يواجه مجتمعنا العربي اليوم الكثير من التحديات، ولا سيما الأمنيّ منها، خصوصاً بعدما شهدته المنطقة العربية، ولا تزال، من صراعات طائفية ومذهبية وانتشار ثقافة التطرف والإرهاب.
ولقد طالت العمليات الإرهابية بعض الدول التي عرفت بأمنها واستقرارها وتعايش مكوناتها الاجتماعية على الرغم من التعددية الطائفية أو المذهبية فيها، وأخص بالذكر هنا دولة الكويت الشقيقة التي غدرتها يد الإرهاب في مسجد الإمام الصادق يوم 26 يونيو/ حزيران الماضي، وذلك من خلال عملية جبانة لم تستهدف فقط حياة المصلين في شهر رمضان الفضيل، وإنّما استهدفت أمن الدولة واستقرار نسيجها المجتمعي، بل واستقرار الخليج العربي بأسره، من أجل إثارة الفتن ونشر العداوة، وتمزيق النسيج الاجتماعي داخل الكويت.
وتؤكد هذه التحديات ضرورة تضافر الجهود وتوحيدها لاستئصال الإرهاب والقضاء عليه، كما تجعل الكويت، وغيرها من دول المنطقة، بحاجة إلى إيجاد آليات جديدة وحديثة لمواجهة خطاب الكراهية والتطرف والعنف. ولقد سارعت القوى الوطنية في الكويت بعد هذا الحادث الأليم إلى لملمة صفوفها رافعةً شعاراً واحداً، ألا وهو الوحدة الوطنية، وهذا ما أدى إلى انبثاق مولود جديد يدعو إلى السلام والتعايش والتسامح، وأعني هنا «التحالف المدني لتعزيز التعايش السلمي ونبذ العنف».
لقد شهدت دولة الكويت في الأعوام الماضية هدوءًا منقطع النظير، فضلاً عن الاستقرار والتعايش المجتمعي السلمي؛ إذْ أنّ المجتمع الكويتي جُبِل على قوة اللحمة الوطنية منذ نشأته، ما جعله نموذجاً يُحتذى في الاستقرار الاجتماعي والتعايش السلمي في المنطقة. وتتميّز العلاقة بين مختلف أطياف الشعب الكويتي، لا سيما العلاقة بين السُنة والشيعة، بطابع خاص بالمقارنة مع باقي الدول العربية. ورغم أنّ هذا الحادث استهدف الجبهة الداخلية والوحدة الوطنية، فقد أكّد أهل الكويت وحكومتها أنّ هذا البلد الجميل سيظلّ واحة أمنٍ وأمانٍ لجميع سكان المجتمع الكويتي وجميع الطوائف.
وعلى الرغم من أنّ الكويت ظلت تشكل نموذجاً لضبط التوترات الطائفية، التي شكلت أساس العنف في الشرق الأوسط، وعلى الرغم ممّا تنعم به البلاد من أمن واستقرار وتسامح، فإنّ الأحداث الأخيرة، وكذلك ما تشهده المنطقة العربية من صراعات فئوية وانتشار متزايد لثقافة التطرّف والإرهاب، استدعى من الجميع دقّ ناقوس الخطر، خصوصاً في هذه المرحلة الدقيقة التي تمر بها المنطقة من الاصطفاف الطائفي وتزايد العنف الذي طال المساجد وأودى بحياة الأبرياء. من هنا جاءت مبادرة تكوين «التحالف المدني لتعزيز التعايش السلمي ونبذ العنف»، فما هي أهداف هذا التحالف؟
أعلنت الجمعية الكويتية لحقوق الإنسان والرابطة الوطنية للأمن الأسري مطلع شهر يوليو الماضي عن إطلاق «تحالف مدني لتعزيز التعايش السلمي ونبذ العنف»، وهو يمثل مبادرة من منظمات المجتمع المدني في دولة الكويت لتعزيز التلاحم والوحدة الوطنية. وتأتي هذه المبادرة للتصدي لخطاب الكراهية ونبذ العنف، ويهدف التحالف إلى توحيد الجهود والأصوات المدنية الساعية لنشر ثقافة التسامح والمساهمة في إيجاد وثيقة وطنية ذات رؤية وأهداف واضحة، تساهم في علاج التطرف وتحدّ من خطاب الكراهية، وتؤكّد على أهمية تعزيز الوعي المجتمعيّ بضرورة تكاتف الجهود نحو ثقافة السلام ودعم الجهود الحكومية في التصدي لظاهرة العنف، لتبْنِيَ رأياً عاماً مسانداً لتَبَنّي الوثيقة في مجلس الأمّة الكويتيّ.
ومن أهداف هذا التحالف، الذي يضمّ مؤسسات المجتمع المدني ووسائل الإعلام، تعزيز التعايش السلمي ونبذ التطرف ودحر الفكر الإقصائيّ من أجل تعميق ثقافة الأخوة الإنسانية.
ومن ضمن الأهداف أيضاً، تطوير المناهج التعليمية لغرس مفاهيم التسامح واحترام الآخر، وترشيد الخطاب الديني وتطوير الخطاب الإعلامي وتوجيهه لإرساء الأمن الاجتماعي. كما يهدف هذا التحالف، بحسب ما صرّح به مدير الجمعية الكويتية لحقوق الإنسان محمد الحميدي في مؤتمر صحافي، إلى وضع مبادرات جديدة تتناسب مع متطلبات المرحلة الراهنة، ما يساهم في تحصين المجتمع وحمايته لتعزيز التعايش السلمي بين مكوناته.
وبيّنت رئيسة الرابطة الوطنية للأمن الأسري بالكويت خديجة المحميد، أنّ اتفاق جمعيات النفع العام على وضع مثل هذه الوثيقة سيساهم في إشاعة ثقافة نبذ الكراهية والعنف والتحريض بين الجميع، ما يشكل في حد ذاته أرضية صلبة ونواة لعمل مجتمعي مدني أوسع على مستوى الوطن بأكمله.
إن هذا التحالف الجديد يمثل حقاً مبادرةً من منظمات المجتمع المدني في الكويت لتعزيز التلاحم والوحدة الوطنية، من أجل إيجاد استراتيجية شاملة وفاعلة وموحدة للتصدي لثقافة الكراهية وتعزيز التعايش والتسامح والقبول بالآخر. كما تؤكد هذه المبادرة على أهمية شراكة مؤسسات المجتمع المدني مع مؤسسات الدولة في درء المخاطر عن الوطن والمساهمة في التنمية الفكرية الإيجابية للفرد والمجتمع. غير أنّ هذا التحالف يظلّ مدعوّاً باستمرار، إلى المساهمة في ترشيد الخطاب الديني لتعميق الأخوة الإنسانية وتعميق ثقافة التسامح وأدب الاختلاف، بالإضافة إلى تطوير الخطاب الإعلامي وتوجيهه لإرساء الأمن الاجتماعي؛ ذلك أنّ تنظيم «داعش» وأخواته لا يعدو أن يكون أداةً تتحكم فيها قوى عظمى تسعى إلى تغذية الظواهر المتطرفة وإثارة النعرات الطائفية في المنطقة من خلال المنابر الدينية والإعلامية.
إقرأ أيضا لـ "سليم مصطفى بودبوس"العدد 4735 - الإثنين 24 أغسطس 2015م الموافق 10 ذي القعدة 1436هـ