أوصت دراسة متخصصة صدرت حديثا عن المجموعة الدولية لمعالجة الأزمات، الولايات المتحدة وحلفاؤها في العراق، إصدار قرار جديد من مجلس الأمن يؤدي الى الفصل بين عملية نقل السلطة الى حكومة عراقية انتقالية وبين وضع دستور دائم مع تحديد جداول زمنية واقعية لكل عملية، وأيضا الانتقال من سلطة التحالف المؤقتة إلى سلطة مدنية تحت إشراف الأمم المتحدة ومسئولية الإشراف على كلتا العمليتين.
وقالت الدراسة، ان التحديات التي تواجه عملية كتابة دستور عراقي دائم تشمل ثلاثة عناصر أساسية، الأول عدم وجود أية حلول جاهزة كفيلة بحل الأزمة العراقية ، والثاني وجوب إزالة الطابع الأميركي عن عملية إعادة الأعمار عن طريقين، التدويل وإدخال الشرعية الدولية على نطاق أوسع، والثاني وجوب توظيف كل القدرات العراقية بسلطات اكبر للموظفين العراقيين في ممارسة فعلية للسلطة، واعتبرت الدراسة «الشفافية» العنصر الثالث الذي وجدته الدراسة حاسما في المشاركة الشعبية.
ويرأس هذه المجموعة رئيس وزراء فنلندا السابق مارتي اهتساري، ويشارك في عضويتها وزراء خارجية سابقين ودبلوماسيين من عدد كبير من مختلف الدول.
وليس هذا المركز لوحده الذي يهتم بالشان العراقي، فقد نظم البنتاغون زيارة خاصة لعدد من مديري وكبار خبراء مشروعات الأبحاث الأميركية في الشان العراقي، ظهرت نتائج زياراتهم في التحول الحاصل في الموقف الأمريكي من موضوع انتقال السيادة الى العراقيين بالصورة التي حصل فيها اتفاق «الطالباني - بريمر» في 15 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي.
ولكن هذه الدراسة تناولت الموضوع الأهم من خلال بحث ميداني ، لصالح فهم صاحب القرار الغربي ولاسيما الأميركي، الذي توجه الدراسة خطابها إليه بشكل توصيات وشروحا تبدو عصية على فهم صانع القرار في واشنطن وغيرها من العواصم المشتركة في قوات التحالف التي تحتل العراق الآن.
لذلك دعت الدراسة الى طريقة لمعالجة المرحلة الانتقالية، وامكانية ان تؤدي الى عواقب في غاية الأهمية في مستقبل البلد المنظور والبعيد، من حيث رفاهية الشعب وقيام عملية دستورية منظمة في العراق، واحتمالات استمرار نقص الشعور بالأمن والضغوط التي يمارسها المجتمع الدولي لفرض جدول زمني غير واقعي واخيرا عدم توافر الشفافية في هذه المرحلة الانتقالية.
واشارت الدراسة الى ان الولايات المتحدة ستجد نفسها في مأزق، خلال هذه المرحلة نتيجة عدم القدرة على ممارسة العملية الانتخابية او إجراء مشاورات على نطاق واسع، وترجح الدراسة ان واشنطن ستكون مضطرة الى الاستجابة العسكرية التي قد تزيد الأمور سوءا، ومن ناحية ثانية إسراع واشنطن في العملية السياسية في أوضاع غير مستقرة، وتعترف الدراسة ان عملية الإسراع يمكن ان تؤدي الى قيام مؤسسات تفتقر الى التأييد الشامل الذي يضمن الاستقرار السياسي الذي هو بالتأكيد الاهتمام الأول لأية إدارة في واشنطن او في المجتمع الدولي.
وفي كل هذه المساعي يجب ان توكل للأمم المتحدة دورا اكثر أهمية لكي تساهم على نحو حاسم في الإشراف على العملية الانتقالية والسياسية، وتزويد العراقيين بالخبرات الفنية اللازمة لصوغ الدستور وتنظيم عملية تسجيل الأصوات وإجراء الانتخابات (بما في ذلك جمع بطاقات الغائبين من العراقيين والمنتشرين في الدول المجاروة وعدد كبير من دول العالم) وإجراء الإحصاء السكاني العام وعملية الاستفتاء الشعبي على الدستور.
وتوافق الدراسة مع أراء الكثير من القوى السياسية العراقية ، على ان حيادية الأمم المتحدة افضل من الشعور السائد بان مصالح الولايات المتحدة ربما تدبر بعض هذه المصالح في الدستور الجديد.
وترى الدراسة ان إعطاء الأمم المتحدة مثل هذا الدور، لابد وان يكون بشكل سلطة ومسئولية مباشرتين للإشراف على عملية نقل السلطة الحاكمة الى المؤسسات العراقية وعلى عملية وضع الدستور ، وفيما يخص نظام الحكم ، تشدد الدراسة على الأمم المتحدة ان تشرف على عملية توسيع مجلس الحكم الانتقالي، وذلك عن طريق الانتخابات ان أمكن، او عن طريق التعيين بعد إجراء مشاورات واسعة ، بحيث تضم القوى الاجتماعية والسياسية التي ليس لها تمثيل على الإطلاق، او من دون تمثيل كاف، بما في ذلك جماعة مقتدى الصدر ومن يمثلون العشائر السنية.
وأوصت الدراسة بعثة الأمم المتحدة ، حديثة التكوين في العراق، بعد مقتل مبعوث الأمين العام الدبلوماسي البرازيلي «سيرجيو دوميللو»، بالاشراف على عملية الانتقال السياسي عن طريق توسيع مجلس الحكم وفي أسرع وقت ممكن ليصبح حكومة انتقالية للوحدة الوطنية، ذات قاعدة واسعة التمثيل، تضم القوى الاجتماعية والسياسية، وأهمية إتمام هذا التوسع بوسائل كفيلة بكفالة معايير الرضا والتطبيق العملي والعنصر الزمني.
وحددت الدراسة اكثر من أسلوب لإنجاز هذه المهمة ، أولها انتخابات لدوائر محلية ومهنية - ورد ذلك في قانون إدارة العراق المقترح - او انتخابات عامة، او تجميع عريض لمندوبين عراقيين ، الذين يمثلون طائفة من القوى الاجتماعية والسياسية من جميع إنحاء البلد، يضطلعون بمسئولية تعيين أعضاء جدد، وامكانية اختيار أعضاء جدد بواسطة الأمم المتحدة، فضلا عن إمكانية الجمع بين كل هذه الأساليب.
كذلك أوصت هذه الدراسة بعثة الأمم المتحدة في العراق، الأشراف على اتخاذ إجراء يرمي الى وضع دستور يضمن توفير الناحية العملية والقبول، مع الأخذ باختيارات معينة ، في الأشراف على انتخابات الجمعية التاسيسية بصفة مباشرة، وقد يستغرق ذلك بعض الوقت ولكنه يعزز القبول الشعبي، وتعيين لجنة لصوغ الدستور يجري عليه استفتاء شعبي، واعتبرت الدراسة هذا الخيار، يوفر الوقت والموارد ولكنه يقلل من القبول الشعبي على المدى الطويل، لذلك نصحت باختيار المزج بين الانتخاب والتعيين او الجمع بين أية عناصر أخرى مناسبة، تشجع الأحزاب السياسية العراقية ومنظمات المجتمع المدني والهيئات والمؤسسات على إقامة حوارات داخلية وعامة بشأن الأمور الدستورية الرئيسية وتشجيع وسائل الإعلام العراقية على تغطية العملية الدستورية بهمة وروح بناءة.
وانتهت الدراسة الى القول، يستفاد من التجارب السابقة التي مر بها العراق ان عدم الانفتاح من قبل سلطة التحالف المؤقتة يؤدي الى انتشار الشائعات التي تؤدي بدورها الى تفجير حوادث (مثل فتوى السيدالسيستاني) تتعارض مع الأهداف الأميركية المعلنة ، كما انها تضاعف من شعور الحرمان والإبعاد وسلب السلطة من يد الشعب العراقي، وهكذا تؤدي الى إضرام لهيب المقاومة
العدد 475 - الأربعاء 24 ديسمبر 2003م الموافق 29 شوال 1424هـ