ازداد الحديث في العقود الثلاثة الماضية عن أهمية «الثقافة»، ودورها في تحقيق القيادة الفاعلة والناجحة للمؤسسات. وكما أوضح عدد من الباحثين (انظر كتاب «نظرية الثقافة» ترجمة وإصدار المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب بدولة الكويت، ضمن سلسلة عالم المعرفة، كتاب رقم 223، المنشور في يوليو/ تموز 1997)، أن الثقافة في جذورها التعريفية الأولى ترتبط بأنماط الحياة، وأن هناك أنماطاً رئيسية للحياة تتواجد في مختلف المجتمعات، وهي كما يلي:
- نمط «القدرية» الذي ينظر إلى الحياة بأنها مربوطة بالقضاء والقدر، وأن دور الإنسان هو البحث عن سبيل نجاته وسط تلاطمات لا يقدر عليها أي إنسان، وأن هذا النمط يؤمن أكثر بالقدر fate والحظ والطالع الخارج عن قدرة الإنسان الذاتية. هذه القدرية تنتج عن شعور بأن النهايات المؤلمة fatalism ستكون نصيب الأكثرية الساحقة من البشر، إلا فئة خاصة اهتدت الى إنقاذ نفسها بطريقة ما.
- نمط «المساواة» الذي ينظر إلى الحياة من زاوية المساواة، equality، وأن البشر ليس لهم أفضلية على بعضهم بعضاً، وأنه يتوجب العمل على إعادة الحياة الى مساواتها الطبيعية التي ولد معها الإنسان والتي سيموت معها، إذ يتساوى الناس في البداية والنهاية.
- نمط «التراتبية» الذي ينظر الى الحياة من زاوية الهيكليات التراتبية hierarchy التي من دونها لا تستوي الحياة، إذ إن الناس درجات في السلطة والثروة والعلم والمكانة وإنه من دون هذه التراتبية تعم الفوضى وتنتهي الحياة، وإنه يتوجب على الناس الانصياع للتراتبية لكي تستقيم حياتهم.
- نمط «العزلة» الذي ينظر إلى الحياة بصفتها إزعاجاً، وأن الأفضل للمرء أن ينعزل isolation ليخلو بنفسه، وربما يتصوف أو يعتكف أو يبتعد عن الملذات الخادعة التي تنتهي بالبشر إلى الحسد والتباغض والتحارب والهلاك.
- نمط «الفردية» الذي ينظر إلى الفرد من زاوية مسئوليته الذاتية عن نفسه individualism، وأن كل فرد مسئول عن نجاحه وفشله وعليه أن يتحمل نتيجة أفعاله بنفسه دون غيره، وأن الحياة والثروة والسلطة والتمكين في الدنيا نصيب يستحقه من جد واجتهد، ولا يستحقه من ينتظر إعانة الآخرين.
هذه الأنماط الرئيسية للحياة تعبر عن ثقافات تنتجها المجتمعات المختلفة، سواء منها المحافظة او الليبرالية، وهو يعود إلى عوامل عديدة. وبلا شك، فإن هناك مجتمعات تخلط في ثقافاتها بين هذا وذاك، بزيادة من هنا او نقصان هناك، ولكن في النهاية ستنتج عنها نظريات في السياسة والاقتصاد والإدارة.
وفي مطلع ثمانينات القرن العشرين أصبح الحديث عن دور الثقافة والقيم Culture & Values في القيادة الناجحة والفعّالة أمراً أساسياً بعد أن طرح في 1981 عالم الإدارة وليام أوتشي نظرية Z التي تركز على زيادة ولاء الموظفين للشركة من خلال بيئة تعنى برفاهية ومعنويات ورضا العاملين، بما يؤدي إلى زيادة الإنتاجية والجودة. تلك الدراسة نظرت إلى الإدارة اليابانية التي كانت آنذاك توفر وظائف مدى الحياة وكانت تعطي معنى ورضا للعاملين.
وفي 1982 نشر كلٌّ من توم بيترز وروبرت ووترمان كتابهما الشهير In Search of Excellence الذي استكشف الطرق التي استخدمتها الشركات الناجحة والتي سجلت ربحيّة على مدى طويل مع الاستمرار في الابتكار. وقد طرح الكتاب أهمية الثقافة (القيم المشتركة) في تحقيق قيادات تلك المؤسسات نجاحهم المتواصل، وقال المؤلفان: إن هناك 8 صفات مشتركة لنجاح تلك المؤسسات، وهي:
- أنها تنحاز للعمل في صنع القرار A bias for action، ولا تخنق نفسها بالروتين والبيروقراطية.
- أنها قريبة من الزبائن Close to the customer، وهي تخدم الزبائن وتتعلم منهم باستمرار.
- أنها تؤمن بتمكين الروّاد لديها Autonomy and entrepreneurship بما يشجع على الابتكار.
- أنها تؤمن بتحقيق الإنتاجية من خلال العاملين Productivity through people، وأن هؤلاء هم مصدر الجودة والعطاء.
- أن الإدارة تباشر الأعمال بنفسها وتلتزم بالقيمHands-on value-driven وتوجّه الممارسة اليومية بما يظهر التزامها بفعل ما تقوله.
- التمسك بجوهر الأعمال والمهمات التي يتميزون في أدائها Stick to the knitting.
- الالتزام ببساطة الهيكلية التنظيمية ومرونة في توزيع المهمات على العاملين Simple form, lean staff.
- الالتزام بخصائص فضفاضة ولكنها مربوطة بقيم محورية Simultaneous loose-tight properties.
كما طرح الكتاب أنموذجاً لتحليل الشركات طوّراه (المؤلفان) أثناء عملهما مع شركة ماكينزي للاستشارات، وهو الأنموذج المعروف بـ The McKinsey 7-S model، وهذا الأنموذج يسعى إلى تحليل جميع أجزاء المؤسسات للتأكد أنها على وئام، ولأجل ذلك يستخدم الأنموذج إطاراً لتحليل 7 عناصر؛ 3 من تلك العناصر تعتبر صلبة hard elements، و4 تعتبر ليّنة soft elements.
العناصر الصلبة في هذا الإطار هي: الاستراتيجية، والهيكلية، والنظم Strategy, Structures, Systems.
العناصر الليّنة في هذا الإطار هي القيم المشتركة (الثقافة) والمهارات وأسلوب القيادة ونوعية العاملين، Shared Values, Skills, Style, Staff.
ومنذ مطلع الثمانينات أصبحت القيم المشتركة لأي مؤسسة هي المحرك لباقي العناصر المهمة، وتطورت نظريات «الثقافة المؤسسية/ التنظيمية» Organizational Culture: التي تتحدث عن ضرورة خلق أو تطوير الثقافة المؤسسية كمدخل لنجاح عمل القائد من خلال مواءمة النمط القيادي مع ثقافة المؤسسة القائمة.
القيادة المرتبطة بالثقافة والقيم المشتركة لها تأثير كبير جداً على طريقة العمل داخل المؤسسة، وعلى العاملين. والثقافات تنبع من 3 مصادر، وهي: المعتقدات والقيم والافتراضات لدى المؤسسين وقادة المؤسسة، خبرة العاملين داخل المؤسسة، والأفكار الجديدة لأعضاء المؤسسة الجدد، كل ذلك يعتمد على دور القائد في تغذية القيم المشتركة وتمثيله لها وهذا يعتبر العنصر الحاسم في نجاح المؤسسة.
لقد أظهرت الأبحاث أن هناك تفاعلاً مستمراً بين القيادة والثقافة المؤسسية، والقيادة الفعالة هي تلك التي توائم بين سلوكيات القيادة والمعتقدات والقيم والافتراضات العامة للمؤسسة. العديد من الرؤساء التنفيذيين الناجحين يرون أن مسئوليتهم الأولى تكمن في تحقيق الأداء المتفوق عبر مواءمة أساليب القيادة مع الثقافة التي تؤدي إلى نجاح المؤسسة.
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 4738 - الخميس 27 أغسطس 2015م الموافق 13 ذي القعدة 1436هـ
mwaleedm
الموضوع جميل و ثقافي و تنويري شكرًا يا الدكتور
المثقفين في وطني يزجون في السجون
كل الدول تفتخر بمثقفيها وتعطيهم افضل الوظائف والمراكز الا في وطني الجريح هناك الاف المثقفين من علماء دين ومعلمين واطباء وطلبة جامعات وكوادر عماليه موجوده في السجون لمطالبهم السياسيه وهناك مئات من الجهلة والمتملقين لديهم وظائف واماكن حساسه ليس من عملهم فضاعت الثقافه بسبب السياسه تحياتي لوطني الجريح
ما دخل الكهنوت
ما دخل الكهنوت مع المثقفين انت تخلط الحابل بالنابل رجال الكهنوت السنه و الشيعه هم سبب بلاوينا في هذه المنطقة يجب منعهم من التدخل في السياسة
واضح
واضح من ردودك انك تنتمي الى المدرسه الإلغائيه .لا تنهى عن خلق وتأتي بمثله عار عليك اذا فعلت عظيم.
رأسين افضل من رأس وثلاثة أفضل من رأسين وأبعة افضل من ثلاثة
هكذا قال لنا دكتور في علم الادارة أن تفكير اثنين افضل من تفكير واحد والقصد بنفس المستوى العلمي والثلاثة افضل من اثنين واربعة افضل من ثلاثة وهكذا دواليك.
وطننا في حالة صعب ومقبل على امور يحتاج فيها تكاتف الجهود وليس الزجّ في السجون.
تعالوا لننقد الوطن من محنته بالتكاتف وتلاقح الافكار فقد غرق الوطن في سياسات خانقة سوف تدخله في دوّامة لن يخرج منها.
تفاعلوا مع شعبكم
اخرجوا رجالات الوطن من السجون فالخطر داهم
استفيدوا من هذه الافكار