء السياسي، والتوقف عن تضييق الخناق على هذه القوى».
وأضاف: «هناك زخم في مسار التحول الديمقراطي على مستوى المنطقة العربية، والمشهد السياسي في المنطقة سوف يطاله تغييراً كبيراً، ودون شك سيكون لهذا التغيير انعكاساً هاماً على أوضاعنا الداخلية لا تستطيع البحرين تجاهله، وخصوصاً في مسألة الاستمرار في مسار الديمقراطية والإقدام على تغييرات وإصلاحات ضرورية وحقيقية، مهما كان الشكل أو النهاية التي سوف تنتهي إليها الأقطار العربية الملتهبة حالياً».
وأشار القصاب إلى أن مفتاح التعامل مع كل المتغيرات هو التحول الديمقراطي الحقيقي، وفتح القنوات للحوار الوطني مجدداً للوصول إلى حلول سياسية لكل الأزمات، حتى تتمكن البحرين من الإمساك بزمام الأمور الداخلية والوقوف في وجه كل العواصف والتهديدات وهزيمة العنف والتطرف والإرهاب بكل أشكاله ومصادره المختلفة.
واعتبر أن أحد أهم أوجه مواجهة الأزمات والمحن والصراعات وتداعياتها الكارثية هو خيار الديمقراطية، وأنه مهما كانت المعوقات أو التحديات يبقى هو أسلم الخيارات وأقلها كلفة.
ومن جهته، أكد سلمان على أهمية استمرارية التذكير بالتحول الديمقراطي، وخصوصاً أن البحرين تعيش أزمة سياسية مستمرة، وقال: «من الإجحاف تجاوز اليوم الدولي للديمقراطية الذي تؤكد الأمم المتحدة أن الغرض الأساسي منه هو ترسيخ قيم الديمقراطية وترسيخ مكون أساسي من ممارسات حقوق الإنسان، ولذلك لا بد للشعوب والأنظمة أن تتوافق بشأن هذا المبدأ لكي تسير الأمور بطرق أكثر انتظاماً».
واعتبر سلمان أن الدول التي مرت بما يسمى بالربيع العربي مازالت تعيش حالة مخاض عسير، عدا تونس التي اعتبرها حالة أكثر تطوراً وتجاوزت مصاعبها الداخلية، متهماً في الوقت نفسه عدد من الدول العربية، التي لم يسمها، بتخريب مؤسسات المجتمع المدني وتدمير الأحزاب السياسية بطرق مختلفة والأخذ بالعمل الديمقراطي الشكلي عوضاً عن جوهر العمل الديمقراطي الحقيقي الذي تتطلع إليه الشعوب العربية منذ عقود طويلة، على حد تعبيره.
وقال: «من المسلمات الحديث عن الوضع البحريني باعتبارها مازالت وستبقى لفترة ليست بالقصيرة تعيش ذات الأزمة السياسية المعقدة التي تداخلت فيها الكثير من الإشكالات وفرضتها الحالة الخاصة للبحرين في تعاطي النظام السياسي مع الأزمة».
وحمّل سلمان الحكومة مسئولية المبادرة لإيجاد حلول للخروج من الأزمة السياسية التي تمر بها البلاد منذ فترات طويلة، مشيراً إلى التحديات التي تواجهها عدد من الدول العربية، كالبحرين والعراق وسورية، وأن العامل المشترك في هذه المسألة، هو الوصول إلى حالة من الأفق المسدود من جانب الأنظمة والشعوب.
واعتبر أن الحالة المذهبية والعرقية المتفشية في عدد من الدول العربية، من بينها البحرين، جعلت هذه الدول تعاني من ذات الأزمات ومن حالة الفوضى العارمة التي تعتبر أشد من الاستبداد، وجعلت الحديث - على حد قوله - عن الاستبداد وكأنه حالة متقدمة على حالة الفوضى التي تعيشها كل من العراق وسورية على وجه الخصوص، مشيراً إلى أن التشرذم الاجتماعي الحاصل الآن تسهم فيه قوى محلية وإقليمية ودولية، وأن الحديث هنا لا يتعلق بنظرية المؤامرة فقط وإنما يرتبط باختلاف المصالح الاقتصادية ولأسباب ومسوغات اقتصادية وجيوسياسية بحتة أصبحت تتكثف الآن بسبب الأزمات المالية التي تعيشها المنطقة حالياً، وفقاً له.
وقال سلمان: «الإشكال السياسي في البحرين ستبنى عليه إشكالات مقبلة لا نعلم مدى قدرة الدولة والشعب على تجاوزها، وسوف نتحدث انطلاقاً من الأشهر المقبلة عن وضع اقتصادي واجتماعي صعبٍ جداً، وخصوصاً أننا نجد الحكومة في تخبط وهروب إلى الأمام من هذه التداعيات المقبلة، ولا توجد لدى النظام في البحرين وسائل للخروج من هذه الأزمة، مع استمرار عدم القبول بأبسط شروط الشراكة السياسية في القرار، إذ أعطت الدولة نفسها كامل الصلاحية للتصرف في الواقع الاقتصادي، ولم تتصرف بكامل المسئولية في التعاطي مع ثروات البلد وإنما قادت الناس لعنق الزجاجة».
وأضاف: «على القوى السياسية والمدنية مسئولية استثنائية في هذه الفترة انطلاقاً من أن الواقع الاجتماعي بات أكثر تعقيداً من السابق، وفي الوقت نفسه أصبحت المسئولية الأخلاقية والسياسية أكثر تعقيداً لأن قوى الإسلام السياسي أثبتت أنها غير قادرة على إدارة الواقع، وخصوصاً في ظل التشرذم الطائفي والعرقي، مع تناسي التزامات البحرين كدولة ونظام بالعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية».
وختم سلمان حديثه بالقول: «الكرة ليست في ملعب الحكومة فقط، وإنما في ملعب القوى السياسية في مسألة الاستحقاق السياسي المقبل، فعلى هذه القوى التفكير جدياً بحل للخروج من الأزمة بأقل الخسائر، وخصوصاً أننا مقبلون على وضع اقتصادي سياسي واجتماعي وصعب، وبات من الأولى بالقوى الوطنية أن تبادر مجتمعة لإيجاد حلول للخروج من الأزمة السياسية».
العدد 4756 - الإثنين 14 سبتمبر 2015م الموافق 30 ذي القعدة 1436هـ