العدد 4724 - الخميس 13 أغسطس 2015م الموافق 28 شوال 1436هـ

قيادات من نوع آخر!

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

في الوقت الذي يتخبط فيه الشرق العربي في أزمة قيادات وفشل أحزاب وحكومات، تقدّم دول أميركا اللاتينية الأمل بما تقدّمه من نماذج قيادات مشرفة.

أميركا اللاتينية كانت تخضع لحكم الجنرالات، طوال القرن الماضي، بعدما تحرّرت أغلبها من التبعية لبريطانيا وإسبانيا، وبعدها سقطت تحت هيمنة الجار الأميركي الثقيل الظل.

أوضاع أميركا اللاتينية كانت قريبة الشبه بأوضاع العالم العربي وأمراضه، ولكنها استطاعت التغلب على أمراضها وإصلاح أوضاعها، بفضل تآزر حركات اليسار الشعبي مع رجال الدين المسيحي الثوريين، حيث لم تكن هناك عقدٌ تحكم علاقة الطرفين.

الدرس الآخر الذي نجح فيه اللاتينيون وفشل فيه العرب، هو نجاحهم في تقديم نماذج قيادية نزيهة، التصقت بشعوبها، ولم تتخلَّ عن مبادئها بعد وصولها للحكم. بريق السلطة وإغراءاتها لم تغيّر نفوسهم وأخلاقهم... وهو الامتحان الذي سقط فيه أغلب القيادات في الشرق.

بعد الربيع العربي، رأينا كيف كان أداء الرؤساء الجدد، بدءاً بمصر، حيث لم يتحمل محمد مرسي وهج المنصب فأعلن الجهاد على سورية، والحرب على إثيوبيا خلال عام واحد، بينما أغمض عينيه عن العدو اللصيق بحدوده «إسرائيل»، التي تحوّلت فجأةً إلى جارة، ورئيسها بيريز إلى «صديقي العظيم»!

في تونس بعد الثورة، ترك آلاف الشباب وطنهم ليلتحقوا بتنظيم «داعش»، قاطعين آلاف الكيلومترات للمشاركة في عمليات القتل والإرهاب في سورية والعراق. والرئيس المنتخب الذي كان ناشطاً حقوقياً، تحوّل فجأةً إلى رئيس يميني ينأى بنفسه عن حقوق الإنسان، حتى عاد الحرس القديم عبر صناديق الاقتراع!

في سورية تم تدمير هذا البلد، وتشريد نصف هذا الشعب، وتم إغراق ليبيا واليمن في صراعات القبائل والأحزاب. لم يخرج بلد عربي واحد من الربيع العربي بتجربة مشجعة يقدّمها للعالم حتى الآن.

على أن الفاجعة الأكبر حدثت في العراق، الذي تحوّل إلى ثقب أسود يستقطب كل حركات التكفير والإرهاب، وسط اصطفافات إقليمية طائفية، أدت إلى سفك دماء عشرات الآلاف. والأسوأ من ذلك ما أنتجته التجربة بعد سقوط الطاغية، حيث تعاملت الأحزاب السياسية مع البلد كغنيمةٍ يتوزّعونها قطعاً قطعاً. كانت كتلاً سياسية متنازعة متنافرة، لا تتفق إلا بمقدار ما يتفّق على توزيعه السرّاق. وهكذا ضاعت مليارات الدولارات خلال 12 عاماً، وعجزت فيه الحكومات المتناوبة حتى عن توفير الكهرباء.

هذه الأحزاب، السنية والشيعية والكردية الفاشلة، كرّست الصورة النمطية للأحزاب التي لا تنتج غير القيادات الغارقة في الفساد. وعلى السنّة أن يدافعوا عن الفاسدين السنة، وعلى الشيعة أن يغطّوا على الفاسدين الشيعة، ويغطي الأكراد على فاسديهم أيضاً... وليذهب العراق للجحيم.

يحزننا أن تعجز دولنا العربية عن تقديم قيادات صالحة نزيهة، بينما نقرأ سير القيادات الشعبية في القارة اللاتينية. نقرأ عن الرئيس الفنزويلي هوغو تشافيز، الذي يشارك فقراء شعبه جشوبة العيش، ويحتضن الأطفال اليتامى ويواسي النساء الفقيرات، ويخصّص موارد النفط لرفع مستوى الفقراء، بدل شراء الأسلحة ليحارب بها الجيران.

هوغو كان من بيئة فقيرة، مثله مثل أردوغان والمالكي وعلاوي وعلي عبدالله صالح، لكنه لم تغيّره السلطة ولم يتصرّف كخليفة أو يتخيل نفسه كسلطان. ولم يكن تشافيز وحده، وإنما كان إلى جانبه لولا دي سيلفا وكريستينا فرنانديز وإيفو موراليس.

إنها ليست قضية علمانيةٍ وإسلام، ولا قضية سنةٍ وشيعةٍ، وإنّما هي قضية مبادئ والتزامٍ وأخلاقيات. ألم يقل الشاعر الحكيم:

وإنما الأممُ الأخلاقُ ما بقيت... فإن همُ ذهبت أخلاقُهُم ذهبوا؟

والمؤكد أننا ذاهبون جميعاً إلى الجحيم.

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 4724 - الخميس 13 أغسطس 2015م الموافق 28 شوال 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 19 | 4:20 م

      احسنت

      احسنت

    • زائر 18 | 8:16 ص

      ما هكذا تؤكل الكتف ..!

      عندما تطرقت إلى العراق وصفته بالفاجعة و بالثقب الأسود مع الفارق الذي سأبينه لاحقاً، و حينما أشرت لتأثير الربيع العربي حشرت العراق والمالكي مع أن موضوعهما سابق ومغاير جملة وتفصيلاً.
      كذلك فأنت أقحمت العراق من دون أن تستثني وضعه الخاص الذي هو جاذب للتكفيريين والجماعات المدعومة من ... وغيرها لا أن يكون هو مستقطب لهم حتى يكون ثقباً أسود.
      لا تسترضي من لا يعي خصوصية العراق، والإساءة للمالكي محاباة واضحة، وليس هناك من داع في الكلام عن المالكي بلغة أعداء العراق، فقط حتى ننال رضى من هم على خلاف معنا.

    • زائر 17 | 4:44 ص

      لا اعرف ماالسبب ؟

      مالسبب الذي يجعل الفشل يصيب حتى من يريد الاصلاح للبلد والاوطان في بلاد الشرق ويوضع القيود عليه ويطلع بالاخير فاشل؟

    • زائر 14 | 4:08 ص

      العراق

      العراق لن يتخلص من كل هالبلاء الا اذا تخلص من التبعية لامريكا فهي اساس البلاء.تؤسس تحالف دولي لمحاربة داعش وبعدين تقصف الجيش العراقي والحشد الشعبي وتنزل معونات واسلحة الى داعش.قمة الدجل والنفاق.

    • زائر 13 | 3:54 ص

      يقول المثل

      نوخذايين في سفينه طبًعوها. اذا الساس خراب مايبنى على الخراب فهو خراب دور لي قياده يا استاذ قاسم ......يرضعون من امهم امريكا الشيطان الاكبر اللي ما بجر اتباعها الا الى النار من اي طائفه او مله كانو

    • زائر 16 زائر 13 | 4:23 ص

      لا توجد قياده مجانيه

      فهي تأخذ اجرها من اثنين لا ثالث لهما اما من الله وعليها اتباعه كي تحصل على اجره ورضاه اومن الناس وعليها ماعليها من الالتزامات كي تحصل على رضاهم واجرهم .والحق والباطل لا يجتمعان فكل في مساره .هذ مختصر مفيد.

    • زائر 12 | 3:37 ص

      صدقت

      فعلا ليست قضية اسلام وكفر وليست قضية سنة وشيعة.الفاسد فاسد من اي ملة ودين. والشريف هو الذي يقف ضد الفساد والفاسدين حتى لو كانوا من طائفته ولا يبحث عن تبريرات.الفساد فساد والله لعن الفاسدين.

    • زائر 11 | 3:28 ص

      هذه الأحزاب تسترت بالإسلام والمذهب للوصول إلى السلطة

      ولايهمها اوطانها أصبح ثانوي كل واحدة تدعي الإسلام الصحيح

    • زائر 8 | 3:09 ص

      اختك مثلك

      الظاهر ياسيد فقد ت الثقة في جميع الحركات الاسلامية وغيرها حتي البحرين

    • زائر 7 | 3:08 ص

      كلما

      كلما البشر ابتعدوا عن شرع الله واتخدوا الشيطان حليفهم لن يفلح اى شى فى دول العربيه والضحيه المساكين الشعووب وصلو الارامل فى العراق مليون ارملة لانه ازواجهم كلهم ماتو من التفجير الدواعش الكفرة اصحاب رايات السووود الملاعين الله يهلكهم ودمرهم لقد دمرو العالم الله ينصر الاسلام الصحيح

    • زائر 6 | 2:35 ص

      عجز الدول العربية و الجامعة العربية و الجيوش العربية امام الفتن ... ام محمود

      قال رسول الله ص : بدأ الإسلام غريبا و سيعود غريبا فطوبى للغرباء
      ما يحدث في العالم الاسلامي ليس من الاسلام و لا اي دين من الأديان السماوية انه الكفر و الطغيان على تعاليم السماء في العراق جميع الاحزاب سنة شيعة أكراد فاسدة لماذا ؟ حب المال و حب الدنيا و المناصب .. هناك مطالبات بمحاسبة المفسدين و اقالات بأمر من رئيس الوزراء حيدر العبادي و هذا سيسبب مشكلة كبيرة و معارك شرسة
      تونس .. مصر .. ليبيا الجزائر جميعهم محاصرين بالإرهاب
      اليمن سوريا العراق محاصرة بالحروب و الاقتتال الدامي و المرتزقة الدخيلة

    • زائر 5 | 2:19 ص

      تخبط الشرق الأوسط و اشتعاله ... ام محمود

      كل هذا التخبط و الفوضى و التفجيرات بسبب تدخلات القوى الكبرى في المنطقة خاصة الامريكي ثقيل الظل على قولتك لقد اسقطوا طاغية العراق و لكنهم ابقوا على اعوانه و جيشه و 4/3 مرتكبي مجزرة سبايكر من حزب البعث و المجازر الاخرى تشترك فيها التنظيمات الارهابية و داعش و الموساد المتواجد في اكثر من دولة عربية
      لقد ذهبت الأخلاق و المباديء و القيم و جاء بدلها الاجرام والفساد الديني والاخلاقي و الاجتماعي.. لا يوجد قائد عربي يلبي طموحات شعبه و يخاف الله عز وجل بين فترة واخرى أشاهد فيديوهات القذافي بالفعل هو غريب

    • زائر 2 | 10:15 م

      امريكا اللاتينيةتعطي مثال للدول النزيهه و المتكاتفه مع الشعب ... ام محمود

      اكثر من اسبوعين ركزت قناة الميادين برامجها على امريكا اللاتينية و ذهبت الى هناك و صورت لنا مقابلات من داخل القصر الرئاسي و القت الضوء على شخصية الرءيس الراحل المعروف بمواقفه و مناصرة المظلومين هوجو تشافيز و خليفته و مع الكثير من القيادات و المسؤولين و هناك امرأة عربية وصلت لمنصب هام قيادي بجدارة
      نعم نحن نتجه للهاوية و الى الانفجار الاقليمي و الى الزلزال المدمر لان تدمير اليمن و العراق و سوريا سيسبب ارتدادات ستصلنا في الخليج و تقسم الدول و تطيح باخرى انها
      مؤامرة دولية قذرة للقتل البشع و السرقة

    • زائر 1 | 10:02 م

      فساد غير مسبوق كارثي ... و تفجيرات دموية بالشاحنات ... ام محمود

      الوضع العربي بعد الثورات بائس جدا مأساوي دموي و القيادات تم حرفها و شراء ذممها و القيادي الملتزم يتم تصفيته و قتله في الحال
      وشباب تحول للقتل و قطع الرؤوس و ارتكاب الفواحش و العربدة باسم جهاد النكاح و مثل ما الفاسدين في العراق نهبوا المليارات و بعضهم رمى الملايين تحت أقدام الراقصات نجد شعب عراقي فقير لا يملك قوت يومه و لا يجد ماء او كهرباء في طقس لا يتحمله البشر ارتفاع درجات الحرارة القياسية و فوق هذا يتم قتله بالتفجيرات اليومية هناك مئات الالاف من اليتامى والأرامل
      و هناك استهداف للجيش و الحشد

اقرأ ايضاً