استعرض «منتدى الفكر الإداري» شخصية وأفكار الرئيس التنفيذي السابق لشركة «جنرال إلكتريك» جاك ولتش، بصفته شخصية استطاعت إنقاذ الشركة من الإفلاس في ثمانينات القرن الماضي وتحويلها إلى الربحية والنمو المتصاعد عبر استراتيجية أصبحت أنموذجاً يدرس في الجامعات.
وفي مداخلة للرئيس التنفيذي السابق لشركة ألمنيوم البحرين (ألبا) أحمد النعميي عن جاك ولتش قال: «قبل أن أقرأ عنه أو أسمع له سنحت لي الفرصة للقاء جاك ولتش في العام 1994 من ضمن مجموعة من المديرين من دول مختلفة، كنا ندرس الماجستير في جامعة MIT وزرناه في مكتبه بنيويورك، وشدني حديثه لنا عن التزام شركة جنرال إلكتريك بأخلاقيات العمل وعدم الحياد عنها تحت أي ظرف من الظروف، فوجهت له سؤالاً: يشاع أن العديد من الدول التي تتعاملون معها لا تعتبر السعر والجودة الأساس في قبول العروض المقدمة لها وإنما المصالح الشخصية تطغى على قرارات إرساء العقود وقد فهمت من بعض الزملاء الأميركان في البرنامج عندما دار نقاش بيننا حول مادة الأخلاقيات (Ethics) أنه بغض النظر عن التسميات (عمولة أو ضريبة أو سمها ما شئت) فإنهم في شركاتهم يأخذون هذا العامل في الاعتبار حين يحتسبون كلفتهم ليضمنوا الحصول على العقود، فكيف يمكنكم المنافسة في هذه الأسواق وكسبها إذا لم تتعاملوا بنفس الطريقة؟ فأجابني: أود أن أؤكد لك أنا خسرنا صفقة لبناء محطة كهرباء تقدر بمئات الملايين في دولة لصالح شركة عالمية أخرى لأننا رفضنا أن نحيد عن مبادئنا وعدم الاستسلام لضغوط تصب في مصلحة أشخاص معنيين، وهذا ما يميزنا عن الغير وبذلك كسبنا ثقة واحترام السوق إجمالاً وتقدمنا لنكون من الشركات الرائدة عالمياً في مجال الطاقة وهذه استراتيجيتنا لتأكيد استدامة عمل شركتنا وربحيتها».
وذكر في المداخلة أنه كان لرد ولتش صدى إيجابي وكان محور نقاش عن أخلاقيات العمل وتأثيرها على التنمية المستدامة للمؤسسات، وكان سبباً للإعجاب بشخصية وفكر هذا القيادي واعتباره أنموذجاً يتحدى به في النزاهة والتعامل، مستشهداً بمسح أجري من إحدى الجامعات في العام 2000 حول أخلاقيات العمل والذي يبين أن 26 في المئة من الموظفين على جميع المستويات في الشركات في جميع أنحاء الولايات المتحدة يكذبون على عملائهم ومورديهم والجمهور، مستدركا بأنه وفقاً لقراءته لفكره الإداري وتعامله مع الموارد البشرية واختلاف آراء الكتاب حوله، جعله في دوامة حول بعض التصرفات تجاه العاملين وهل يحتاجها شخص مثل جاك ولتش ليؤكد نجاحه وهل مثل هذا الفكر يصلح في عصرنا الحالي وفي بيئتنا ليضمن استدامة نجاح المؤسسة؟
وخلص في مداخلته إلى أن جاك ولتش يعتبر من الشخصيات التي دخلت علم الإدارة من باب واسع فأصبح لبنة من لبنات التاريخ الإداري، وأن أفضل القادة هم أولئك الذين يعرفون كيف يحولون الطاقة والحماسة والتحدي إلى أفعال ونتائج، كما ويعلمون كيف ينفذون ذلك، مستدركاً بأن بعض الممارسات التي تركت آثارها في جنرال إلكتريك تتضارب مع هذا النهج، وأنه على رغم النجاح الباهر لجاك ولش فإن هناك البعض من المفكرين مثل Cordon Bleu يرون أن هناك نماذج أفضل للقيادة تتناسب مع التطور التكنولوجي في المؤسسات.
من جانبه، أشار الرئيس التنفيذي لشركة "ريف" محمود الكوفي، إلى أن شخصية ولتش مثيرة للجدل في عالم الإدارة ومن الشخصيات التي صنعت التاريخ، وقد امتدت ولايته كرئيس تنفيذي ورئيس مجلس الإدارة في شركة «جنرال إلكتريك» من العام 1981 وحتى 2001، عد فيها من مديري العصر واستحق في منتصف التسعينات جائزة كمدير للقرن.
ونوه بأنه استطاع أن يصعد بالقيمة السوقية لـ «جنرال إلكتريك» من 28 مليار حينما استلمها إلى فوق 400 مليار حينما خرج منها، وأصبحت الشركة من أكبر شركات العالم، وحينما تقاعد ولتش صعد لوظيفته الشاغرة ثلاثة أشخاص، سعت الشركات فيما بعد وتنافست لاستقطابهم.
وذكر أن ولتش كان خلال فترة التسعينات أصغر رئيس تنفيذي في العالم في مجال الإدارة وكان ملهماً للكثيرين كونه صاحب رؤية وقادراً أيضاً على تحقيق رؤيته وأهدافه وذلك على مستوى حجم الشركة، وخلال 5 سنوات الأولى في «جنرال إلكتريك» سرح أكثر من 120 ألف موظف، فيما أسس معهداً خاصاً به بعد خروجه منها.
وعلق الكوفي بأن ولتش كان يركز على دور إدارة الموارد البشرية وأنه مهم جداً في المؤسسات، فيما كان يعيش بثلاث كلمات في اليوم وهي التفاعل والربحية والابتكار، ويرى أن الموظف حينما يتجاهل تلك الكلمات فهو غير مرحب به.
وأضاف أن ولتش لم يكن قاسي القلب - كما يردد كثيرون - وهو من أكثر القادة الذين اهتموا ببناء الإنسان، وقبل أن يخرج من جنرال إلكتريك أسس أكاديمية أو معهداً داخلها ليتأكد أن رؤيته لا تظل حكراً عليه وكان يحتك مع المسئولين والموظفين ليفهموا تلك الرؤية.
وأشار إلى أن ولتش كان يهتم بمخرجات الإنتاج والتذوق الإداري ولديه شغف بجودة الإنتاج، كما كان يطالب دائماً بعدم إساءة التعامل مع الموظفين ذوي الأداء المتدني وكان معارضاً في المقابل لمساواتهم بالمتميزين ويمنحهم الفرصة لتحسين وضعهم.
أما الخبير الإداري منصور القطري فقد وصف ولتش بأسطورة العصر في الإدارة، متطرقاً إلى بعض كتبه وهو الفوز وحول القيادة والذي تحدث فيه عن أربعة معطيات وهي الطاقة والتحفيز وروح التحدي ويفعلون ما يقولون، فيما تساءل عن مدى جدوى استعراض سماته وما إذا كان ذلك سقف طموح الإدارات العربية.
وقال القطري: «ولتش مناهض لمدرسة الحب في الإدارة ولديه قاعدة 10 إلى 70 إلى 20، ملخصها بأن 20 من الموظفين متميزون يجب مكافئتهم و70 في المئة منهم متوسطون في الأداء يحصلون فقط معاشاتهم، و10 في المئة لديهم أداء منخفض ويجب تسريحهم، وذلك يدلنا على أبرز سمات هذه الشخصية وهي الحزم والصرامة».
وتساءل القطري: هل سنكتفي بقراءة السير الذاتية لكل المتميزين الإداريين والثناء عليهم وإبراز قدراتهم ونكتفي بالإعجاب.
وأضاف: «لقد زرت ماليزيا وكتبت مقال لماذا تقدم المسلمون في ماليزيا وتأخروا في الوطن العربي والرسالة التي أريد أن أوصلها هل نكتفي بالإعجاب بالمتميزين، هل ممكن أن نكون واحداً منهم، ولماذا تفتقر تجربتنا العربية لصناعة النجم الإداري والاستفادة منه، لماذا لدينا حالة من الفقر في الموارد البشرية العربية، لماذا لا يكون لنا نجم إداري وسير ذاتية في المجال الإداري، هل ثقافة المجتمع لا تسمح بذلك أم أنه لا يوجد تميز وبالتالي ليست هناك حاجة لكتابة ما يستحق أن يدون، أم هناك حاجز أدبي للاعتراف بصناعة النجم الإداري».
وتساءل: «لماذا لا نستطيع بناء شركات عابرة للقارات على رغم كوننا نوجد في منطقة تقع على بحيرة من البترول وليس لنا علاقة بالمنتج».
وعلق الكوفي، أن أحد الأسباب وراء غياب النجم الإداري في منطقتنا هو سيطرة الشركات العائلية غير المفتوحة على البورصات المتقدمة وهي لم تستطع أن تعبر القارات مع بعض الاستثناءات المحدودة.
مدرب التنمية البشرية جاسم الموالي، أكد على اهتمام ولتش بالموارد البشرية أكثر من المالية، وبين أن هناك دراسة في أميركا تشير إلى أنه يتم الدفع لمدير الموارد المالية 40 في المئة أكثر من الموارد البشرية في حين يتم العكس في اليابان، ورأى أن كلا التوجهين وإن كانا مختلفين إلا أنهما بالضرورة مبنيان على فلسفة ووضع البلد ولربما لو طبق العكس لما نجح.
وتابع الموالي، أن ولتش سئل في مرة كيف تدير شركة بها قرابة مليون موظف، وعلق بأن مهنته تنحصر في أمرين الأول توظيف الأبطال وتوزيعهم في الأقسام والثاني تحفيز هؤلاء الأبطال فكان يؤمن بأقصى درجات التطوير والتمكين.
وتحدث عن قاعدة ولتش المثيرة للجدل (20-70-10)، مبيناً أن رؤيته تركز على أن الموظفين غير المنجزين سنوياً (10 في المئة) يتم تسريحهم، وأن ذلك التسريح لا يكون تعسفياً وإنما مبني على قياس مهاراتهم وبطرق إنسانية كإعطائهم فرصة للإنجاز والبحث لهم عن عمل في نهاية المطاف يتناسب مع قدراتهم.
الإداري مكي عباس رأى أن قاعدة أو نظرية جاك ولتش تواجه مشكلة في تطبيقها في بلادنا، مرجعاً ذلك إلى افتقار كثير من المؤسسات لوضع أهداف حقيقية فضلاً عن عدم متابعة تنفيذها إن وجدت، وأن المؤسسات والرؤساء كل ما يهمهم هو إرضاء المساهمين والذين لن يرون الإداري ناجحاً إلا إذا حقق الربحية.
وتطرق لمشكلة أخرى وهي بحث الموظف عن وظيفة مدى العمر، في حين أن للغرب مفهوماً مختلفاً حول مدى جدوى الوظائف المؤقتة وزيادة ربحيتها.
من جانبه، قال رئيس تحرير صحيفة «الوسط» منصور الجمري: «إن جاك ولتش برز في الثمانينات لأنها فترة انتصار «النيو-ليبرالية» والتي تؤمن بإطلاق يد الشركات الكبرى وتحرير أسواق المال، وهي فترة الرئيس الأميركي الأسبق رونالد ريغان، واستفاد ولتش من هذه البيئة الجديدة، وصعد معها، ولربما أنه لا يتمكن من تطبيق بعض خطواته لو حاولها في هذه الفترة لأن السياسة الاقتصادية بعد الأزمة المالية العالمية وضعت حداً لبعض ما كان مسموحاً به في أسواق المال في ثمانينات القرن الماضي».
وأشار الجمري، إلى أن جاك ولتش نشأ في عائلة كادحة، ولكنه انحاز في نهجه إلى الحزب الجمهوري بسبب استفادته من سياسات ريغان، ويحسب لجاك ولتش جرأته في الأسلوب الإداري وقدرته على التخلص من الموظفين غير المجدين، إذ إنه كان يتخلص من أسوأ عشرة في المئة من موظفيه بصورة مطلقة، وإذا كان هناك أفراد متوسطو الأداء ولكن لأنه حجز فقط 70 في المئة لمتوسطي الأداء، فأما الباقي فيتم اعتبارهم من فئة 10 في المئة الذين يجب طردهم، وهذا كان يتناسب مع فترات التسريحات الكبرى التي شهدتها أميركا في ثمانينات القرن الماضي».
وأضاف، أن «جاك ولتش لديه أفكار غريبة، فمثلاً هو لا يؤمن بنظرية الاحتباس الحراري، وهذا لا يتلاءم مع الإجماع العالمي والناجحين الآخرين في مجال الإدارة».
وعلق الجمري «يحسب لجاك ولتش أنه استطاع تنمية القيادات، بحيث عندما تقاعد كان هناك أكثر من 30 شخصية قيادية يمكنها استلام دفة الشركة، وله مقولة استطاع تفعيلها على أرض الواقع وهي أن القائد الناجح هو الذي يخلق قيادات ناجحة وأفضل منه في الأداء، كما أنه استطاع تنفيذ منهجية «6 سيجما» التي تعتمد الإحصاء لضبط جودة العمليات الإنتاجية، وكان لهذه المنهجية دور كبير في إحداث تغييرات إيجابية في بيئة العمل».
من جانبه، قال الإداري خالد شهاب، إنه عمل في تسعينات القرن الماضي في إحدى الشركات العالمية والتي كانت تستلهم نظرية جاك ولتش، وفي بادئ الأمر كانت الفكرة الأساسية هي تسريح غير المنجزين، وتم اعتماد فكرة قيمة حقوق المساهمين كأفضل فكرة في العالم الإداري وهي ليست استراتيجية، وإنما نتيجة، والنظريات الحديثة في عالم الإدارة، تشير إلى أنه ليس بالضرورة التركيز على الربحية، إذ إن هناك عوامل أخرى ترتبط بالنظام الاجتماعي وتتكامل معه».
وعلق الكوفي، بأن جاك أكد على أن الربح هو أحد الأهداف ولكن الهدف الرئيسي هو التفكير في الزبائن والموظفين.
أما الرئيس التنفيذي لشركة الدعيسي للمواد الغذائية إبراهيم الدعيسي فقال: «بالفعل الشركات العائلية تغلب على القطاع التجاري في الخليج، وبالفعل معظم التجار لا يستطيعون التعبير عن نجاحاتهم، ولكن في المقابل كتجار لدينا سياسات نجحت في إدارة أعمالنا الخاصة إلا أننا في كثير من الأوقات نتحفظ في الحديث عنها من منطلق كون كثير منها تعد من أسرار العمل، كما أن الجرأة في الطرح غير موجودة عربياً وأرجع ذلك لعدم وجود البيئة الحاضنة لذلك».
وبدوره أشار الكوفي، إلى أن جاك لم يكن طفلاً مدللاً، وكان كادحاً ويعمل في الصيف وكان يعاني من الضيق من كون الشركة تملؤها البيروقراطية وقرر الاستقالة وعدل عنها بعد نصيحة زميل له وبعودته كافح البيروقراطية، وكان يرى هدفين أمام عينه وهما رؤيته لما ستكون عليه الشركة فيما لو استلم القيادة وقدرته على هدم البيروقراطية التي تعاني منها.
العدد 4756 - الإثنين 14 سبتمبر 2015م الموافق 30 ذي القعدة 1436هـ
للأمام
للأمام جريدة الوسط في هذه الندوات الإدارية
ممكن التالي ...
مباديء ممكن تكوينها من حاضنات أو مؤسسات صغيرة في عالمنا العربي لتقدم أنموذجاً حياً لمباديء الإدارة المبتكرة المحفزة والمنتجة بأي صيغة كانت، اعتمادا ع ولتش أو استناداً إلى مفاهيم إدارية مُستلهمة بعمق من روح الإسلام ف التطوير والتحفيز والتقدير. استعراض "الوسط" مهم وأراها الأقدر ع تقديم هذا النموذج الملموس في هذا الإطار بغض النظر عن منهجية ومرجعية التفكير، فهناك العديد من المدارس ف الادارة الحديثة. فشكرا للوسط. ومؤمنون بقدرتها ع تقديم الأنموذج الأجمل ف البحرين ف هذا الجانب.