ثمة أوجاع اجتماعية وأسرية مخبوءة، لكنها تزداد وجعاً كلما تُركت زعماً بأنها ستنتهي مع مرور الزمن! في الكثير من البيوت البحرينية معاناة لا تتعلق بالمستوى المعيشي أو الأزمة السياسية أو غيرها، بل هي ذات ارتباط بأنفسنا وبأسرنا، والاهتمام بها بالنسبة لي شخصياً، وبالتأكيد بالنسبة للكثيرين غيري، يوجب العمل مع المؤسسات الأهلية والحكومية من ناحية المشاركة في تقديم المحاضرات وورش العمل والبرامج التثقيفية.
مع شديد الأسف، في الكثير من بيوتنا إهمال كبير جداً للجوانب النفسية... طبعاً، يجهل العديد من الآباء والأمهات وأولياء الأمور بشكل عام مهارات التعامل النفسي والسلوكي مع الأبناء والبنات، وبالذات من فئة المراهقين والشباب، وفي بعض الأحيان من فئة الأطفال، فتتنوع المشكلات بين الاكتئاب والحزن وبين الخوف والقلق والتردد تارة، وبين التهور والشعور باللاقيمة والرغبة الدائمة في الابتعاد عن جو المنزل والاقتراب من الانحراف بمختلف اتجاهاته.
إن الأوضاع المقلقة في الكثير من البيوت البحرينية الناجمة عن المشكلات النفسية وحالة العلاقات المتردية داخل الأسرة ليس أمراً هيناً، وقد تحدثنا مع مجموعة من الباحثين الاجتماعيين والقائمين على الدورات الأسرية التي تنظمها الجمعيات واللجان والمراكز الاجتماعية والشبابية، حيث جاء التأكيد على أن هذه الأنشطة من دورات ومحاضرات تقام أحياناً في اللجان الثقافية والاجتماعية بالمساجد والمآتم وغيرها مفيدة للغاية، ويشارك فيها مواطنون ومقيمون من آباء وأمهات وشباب من الجنسين، ويتبين في تلك اللقاءات مدى الحاجة لتكثيف هذه الأنشطة، بل وتوسعتها بحيث يكون لها حيز كبير في الإعلام الوطني وبشكل مدروس ومكثف، وأن تشمل تلك الأنشطة رياض الأطفال والمدارس بمراحلها الثلاث... نحن في الحقيقة بحاجة ماسة إلى التوغل داخل أنفسنا... داخل بيوتنا... لنزيل تلك الآلام والأوجاع التي تحرم الأسرة من جوها العاطفي وسعادتها واستقرارها.
كانت لنا مع مجموعة من الأخوة والأخوات تجربة انطلقت في العام 2004 وأطلقنا عليها اسم «برنامج رسالة المحبة»، وهذا البرنامج يستهدف الناشئة والشباب ممن يعانون من الاكتئاب والحالة النفسية المتردية والانعزال والتردد وغياب عام الطموح في الحياة، وبداية البرنامج كانت من خلال مطبوعة من 4 صفحات تحوي معلومات وتدريبات وإرشادات يمكن للناشئة والشباب وأولياء أمورهم الاستفادة منها في تنمية قدراتهم وتغيير بعض الأفكار الخاطئة...
ومع الإقبال الكبير، تحول البرنامج إلى ورش عمل وحلقات نقاشية بمشاركة 30 من الناشئة والشباب من سن 12 إلى 20 سنة وأكثر، في تلك الفعاليات، كان من اليسير التعرف على العوامل المؤثرة في شخصية الشريحة المشاركة، منها الخوف والوسواس القسري، الشكوى من إهمال الوالدين والأقارب، القلق المستمر من عدم النجاح في الحياة، علاوةً على تأثير تجارب سابقة انعكست بشكل عقدة تتطلب تشريحاً نفسياً وتدريباً مكثفاً ودعماً لتجاوزها.
لكن كانت هناك مفاجأة أخرى أيضاً؟
ما هي يا ترى؟ كان من أبرز ردود الأفعال التي شكلت مفاجأة بالنسبة للقائمين على البرنامج لم تكن من الشريحة المستهدفة، بل من أولياء الأمور؟! لقد طالب عدد من أولياء الأمور من الفئة العمرية بين 30 إلى 50 عاماً، بتخصيص دورات تناسبهم، واتضح أن نسبة كبيرة منهم يعانون (حسبما دونوا في الاستمارات بأنفسهم) من: شعور دائم بالإحباط في العمل وعدم القدرة على التعامل مع المسئولين ذوي المزاج الصعب، والافتقار لمهارات حل المشاكل الأسرية لاسيما مع الأبناء المراهقين والشباب، ما يجعل من مسألة حاجتهم للمتخصصين والباحثين الاجتماعيين والأسريين كبيرة للالتقاء والتباحث والمساعدة.
البيوت أسرار بالطبع، إلا أنه من الجميل أن نشير إلى ما قدمه المجلس الأعلى للمرأة ووزارة التنمية الاجتماعية (من خلال المراكز الاجتماعية المنتشرة في أنحاء المملكة)، وكذلك جهود وأنشطة الجمعيات واللجان والصناديق الخيرية في الاهتمام بقضايا استقرار الأسرة، إلا أن الحاجة تبدو أكبر، والمقترح هنا أن تبادر وزارة التنمية الاجتماعية والمؤسسة العامة للشباب والرياضة والمجلس الأعلى للمرأة من جهة، ومنظمات المجتمع المدني من جهة أخرى، للاتفاق على برنامج وطني اجتماعي بالاستعانة بالطاقات البحرينية في مجالات التنمية البشرية والطب النفسي والإرشاد الأسري والاجتماعي لإجراء الدراسات والبحوث والعمل على نشر ثقافة (الأسرة المستقرة) عبر أنشطة مختلفة، كما أن المطلوب من الإعلام الوطني بكل وسائله، عدم إهمال قضايا الأسرة... ليكن اهتمامنا باستقرار الأسرة البحرينية هدفاً على أعلى قائمة الاهتمامات.
إقرأ أيضا لـ "سعيد محمد"العدد 4753 - الجمعة 11 سبتمبر 2015م الموافق 27 ذي القعدة 1436هـ