الإرهاب ظاهرة فكرية متجذرة في حقبات مختلفة من تاريخنا العربي. ومعالجة هذه الظاهرة أصبحت عملية معقدة بعد أن تداخلت وتعدّدت أبعادها حتى كادت أن تصبح عصيةً على دول رعتها وسخرتها لخدمة أجندات سياسية.
وللتعرف على الجانب السياسي لظاهرة الإرهاب يمكننا تحديد ثلاثة أبعاد رئيسية لهذه الظاهرة. البعد الأول هو البعد الدولي متمثلاً في المعرفة التامة لدول الغرب وخصوصاً الولايات المتحدة الأميركية لبيئة وثقافة وفكر الإسلام السياسي عبر العصور، والتجارب المتعلقة باستغلاله ضد قوى مناوئة بغرض تحقيق مآرب سياسية واقتصادية. وتمثل الحرب في أفغانستان ضد نفوذ الإتحاد السوفياتي السابق نجاحاً بارزاً لهذا البعد الدولي المتعلق باستثمار الإسلام السياسي في عصرنا الحاضر.
البعد الثاني هو البعد الإقليمي، حيث ازداد توظيف التطرف والإرهاب شراسةً في دول مثل ليبيا وسورية والعراق، بعد أن أصبح أداةً لمعاقبة دول مارقة تستدعي المصالح السياسية والاقتصادية تجزئتها وإشغالها في اقتتال داخلي لتصبح عاجزةً عن تهديد المصالح الغربية وأمن «إسرائيل». وهكذا تحوّلت جميع البنادق إلى الداخل وانشغلت في اقتتال محلى بعد أن كانت جميع هذه البنادق مصوبة نحو «إسرائيل».
من جهةٍ أخرى، أصبح توظيف التطرف والإرهاب في هذا البعد الإقليمي، حاجةً ملحة وخصوصاً بعد التحولات السياسية في إيران والتي استدعت تسخير الإسلام السياسي لإيجاد حالةٍ من التوازن بين معسكرين متصارعين، الأول يضم دولاً مرتبطة مصالحها السياسية والاقتصادية والعسكرية باستراتيجية المعسكر الغربي، والآخر على خلاف حاد مع هذه الاستراتيجية. إن بروز هذا التناقض الحاد بين المعسكرين تطلب البحث عن جذور خلافات تاريخية بغرض انبعاثها من جديد وتوظيفها لإبراز خلافات طائفية بين مذهبين إسلاميين بارزين. وهكذا دخلت منطقتنا مرحلةً جديدةً تعتبر الأخطر في تاريخها المعاصر.
البعد الثالث هو البعد المحلي أو الداخلي، فاستناداً إلى ما ذكر أعلاه، ونظراً لوقوع منطقة الشرق الأوسط من الناحية الاستراتيجية ضمن المصالح الغربية، فقد أصبحت ملزمةً وفق هذا التحالف، بالتقيد بما تراه مناسباً لحماية أمنها ومصالح حلفائها، وذلك وفقاً للترتيبات الأمنية والعسكرية بين الطرفين. لهذا السبب انعكس الصراع الإقليمي على سياسات دول المنطقة بصورة مباشرة، كما نراه متمثلاً في تأجيج وتوظيف الصراع الطائفي لخدمة أجندات وتصفية خلافات سياسية. وقد ساهمت الخلافات السياسية بين المعارضة والسلطات الحاكمة في بعض دول المنطقة في تصدّع العلاقة بين هذه السلطات وبعض من مكوّنات مجتمعاتها، ما تسبب في خلق حالةٍ من الاستقطاب المذهبي والسياسي الحاد في المنطقة.
في مثل هذه الأوضاع السياسية المتداخلة والمعقدة التي أصبح الإرهاب فيها خارج نطاق السيطرة التقليدية الكاملة للدول، بات لزاماً على النخب السياسية والدينية المؤثرة وتلك التي تقيد الحراك السياسي، وكذلك مجتمع العوائل البارزة في المجتمع البحريني، أن تعيد النظر في أولوياتها باعتبار خطر الإرهاب على الوطن يفوق ما عداه، ما يتطلب السعي لرأب الصدع بالتوافق مع السلطة على برنامج لمصالحة وطنية يأخذ في الحسبان الأوضاع الخطيرة في الداخل والخارج، ويحفظ للمواطن البحريني كرامته وللنظام السياسي شرعيته. فالولاء للشرعية تقابله حقوق مواطنة غير منقوصة ترتضيه جميع الأطراف، وهذا أضعف الإيمان.
إقرأ أيضا لـ "عبدالحسن بوحسين"العدد 4689 - الخميس 09 يوليو 2015م الموافق 22 رمضان 1436هـ
النخب السياسية في أي مجتمع عادي يتقابلون حتى لو يوجد بينهم خلاف حاد
وبالذات اذا البلد حس بأي خطر تلقاهاهم على مدار الساعة إجتماعات أما النخب الدينية المختلفة مذهبين هذا لايمكن ان يحصل بينهم ومرة البحرين بأزمات حادة وخطيرة ولم تقربهم لبعض لإيجاد حل بل زادو بعدا عن بعض والأسباب الكل يعرفها.