ظهر إلى العلن مؤخراً صراع حادّ على قيادة حركة الإخوان المسلمين في مصر. فالأعضاء السابقون في مكتب الإرشاد، وهو الهيئة التنفيذية العليا التي تضع سياسات الجماعة، يتنافسون مع القيادة الجديدة التي انتُخبت في شباط/فبراير 2014، ويتولّون قيادة أنشطة الإخوان على الأرض منذ ذلك الحين.
الصراع داخل جماعة الإخوان ليس بالحدث الجديد، حيث تمكّنت الجماعة من احتواء الخلاف لأشهر عدّة كي تتجنّب إلحاق الأذى بتماسكها وبمعنويات أفرادها على الأرض. بيد أن التعبير العلني عن الخلاف الذي طال أمده يُعتبر أمراً جديداً. وقد خرج الخلاف إلى العلن في أيار/مايو 2015، في أعقاب تراشق حادّ بين الفصيلين في وسائل الإعلام.
تعاملت وسائل الإعلام مع الصراع على أنه خلاف بشأن استراتيجيتين متعارضتين: نهج سلمي تنادي به القيادة السابقة، والتوجّه نحو العنف الذي اعتمدته القيادة الحالية. بيد أن هذه الصورة تبدو مضلِّلة. إذ ينطوي الخلاف على صراع أعمق حول القواعد التي تحكم عمل الجماعة، فضلاً عن طبيعة العلاقة بين القاعدة الشعبية والقيادة، ودور كل منهما في عمليات صنع القرار في الجماعة.
دفعت الظروف السياسية في مصر، منذ الإطاحة بالرئيس آنذاك محمد مرسي في العام 2013، جماعة الإخوان المسلمين إلى صياغة قواعد جديدة لتنظيم أنشطتها. فالقيادة لم تعد تملك سلطة مطلقة في إدارة شؤون الجماعة، كما كان حالها قبل آب/أغسطس 2013. وبدلاً من ذلك، غالباً ماتقود القاعدة الشبابية الشعبية أنشطة جماعة الإخوان على الأرض، حيث اضطرّت القيادة إلى تحقيق التوازن بين مبادئ الجماعة ومبادرات قاعدتها. غير أن القيادة القديمة للإخوان المسلمين ترى في ذلك خروجاً عن نمط الإدارة الذي اعتادت عليه وتهديداً لتماسك الجماعة وهويتها.
الإخوان والدولة
وفّرت الانتفاضة الشعبية التي أطاحت بنظام حسني مبارك في شباط/فبراير 2011 فرصاً جديدة لجماعة الإخوان المسلمين، التي كانت الحكومة تقيّد أنشطتها بشدّة حتى ذلك الحين. أنشأت جماعة الإخوان حزب الحرية والعدالة في نيسان/أبريل 2011 وخاضت الانتخابات التشريعية التي أُجريت في نهاية ذلك العام. فاز الحزب بـ218 مقعداً من أصل 498 مقعداً، وفاز مرشحه الرئاسي محمد مرسي في الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية في حزيران/يونيو 2012.
خلال فترة حكم مرسي، حدث استقطاب حادّ بين جماعة الإخوان المسلمين وبين معارضيها حول قضايا الحريات والديمقراطية. كما ازدادت حدّة التوتّر بين جماعة الإخوان ومؤسّسات الدولة المصرية، ولاسيّما أجهزة القضاء والأمن التي حاولت الجماعة إحكام سيطرتها عليها.
بلغت الأزمة ذروتها في 30 حزيران/يونيو 2013، عندما شارك معارضو جماعة الإخوان المسلمين في مظاهرات حاشدة للمطالبة بإجراء انتخابات رئاسية مبكّرة. وبدعم من المتظاهرين، فضلاً عن القضاء والمعارضة السياسية وممثّلين دينيين بارزين، تدخّلت القوات المسلحة لعزل مرسي ووضع البلاد على مسار سياسي جديد. رفضت جماعة الإخوان المسلمين ومؤيّدوها هذه الإجراءات ونظّموا اعتصامَين في ميدان رابعة العدوية وميدان النهضة في القاهرة للمطالبة بعودة مرسي للرئاسة.
برزت الخلافات بين تيّارين في السلطة الانتقالية في مصر حول كيفية التعامل مع جماعة الإخوان المسلمين. ميّز النهج الأول بين إسقاط نظام مرسي وضرورة التوصّل إلى حلّ سياسي للاضطرابات في البلاد من شأنه دمج جماعة الإخوان المسلمين في العملية السياسية. وقد مثّل هذا التيار في ذلك الوقت نائب الرئيس محمد البرادعي. أما التيار الثاني فقد سعى إلى استغلال الحركة الشعبية المناهضة لمرسي للقضاء على جماعة الإخوان المسلمين نهائيّاً. وقد مثّل هذا التيار قادة الأجهزة الأمنية المختلفة.
في البداية، بدا أن تيار البرادعي له اليد العليا، ونجح بالفعل في تأجيل قرار قوات الأمن بفضّ اعتصامَي مؤيّدي مرسي. بيد أن فشل التوصّل إلى حلّ سياسي للأزمة بين الإخوان والدولة منح التيار الثاني مجالاً أكبر للمناورة.
تدخّلت قوات الأمن في آب/أغسطس 2013 وفرّقت بالقوة اعتصامَي جماعة الإخوان المسلمين، ما دفع الجماعة إلى العمل السرّي في ظل ظروف أقسى حتى من تلك التي كانت سائدة خلال عهد مبارك. ومثّلت استقالة محمد البرادعي في اليوم نفسه نهاية محاولات التوصّل إلى حلّ سياسي، ووضعت النظام الانتقالي في مواجهة مباشرة مع جماعة الإخوان المسلمين.
آثار تدخّل الجيش على جماعة الإخوان
تكبّدت جماعة الإخوان خسائر كبيرة خلال مواجهاتها مع الدولة. فإضافةً إلى الاشتباكات الأمنية في الشوارع والميادين، والتي أسفرت عن آلاف القتلى والاعتقالات، جمّدت الحكومة المؤقتة أصول 1055 جمعية خيرية دينية في كانون الأول/ديسمبر 2013، متّهمةً إياها بالانتماء إلى جماعة الإخوان أو بكونها داعمة لها. أضعفت هذه الخطوة الأنشطة الاجتماعية والدينية للجماعة. كما أعلنت الحكومة جماعة الإخوان منظمة إرهابية في الشهر نفسه. وبعد ذلك حلّت المحكمة الإدارية العليا حزب الحرية والعدالة، الذراع السياسية للجماعة، وصادرت أصول الحزب في آب/أغسطس 2014.
وجّه تصاعد المواجهة الأمنية واعتقال قادة من جماعة الإخوان ضربة قوية للجماعة، التي كان وضعها غير مستقرّ لأشهر عدّة، قبل أن تعود بهيكلية وخطة عمل جديدتَين. على المستوى التنظيمي، بدأت جماعة الإخوان بوضع هياكل جديدة للتكيّف مع التغييرات الحاصلة على الأرض، مثل حاجتها إلى العمل السري وزيادة المواجهات بين أعضائها وقوات الأمن.
أجرت جماعة الإخوان انتخابات داخلية في شباط/فبراير 2014 وشكّلت لجنة لإدارة الأزمة. أسفرت نتيجة الانتخابات عن بقاء محمد بديع مرشداً عامّاً لجماعة الإخوان، لكن تم تعيين رئيس لإدارة لجنة الأزمة، كما تم تعيين أمين عام للإشراف على شؤون الجماعة في مصر، وجرى تشكيل مكتب إداري لإدارة شؤون الإخوان المسلمين في الخارج برئاسة أحمد عبد الرحمن. كما قامت الجماعة بترقية العديد من قادتها الشباب لقيادة أنشطة الإخوان على الأرض.
أدّت هذه التغييرات إلى استبدال أكثر من 65 في المئة من القيادة السابقة للجماعة. وقدّر أحمد عبد الرحمن أن الشباب استحوذوا على 90 في المئة من نسبة الـ65 في المئة المذكورة.
على المستوى الحركي، اعتمدت القيادة الجديدة مايُسمّى نهج "السلمية المبدعة الموجعة"، الذي يجمع بين استمرار الأنشطة السلمية في الشارع وبين العنف المحدود المستخدم في عمليات تهدف إلى استنزاف قوة النظام السياسي. وقد عنى ذلك تنفيذ عمليات من دون استهداف الأبرياء، وممارسة الثأر الموجّه وتجنّب العنف العشوائي.
التزم أعضاء جماعة الإخوان بمبدأ السلمية في الماضي. بيد أن البعض اعتقد أن الخيار السلمي لن يحقق هدف الجماعة المتمثّل في إسقاط النظام السياسي الحالي، أو على الأقل الضغط عليه لتقديم تنازلات سياسية في ظل الحملة الأمنية التي يقوم بها.
ونتيجةً لذلك، بدأ بعض الأعضاء بتنفيذ أعمال عنف فردية محدودة، مثل حرق سيارات الشرطة. ولأن القيادة فشلت في منع هذه الأعمال الفردية، حاولت بعد ذلك تنظيم تلك العمليات بهدف زعزعة النظام واستنزاف قوّته.
حرصت القيادة الجديدة على تجنّب تنفير شرائح المجتمع التي عارضت حملة القمع العنيفة ضد الإخوان، لكنها قد تعارض أيضاً لجوء الجماعة إلى وسائل عنيفة لمقاومة السلطات. وطالبت بضبط إيقاع العمليات تماشياً مع المشاعر الشعبية في منطقة معينة. بعبارة أخرى، سمحت جماعة الإخوان بتنفيذ مستوى أعلى من العمليات في المناطق التي ساد فيها غضب واضح تجاه النظام السياسي، والعكس بالعكس.
مع ذلك، رفضت القيادة الجديدة السماح لأعضائها باستخدام العنف عشوائياً ضدّ قوات الجيش والشرطة. ووفقاً للقيادة، لاينبغي أن يتم استهداف الأفراد الذين لم يشاركوا في أعمال عنف ضد أعضاء جماعة الإخوان المسلمين وأسرهم. كما أعربت القيادة عن تحفّظات بشأن استخدام العنف للانتقام من أعمال العنف التي نُفّذت ضد أعضاء جماعة الإخوان المسلمين وأسرهم، لكنها اضطرّت في بعض الحالات إلى الموافقة على تلك الممارسات. ومع ذلك، أصرّت على ضرورة أن تتناسب هذه الأعمال الانتقامية مع أعمال العنف التي ارتُكبت في المقام الأول، وأن تستهدف فقط الشخص الذي شارك في أعمال العنف.
بدا أن العنف المحدود يمثّل استراتيجية مناسبة للقيادة الجديدة. فهو قد يساعد في الحفاظ على التماسك التنظيمي ويمنع الأعضاء الشباب من أن يصبحوا جزءاً من المنظمات الجهادية الأصولية، في ضوء تزايد غضبهم ورفضهم اعتماد الوسائل السلمية. كما يمكن أن يساعد ذلك في الضغط على النظام السياسي لتغيير ميزان القوى وتمهيد الطريق نحو التوصّل إلى حلّ سياسي.
إضافةً إلى ذلك، تبدو نسبة الأعضاء الذين يريدون حمل السلاح داخل جماعة الإخوان المسلمين ضئيلة نسبياً. ففي استطلاع للرأي أجري في اجتماع لكوادر شباب الإخوان في إحدى المحافظات المصرية، أيّد أقلّ من 30 عضواً من أصل 300 عضو حضروا الاجتماع العملَ المسلّح. وفضّل الآخرون مواصلة عملهم على الأرض باستخدام وسائل غير عنيفة.
وضعت القيادة الجديدة سيناريوهين لمستقبل هذه الاستراتيجية. إذ يمكن لعمل جماعة الإخوان أن ينجح في جذب المعارضين الآخرين للنظام السياسي، ويمكن أن يتطوّر إلى ثورة شعبية قد تجبر النظام على التخلّي عن السلطة. أو يمكن للتحرّك على الأرض أن يضعف سيطرة الرئيس الجديد عبد الفتاح السيسي على نظامه، الأمر الذي قد يمهّد الطريق لحدوث انقلاب قصر يؤدّي إلى تشكيل قيادة جديدة للدولة يمكن لجماعة الإخوان أن تتفاوض معها.
الانقسام في القيادة
غير أن جميع أعضاء جماعة الإخوان لايشاطرون القيادة الجديدة رؤيتها، حيث سعى بعض الشخصيات من القيادة القديمة إلى فرض سيطرتهم مجدّداً. وتم احتواء الأزمة داخل الجماعة لأشهر عدّة، إلا أنها ظهرت إلى العلن في أيار/مايو 2015 في أعقاب مقال كتبه أحد قادة الحرس القديم، محمود غزلان. في المقال، لخّص غزلان ثوابت جماعة الإخوان المسلمين، ودعا إلى الالتزام بهذه الثوابت:
"ومن آمن بدعوة الإخوان فلا بد أن يلتزم بثوابت الإسلام العامة، وأن يزيد على ذلك الالتزام بثوابت الإخوان، ولا يجوز له أن ينكرها أو يخرج عليها. من هذه الثوابت : ضرورة العمل الجماعي، التربية منهجنا في التغيير ، السلمية ونبذ العنف سبيلنا، الالتزام بالشورى ورفض الاستبداد والفردية سواء داخل الجماعة أو خارجها، رفض تكفير المسلمين".
وأعقب المقال تصريح صحافي من محمود حسين، الأمين العام السابق لجماعة الإخوان، جاء فيه:
"الجماعة تعمل بأجهزتها ومؤسساتها وفقاً للوائحها وبأعضاء مكتب الإرشاد، ودعمت عملها بعدد من المعاونين وفقاً لهذه اللوائح ولقرارات مؤسساتها. وإن نائب المرشد وفقاً للّائحة يقوم بمهام المرشد العام إلى أن يفرج الله عنه، وإن مكتب الإرشاد هو الذي يدير عمل الجماعة".
أثار مقال غزلان وتصريح حسين ردود فعل غاضبة من الشباب الذين يقودون الصراع على الأرض. فقد رأوا في المقال خروجاً عن النهج الثوري الذي اعتمدته القيادة الجديدة، ورأوا في كلمات غزلان وحسين محاولات من جانب القيادة القديمة - التي اعتبروها مسؤولة إلى حدّ كبير عمّا أصاب الجماعة خلال المرحلة الانتقالية - لفرض رؤيتها على الشباب.
ردّ المتحدث الإعلامي باسم جماعة الإخوان المسلمين بعبارات لالبس فيها بأن مؤسّسات جماعة الإخوان انتخبتها قاعدتها الشعبية، وأنها تتولّى إدارة شؤونها بنفسها، وأن المتحدث باسم جماعة الإخوان المسلمين وموقعها الرسمي هما من يتحدثان باسم الجماعة فقط، وأن محمود حسين لم يعد أميناً عامّاً للإخوان المسلمين، وأن الجماعة انتخبت أميناً عاماً جديداً من الميدان.
زاد أعضاء المعسكرَين التواصل في مابينهم في محاولة لاحتواء الأزمة. لكن التحرّكات المكثّفة للقيادة خلال هذه الفترة جعلتها هدفاً سهلاً لقوات الأمن، وجرى اعتقال عدد من القادة البارزين.
جوهر الصراع
رأى البعض إن ردّ القيادة القديمة يمكن أن يلخَّص على أنه خلاف حول استخدام العنف. غير أن الصراع أوسع من أن يكون مجرّد خلاف حول الالتزام بالوسائل السلمية أو استخدام العنف ضدّ النظام. فهو يتعلّق بقواعد إدارة الجماعة وعمليات اتّخاذ القرارات الداخلية، والعلاقة بين القيادة والقاعدة الشعبية.
يرفض الحرس القديم الهامش الكبير للمناورة الذي مُنح إلى قاعدة الإخوان الأكثر ثوريةً، وقدرتها على تحديد أولوياتها على الأرض. يرى الجيل القديم في ذلك تهديداً لبقاء الجماعة كياناً متماسكاً، ويشعر بالحاجة إلى إحكام القيادة قبضتها على اتجاه وسرعة التحرّكات على الأرض.
تعتقد القيادة الجديدة أن الأحداث تجاوزت رؤية الحرس القديم، وأن ميزان القوى بين القيادة والقاعدة قد تغيّر. ونتيجةً لذلك، يؤمن القادة الجدد بضرورة أن تؤخذ أولويات القاعدة في عين الاعتبار. ويرَوْن أن الهدف ينبغي أن يكون ضمان استمرارية الحركة الثورية على الأرض. وفي حين أن البعض منهم قد يتّفق مع مخاوف القيادة القديمة، لابل يشاركها فيها حتى، يعتقد القادة الجدد أن الخطر يأتي بتكلفة مقبولة.
يعتقد جزء كبير من القيادة الجديدة أنه لاينبغي اتّخاذ القرارات داخل مكاتب قيادة الجماعة وإرسالها من القمة إلى القاعدة، وأن الجماعة يجب أن تكون أكثر ديمقراطية. فعلى القاعدة أن تتولّى قدراً من القيادة، وعلى القيادة الجديدة أن تحقّق التوازن بين المبادرات على الأرض وبين مبادئ الجماعة.
تدرك القيادة الجديدة أن على القاعدة الشعبية أن تقبل وترضى بأي حلّ سياسي يتم التوصّل إليه مع النظام. وهي تعرف أنها لن تكون قادرة على إقناع القاعدة بأي حلّ سياسي لايلبّي توقعاتها.
لكن القيادة القديمة تخشى هذا النهج. فهي تعتقد أن هذه الطريقة في العمل قد تنجح في احتواء القاعدة، لكنها ستغيّر شكل الجماعة الذي كانت عليه منذ فترة طويلة. ويفضّل القادة القدامى أن يخسروا جزءاً من القاعدة الشعبية على أن يخسروا الجماعة التي يعرفونها وبنوها على مدى العقود الأربعة الماضية.
لايزال الحرس القديم يعتقد أن لدى القيادة الحق في اتّخاذ أي قرار تراه مناسباً وأن على القاعدة أن تمتثل إلى تلك القرارات. ولا تمانع القيادة القديمة في خسارة بعض التأييد الشعبي مقابل الحفاظ على أسلوب إدارتها.
ثمّة عنصر آخر يعكّر صفو الحرس القديم ويتمثّل في الدور ذي الأهمية المتزايدة الذي تضطلع به دوائر إسلامية ليست مُنتمية إلى جماعة الإخوان المسلمين، ولكنها متعاطفة معها، في تحديد مسار الحركة على الأرض. هؤلاء الإسلاميون موجودون في الخطوط الأمامية، حيث يتم إلقاء القبض عليهم أو يصابون خلال الاشتباكات مع قوات الأمن، وهم لايشعرون أنهم مضطرون إلى الالتزام بقرارات قيادة جماعة الإخوان المسلمين، التي ليست سوى جزء من الصراع ضدّ النظام. وفي حين تعترف القيادة الجديدة بضرورة الاستفادة من أولئك الإسلاميين غير المنظّمين، حتى لو سمحت لهم بقدر أكبر من النفوذ على الأرض، ترى القيادة القديمة في هذا الوضع غير المستقرّ خطراً على هيكل الجماعة وأفكارها.
في الوقت نفسه، تتّفق القيادتان في الحقيقة على ضرورة تجنّب العنف على نطاق واسع، ولكن لأسباب مختلفة. إذ يرفض القادة القدامى الميل نحو العنف لأنه ينتهك مبادئ الجماعة، التي يعتبرون أنفسهم حماتها ولسان حالها. وترفض القيادة الجديدة الانجرار إلى العنف لأسباب عملية وبراغماتية تتعلّق بحجم الدعم الشعبي للنظام والخسائر التي يمكن أن تتكبّدها الجماعة في حال حملت السلاح ولجأت إلى العنف على نطاق واسع. ومع ذلك، يعترف القادة الجدد بأنه إذا كانت هناك موافقة مجتمعية في مرحلة ما على استخدام المزيد من العنف على نطاق أوسع، فإنهم سيستخدمونه. ويُعتبَر استخدام العنف بالنسبة إلى القيادة الجديدة خياراً ينبغي تقييمه وفقاً لتحليل التكاليف والمنافع فقط، ولاينبغي استبعاده فكرياً كما يقول الحرس القديم.
الوقع أن القيادة القديمة لديها حسابات أخرى تتجاوز الوضع الداخلي في مصر. فالحرس القديم يدرك أن خيارات القاعدة على الأرض لاتتعلّق بالوضع المصري وحسب، وأنه ستكون لها آثار كبيرة على حركة الإخوان المسلمين في بلدان أخرى. وبالتالي من شأن اللجوء إلى مزيد من العنف أن يضرّ بحركة الإخوان المسلمين وخطابها السلمي خارج مصر. ويبدو أن هذا البُعد غائب عن أولويّات القيادة الجديدة، التي يملي الوضع الداخلي في مصر في المقام الأول تحركاتها.
التداعيات على الجماعة والنظام
لايبدو أن الخلاف العلني على قيادة الإخوان سوف يستمرّ إلى ما لانهاية، لأن الطرفَين يدركان الأثر الذي سيعود به الصراع على الجماعة وعلى تماسكها، وهو أمر مهم في وقتٍ تُواجِه جماعة الإخوان قمعاً أكثر قسوة من جانب النظام. لكن من المرجّح أن يستمرّ الخلاف الأعمق بين أنصار قواعد الحرس القديم وأنصار القواعد الجديدة الناجم عن المناخ السياسي السائد منذ العام 2013.
الحال أن نهج كلٍّ من الطرفين ليس مثالياً للجماعة.
العودة إلى قواعد الحرس القديم قد تدفع العديد من شباب الجماعة إلى التخلّي عنها، بعد أن سئموا من تلقّي تعليمات لم يتم التشاور معهم بشأنها ولكن مطلوب منهم دفع ثمنها على الأرض. فقد ازدادت في الأشهر الأخيرة حدة انتقاد بعض شباب الجماعة للحرس القديم ومسؤوليته عمّا حدث للجماعة. لابل ذهب بعض الشباب إلى حدّ اتّهام بعض شخصيات الحرس القديم بالتعاون مع أجهزة الأمن المصرية. وفي حين أن الهدف المعلن لاستراتيجية الحرس القديم هو محاولة استعادة السيطرة على الجماعة لمنعها من التوجّه نحو العنف، قد يؤدّي هذا الموقف إلى نتائج عكسية تماماً. وقد تكون للعودة إلى النموذج القديم لادارة جماعة الإخوان عواقب وخيمة على الجماعة نفسها وعلى الاستقرار السياسي في مصر.
يرفض عدد كبير من كوادر الشباب هذه القيادة ونهجها المُسيطِر، ولذلك فقد يقرّرون التخلّي عن جماعة الإخوان والانضمام إلى الجماعات المسلحة. وهم يشعرون بالإحباط بالفعل من أن تحركاتهم على الأرض لمدة عامين لم تسفر عن شيء.
إضافةً إلى ذلك، تتزايد شعبية الحركات السلفيّة الجهاديّة، مثل جبهة النصرة في سورية، في أوساط شباب جماعة الإخوان المسلمين. فقد دعا أمير جبهة النصرة جماعة الإخوان المسلمين إلى التخلّي عن أساليبها السلمية وحمل السلاح، وهي دعوة وجدت تعاطفاً لدى بعض شباب الجماعة في مصر.
نجحت القواعد الجديدة التي وضعتها قيادة الإخوان الجديدة في مصر في الحفاظ على تماسك الجماعة والإبقاء على مستوى منخفض من العنف، غير أنها أضعفت قدرة القيادة على تبنّي خيارات سياسية براغماتية، مثل الذهاب إلى تسوية سياسية مع النظام. وفي حين يدرك بعض القادة الجدد أنه ستكون هناك حاجة، في مرحلة ما، إلى التوصّل إلى تسوية سياسية، لايستطيعون طلب ذلك من الأعضاء الأدنى مرتبة في الجماعة.
علاوة على ذلك، لايمكن أن تستمرّ هذه القواعد لفترة طويلة. فوجود قاعدة أكثر لامركزية يمكن أن يؤدّي إلى تآكل تماسك الجماعة، ويفضي إلى تفكّكها إلى جماعات منفصلة تعمل بصورة مستقلّة. هذا النهج يمكن أن يمنح القيادة الجديدة بعض الوقت، إلا أنه ليس نموذجاً تنظيمياً قابلاً للاستمرار.
إذا كانت القيادة الجديدة تريد الحفاظ على تماسك الجماعة وإعطاء الأعضاء مساحة أكبر للعمل، وفي الوقت نفسه ضمان قدرتها على اتّخاذ القرارات وتنفيذها حتى لو لم يقبل بها جميع الأعضاء، فينبغي عليها العمل على وضع قواعد تنظيمية جديدة تراعي تحقيق التوازن مابين الديمقراطية الداخلية من خلال إشراك الأعضاء الأدنى مرتبة في عملية صنع القرار، وضرورة التأكد من التزام جميع الأعضاء بالقرارات وأن الهيكل اللامركزي الحالي لايمنع القيادة من اتّخاذ قراراتها وتنفيذها عند الحاجة.