العدد 472 - الأحد 21 ديسمبر 2003م الموافق 26 شوال 1424هـ

«الحجاج المفترى عليه»! (1- 2)

سيد ضياء الموسوي comments [at] alwasatnews.com

صدام ليس فردا حتى نفرح لسقوطه. صدام حالة جماعية ومرض عضال كالطاعون، منتشر في كل أنظمتنا العربية، ومجتمعاتنا الشرقية وان كان بنسب متفاوتة.

هذا المرض السيكوباتي المزري نجده في أداء النظام العربي اللهم إلا ما شذ ونذر.

أنظمة كليانية مطلقة لا تُسأل عما تفعل وهم يَسألون، أنظمة مشخصنة وهذا هو تاريخنا العربي يكره سلطة المؤسسة، ومشاركة الجماهير، ومن أيام الرئيس الديمقراطي الحجاج بن يوسف الثقفي الذي كان يردد في خطبه الديمقراطية «أرى رؤوسا قد أينعت وحان قطافها» الى أيام صدام نازية الحجاج هي صورة للجنرال عبدالملك بن مروان وهكذا هو التاريخ يعيد نفسه.

عبدالناصر أراد أن يلعبها صح لكنها خرجت في منتصف الطريق، وحوّل الدول الى دولة مخابرات، وعلى حد تعبير الكاتب المصري الساخر محمود السعدني وهو يصور المفارقة بين عبدالناصر والسادات: «عبدالناصر موتنا من الخوف والسادات - حيث البهلوانية والتمثيل - موتنا من الضحك». فالأول من تأميم القناة الى هزيمة 67 الى الاستقالة، والثاني من نصر 73 الى صلح كامب ديفيد. وكذلك هي الدول... ماذا فعل جعفر نميري بالسودان؟ وماذا فعل ضياء الحق بباكستان؟ وماذا فعلنا جميعا بالنفط.

حكم الناصريون وأين وصلنا، وحكم البعثيون فقتلوا الاسلاميين وكذلك الشيوعيين وكانت النهاية استسلاما في بيت العنكبوت، في قبو معزول. وحكم الاوثقراطيون وراحت المخابرات تقتل الصحافيين والكتاب.

هل ستستفيد الأنظمة من خطيئة صدام في الحكم؟ لا أظن ذلك. وستبقى السلطة تلعب مفردا متكئة على المخابرات وتزوير الانتخابات ومصادرة ارادة الجماهير، غير مؤمنة بتوزيع الثروة أو بمنطق سيادة القانون وبحكم المؤسسات. لذلك كل عالمنا العربي يفتقر الى أهم مقومات الدولة الحديثة، الدولة المدنية من برلمان ديمقراطي وحكومة شعبية وصحافة حرة وجامعة مزدهرة. فنظامنا العربي ذكي فهو باع كل مؤسسات القطاع العام، خصخص كل شيء عدا الصحافة والاعلام لأنه يهمه كثيرا أن يكون اللاعب الوحيد في صوغ عقل الجماهير. اذا صدام حالة شرقية ساهم في صنعها الجميع، أميركا الثمانينات بدعمها في حرب ايران وفي صمت السفيرة الأميركية في بغداد حين علمت نيته في الهجوم على الكويت. فصدام صنعه تصفيق الجماهير، وقصائد المثقفين، إذ راحت شاعرة تهديه قصيدتها وهي تقول: «اعطني خوذة جندي عراقي وخذ ألف أديب». اعلامنا العربي ضخم الظاهرة والأنظمة العربية تغافلت مجزرة حلبجة، وبعض القادة العسكريين الأميركيين ومن يوبخونه اليوم هم أنفسهم أعطوه نياشين البطولة في الثمانينات.

وهكذا صنعنا الاسطورة بطوبى خيالية. وليس ذلك غريبا فكل حزبٍ له صنم يعبده من دون الله. ويبقى السؤال: من يصنع الطغاة والقرآن يقول: «فاستخف قومه فأطاعوه» (الزخرف:54). وماذا فعل صدام؟ هل بنى الدولة الحديثة؟ هل نافس اليابان؟

أما قصة دفاع بعض المحامين البحرينيين عن صدام فقد ذكرتني بمثقف عربي ألف كتابا عن الحجاج أسماه «الحجاج المفترى عليه».

تهانينا.

بالأمس اتصلت بي أم أحد الشهداء البحرينيين الذين قتلوا في العراق، أخذت تتكلم مصدومة منكسرة لسماعها نبأ ترافع محامين بحرينيين للدفاع عن صدام، لكنها لم تكمل المكالمة فقد ختمتها بالبكاء وانقطع الخط..

إقرأ أيضا لـ "سيد ضياء الموسوي"

العدد 472 - الأحد 21 ديسمبر 2003م الموافق 26 شوال 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً