يعدّ "لستاند أب" أو "حوار الكاميرا"، أحد عناصر إعداد التقارير التلفزيونيَّة الإخباريَّة، ويشكّل مساحة تتيح للمراسل أن يخاطب المشاهدين، ليضفي بعداً إنسانياً على تقريره. تلك المساحة ليست مجانيّة ولا يمكن إقحامها في أنواع التقارير كافّة، إذ إنّ استخدامها يخضع لمجموعة من المبادئ المهنيَّة التي يخرقها بعض المراسلين على الشاشات المحليّة.
ونقلت صحيفة "السفير" اللبنانية عن الأستاذة في كلية الإعلام في الجامعة اللبنانية وفاء أبو شقرا توضيحهاعن أسباب اللجوء إلى "حوار الكاميرا" في التقارير، قائلة: "يقف المراسل بمواجهة الكاميرا ليخاطب الجمهور، خاتماً تقريره بفكرة يضمنها رأياً أو استنتاجاً، أو بفكرة لم يجد لها صوراً مناسبة. أحياناً يستخدم لا "الستاند أب" في نهاية التقرير، بل في وسطه، للوصل بين جزءين، ويسمّى "الجسر"، وأحياناً يظهر المراسل في أوّل التقرير وذلك أمر نادر».
"الستاند أب" إذاً مساحة حرّة تترك للمراسل للخروج بخلاصة أو لتفادي الوقوع في تكرار المعلومات والصور، لكنّها قد تدفع به أحياناً إلى افتعال مواقف لا تخدم السياق الإخباريّ للتقرير. فعلى سبيل المثال، وفي منتصف تقرير عن خضوع الشيخ خالد حبلص لعمليات تجميل بغية تغيير ملامحه، جالت مراسلة "المؤسسة اللبنانيّة للإرسال" ريمي درباس داخل غرفة العمليات في المستشفى، بلباس التمريض، لتدلّ المشاهد إلى المكان الذي أجرى فيه حبلص الجراحة. مثال آخر عن دخول المراسل تمثيلياً إلى التقرير، نجده في أحد تقارير مراسلة قناة "الجديد" نوال بري التي ختمت تقريرها عن التزلّج بالتزلّج.
ترى أبو شقرا أنَّ "اختيار ملابس ملائمة للأجواء العامة المحيطة بالمراسل أمرٌ أساسيّ، فلا يمكن تغطية نزاع مسلّح بلباس رسميّ، ولا تستحسن تغطية اجتماعٍ رسميّ بملابس رياضيّة، لكنّ تقمّص الأدوار أمرٌ لا يحمل أي إضافة إلى التقرير. فإن لم يلبس المراسل ثياب التمريض ألن يفهم المشاهد أنه في المستشفى؟ المراسل في النهاية صحافيّ وليس ممثلاً".
لا يقلّ مضمون ما يُقال في "الستاند أب" أهميّة، عن الإطار الذي يظهر فيه المراسل. بالنسبة لأبو شقرا، فإنّ "حوار الكاميرا" ليس منبراً متفلتاً تلقى فيه الخطابات، بل يجب أن يحمل معلومة أو استنتاجاً. وذلك بعكس ما حصل في أحد تقارير قناة "المنار"، حيث قام المراسل علي رسلان، بتسلّق تلّة من النفايات، ليختم تقريره بالخطبة التالية: "يبدو أنّ حلّ أزمة النفايات لم يجد طريقه إلى شوارع وأزقة العاصمة في بيروت، وهذا المشهد خير دليل ولسان حال المواطن يسأل أين هي الحلول؟ أم أن الأمر على الوعد يا حلول؟".
بعيداً عن الاستعراضات المفتعلة، يكون "الستاند أب" أحياناً ضرورة ليثبت المراسل أنه تواجد في موقع الحدث، خصوصاً في الأمكنة التي يصعب الوصول إليها... لكنَّ الطريق العام لا يعَدّ ضمن تلك الأمكنة، وعلى الرغم من ذلك قرّر مراسل قناة "أم تي في" جورج عيد في منتصف أحد تقاريره أن يقبع في منتصف الطريق السريع، إلى جانب إحدى الحفر، وخلال مرور السيارات، ليثبت للمشاهد أن الحفرة تلحق الضرر بالمركبات.
قد يخرق المراسل حيناً أحد شروط تنفيذ "الستاند أب"، أو قد يحاول الخروج عن المألوف في حين آخر. لكن ما فعلته مراسلة قناة "الجديد" يمنى فواز في تقريرها عن المسبح الشعبي، يبقى حالة خارجة عن إطار التفسير المهني وحتّى المسرحيّ. إذ إنّها ختمت تقريرها بالسباحة داخل المياه، تتقاذفها الأمواج، وهي تحاول قول جملة بدت غير مفهومة. وقد أزالت القناة ذلك المشهد لاحقاً من مكتبة تقاريرها.
تظهر هذه العيّنة من التقارير أن التفنّن والاستعراض في إنجاز "الستاند أب" بات مجالاً للمنافسة بين المراسلين. وفي هذا السياق توضح أبو شقرا أنّ "حوار الكاميرا" بات مساحة للظهور، "وتحوّل إلى قطعة تمثيل وتهريج مما يؤدّي إلى تشتيت انتباه المشاهد الذي بات ينتظر ابتكارات المراسل بدلاً من انتظار المعلومة". قد تدفع خفّة الموضوع المطروح المراسل إلى اختراع "ستاند أب" لتقريره، لكن في النهاية "يبقى التقرير عملاً إخبارياً لا مسرحيّة"، بحسب تعبيرها.
يرد في قسم "أكاديمية الصحافة ــ مهارات الإنتاج التلفزيوني" على موقع "بي بي سي" أن الصحافي التلفزيوني "لديه فرصة واحدة لإيصال فكرته لجمهوره"، غير أنّ هذه الفرصة وبدلاً من أن تستغلّ لإيصال فكرة أو معلومة تتحوّل إلى استعراض. وفي ختام مجموعة من النصائح حول إعداد "حوار الكاميرا"، يتوجّه صحافيو الهيئة البريطانية إلى المراسل بالقول: "اعلم أن المشاهد سيتذكّرها سواء كانت جيدة أو كانت سيئة".